الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُعتبر عمليات تقسيم الشركات من الخطوات الجريئة التي تقوم بها الكيانات الكبرى بهدف رفع قيمتها السوقية وزيادة ثرواتها، فعندما تتوسع الشركة توسعًا كبيرًا في أنشطتها، قد يصبح من الصعب التمكن من إدارتها بكفاءة، مما يجعلها تلجأ إلى فصل بعض القطاعات أو الوحدات التشغيلية في كيانات مستقلة، وهو ما يسهم في تحسين الإيرادات المالية والارباح الصافية ويقلل التكاليف التشغيلية والإدارية.
تتعدد الأسباب التي تدفع الشركات إلى اتخاذ قرار التقسيم، ولعل أبرزها في نظري هو زيادة القيمة السوقية، حيث يُلاحظ في كثير من الحالات التي اطلعت عليها أن القيمة الإجمالية للشركات بعد التقسيم تفوق قيمة الشركة الأم قبل العملية، مما يعزز من عوائد المساهمين، كما أن التقسيم يسهم في رفع كفاءة التشغيل والإدارة، حيث يتيح لكل شركة التركيز على أنشطتها بشكل أكثر استقلالية، مما يؤدي إلى نمو أسرع وتقليل التكاليف التشغيلية. بالإضافة إلى ذلك، يمنح التقسيم الشركات مرونة مالية أكبر، إذ يُمكن كل كيان مستقل من البحث عن مصادر تمويل خاصة به، دون الارتباط بأداء الشركة الأصلية، الأمر الذي يعزز من قدرتها التنافسية. كذلك، قد يكون التقسيم وسيلة فعالة لتجنب تضارب المصالح داخل الشركة، خاصة في الحالات التي تعمل فيها في أنشطة متباينة قد تؤثر على بعضها البعض.
يتم تنفيذ عمليات التقسيم عبر عدة آليات كما هو الشائع والمشاهد، أبرزها الانقسام الجزئي، حيث يتم إنشاء كيان مستقل بينما يحتفظ المساهمون بأسهمهم في كلا الشركتين. كما يمكن اللجوء إلى الانقسام الكامل، الذي يؤدي إلى تفكيك الشركة إلى عدة شركات جديدة مع إنهاء وجود الشركة الأصلية، وهناك أيضًا خيار البيع الجزئي، حيث يتم طرح جزء من الوحدة المنقسمة في سوق الأسهم، مما يسمح بدخول مستثمرين جدد مع استمرار السيطرة الكاملة على الشركة الجديدة.
وقد اطلعت على حالات ناجحة من عمليات التقسيم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك انفصال “eBay” عن “PayPal”عام 2015، حيث أدى هذا القرار إلى تحقيق كلتا الشركتين نموًا متسارعًا بعد أن ركزت كل واحدة منهما على مجالها الأساسي دون قيود أو تعارض في المصالح، ومثال آخر على شركة انقسمت هو شركة “HP” (هيوليت باكارد)، التي تُعد من كبرى شركات التكنولوجيا في عام 2015، حيث قررت الشركة فصل أعمالها إلى كيانين مستقلين، حيث احتفظت (HP Inc) بأعمال أجهزة الكمبيوتر والطابعات، وركزت على سوق الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، في حين تولت (Hewlett Packard Enterprise (HPE)) إدارة الخدمات السحابية، والخوادم، وحلول البرمجيات الموجهة للشركات، مما مكّن كل جهة من التركيز على مجالاتها الأساسية وتحقيق نمو أكثر استقرارًا.
ورغم الفوائد المتعددة لعمليات التقسيم، فإنها قد تواجه بعض التحديات، مثل ارتفاع تكاليف إعادة الهيكلة، وتعقيدات توزيع الأصول، بالإضافة إلى قلق المستثمرين في المرحلة الأولى قبل أن حصد الفوائد الفعلية للتقسيم.
في المجمل، أرى أن تقسيم الشركات يُعد خيارًا استراتيجيًا يسعى إلى رفع القيمة السوقية والى استدامة الشركات مع نمو مستقر، إلا أنه يتطلب الاستعانة بالكوادر القانونية والمالية الخبيرة بحال الشركات و دراسة هذه الخطوة دراسة متأنية لضمان تحقيق الأهداف المرجوة دون الإضرار باستقرار الأعمال أو التأثير السلبي على سمعة الشركة في الأسواق.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال