الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في عصر تتزايد فيه أهمية المدن كمحركات للاقتصاد والتأثير العالمي، لم تعد جودة البنية التحتية أو حجم الاستثمارات وحدها كافية لقياس مكانة المدينة، بل أصبح حضورها في المؤشرات العالمية للمدن أحد أهم معايير التقييم والتأثير.
تلك المؤشرات، التي تصدرها مراكز بحثية ومنظمات دولية مرموقة، باتت مرجعًا رئيسيًا لصُنّاع القرار، والمستثمرين، والمختصين، وحتى الأفراد الباحثين عن جودة حياة عالية، أو فرص مهنية وتعليمية واعدة.
وتقيس هذه المؤشرات أداء المدن عبر أبعاد متعددة، تشمل الاقتصاد، البيئة، الحوكمة، الاستدامة، الصحة، التعليم، الأمان، البنية التحتية وقابلية العيش. لكنها في الوقت ذاته، تكشف غيابًا ملحوظًا للمدن السعودية، خاصة عن قوائم أفضل 20 أو 30 مدينة عالمية.
ورغم التقدم الكبير الذي تشهده المملكة على مختلف الأصعدة، إلا أن هذا الغياب يدفع للتساؤل: لماذا لا تنعكس إنجازات مدننا على تلك القوائم؟
المشكلة لا تكمن في غياب الإنجاز، بل في غياب التوثيق والترويج المنهجي. فمن خلال الاطلاع المباشر على تجارب مدن عالمية، يمكن القول بثقة إن بعض مدن المملكة، وفي مقدمتها الرياض وجدة والمدينة المنورة، تمتلك المقومات التي تؤهلها للمنافسة على أعلى المراتب، من حيث جودة الحياة وتكامل الخدمات ومستوى التنمية.
ويُطرح هنا سؤال جوهري: من الجهة المعنية بتسويق المدن السعودية عالميًا؟
من يتولى مهمة التواصل مع المؤسسات والمراكز البحثية المعنية؟ من يزوّدها بالبيانات الدقيقة والمحدثة؟ من يعمل على ضمان تمثيل المدن السعودية في هذه المؤشرات بما يتناسب مع واقعها وتطلعاتها؟
في الوقت الذي تحظى المملكة سنوياً بتصنيفات متقدمة في ملف التصنيف الائتماني السيادي من مؤسسات مثل موديز وS&P، والفضل في ذلك يعود إلى وزارة المالية ممثلة بالمركز الوطني لإدارة الدين، فيما لا يبدو أن هناك جهة مماثلة تضطلع بمهمة تصنيف المدن على المستوى العالمي.
الرياض مثلاً، التي تستعد لاستضافة إكسبو 2030، كما أنها مع باقي مدن المملكة تتأهب لاستضافة أضخم حدث عالمي بعد الألعاب الأولمبية الدولية وهي بطولة كأس العالم 2034. مدينة باتت نموذجًا في التنمية الشاملة، من شبكة النقل العام الحديثة، إلى استقطاب الشركات العالمية، ومن التوسع في القطاع الصحي، إلى النمو المتسارع في التعليم والترفيه والتقنية.
ومع ذلك، لم نرَ انعكاسًا لهذه القفزات في تصنيفات المدن العالمية، الأمر الذي يشير إلى قصور مؤسسي في تسويق المنجزات والتعريف بها دوليًا.
إن تسويق المدن لم يعد خيارًا، بل أصبح أحد أذرع القوة الناعمة للدول، ووسيلة فعّالة لتعزيز مكانة المملكة على الخارطة الحضرية العالمية. لذا، فإن غياب كيان منظم يعنى بهذا الملف يُعد ثغرة ينبغي معالجتها بشكل عاجل، عبر إنشاء جهة متخصصة أو تعزيز دور الجهات القائمة، بما يضمن الاستمرارية والاحترافية في هذا الجانب.
باختصار، مدن المملكة تستحق أن تُرى كما هي: متقدمة، نابضة بالحياة، وجاهزة للمستقبل. ولا بد من عمل مؤسسي ممنهج لرواية هذه الحقيقة للعالم، عبر المؤشرات، والتصنيفات، والتقارير الدولية.
فما لا يُروى لا يُعرف، ومنجزات بلا صدى، تظل صامتة، مهما بلغ مداها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال