الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشهد السعودية تحولات كبرى في مختلف المجالات ضمن أطار رؤية 2030 إلا أن أحد التحديات التي تلوح في الأفق يتعلق بصحة وانضباط الشباب السعودي. هذا التحدي تجسد بوضوح بعد مشاهدة الأداء البدني للمنتخب السعودي في نهائي كأس آسيا للناشئين تحت 17 عاما حيث برز ضعف البنية الجسمانية مقارنة بمنتخب أوزبكستان الأمر الذي أعاد إلى السطح قضية ضعف اللياقة البدنية وانتشار الأمراض المزمنة بين الشباب السعودي. وهنا يُطرح سؤال مهم هل حان وقت تطبيق التجنيد الإلزامي في المملكة؟
تُشير الإحصاءات إلى أن 35% من السعوديين يعانون من السمنة بينما تتجاوز نسبة المصابين بمرض السكري 18% مع ازدياد معدلات الخمول البدني وانتشار العادات غير الصحية بين فئة الشباب. هذه الظواهر لا تُهدد الصحة العامة فقط بل تُثقل كاهل الاقتصاد الوطني نتيجة ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وانخفاض إنتاجية الأفراد.
إذا يُعد التجنيد الإلزامي أحد الحلول الاستراتيجية لمواجهة هذه الظواهر ليس فقط من منظور عسكري لكن من منظور أكبر كبرنامج وطني لإعادة تأهيل الشباب بدنياً ونفسياً. ومن المهم هنا الاستفادة من تجارب الدول العربية المشابهة للسعودية التي سبقت في تطبيق هذا النظام وحققت نتائج إيجابية ملموسة.
ففي الإمارات تم تطبيق التجنيد الإلزامي منذ عام 2014 وركز البرنامج على تعزيز اللياقة البدنية والانضباط وغرس القيم الوطنية.
وقد أشارت الدراسات إلى تحسن ملحوظ في صحة الشباب الإماراتي إلى جانب تنمية مهارات القيادة والعمل الجماعي لديهم. كما ساهم التجنيد في خلق جيل أكثر التزاماً وجاهزية للمساهمة في مسيرة التنمية الوطنية.
أما في قطر فقد تم اعتماد التجنيد الإلزامي مع مراعاة الجوانب التعليمية والتدريبية حيث تم ربط الخدمة الوطنية بتأهيل الشباب لمتطلبات سوق العمل وتنمية مهاراتهم الشخصية. وقد ساهم هذا النظام في تحسين الانضباط المجتمعي وتقوية البنية الجسدية والنفسية للشباب القطري.
قد يتخوف البعض من تأثير التجنيد الإلزامي على المسار الأكاديمي أو المهني للشباب إلا أن التجارب العالمية الناجحة أثبتت أن التجنيد يمكن أن يكون مرحلة انتقالية إيجابية إذا ما صُمم بشكل متوازن بحيث يتضمن برامج تدريبية عسكرية وصحية ومهارية تسهم في صقل شخصية الشباب وتأهيلهم للحياة العملية.
تجربة كل من الإمارات وقطر أثبتت أن التجنيد الإلزامي لا يُعتبر عبئاً على الشباب بل هو فرصة لإعدادهم ليكونوا أكثر صحة والتزاماً ومسؤولية. كما ساعد في تقليل معدلات السمنة والخمول ورفع الوعي الصحي مما انعكس إيجابياً على الاقتصاد من خلال تقليل الأعباء الصحية وزيادة كفاءة القوى البشرية.
إذن فإن تطبيق التجنيد الإلزامي في السعودية سيكون خطوة استراتيجية تُسهم في معالجة المشكلات الصحية المنتشرة بين الشباب وتُعزز من قدراتهم البدنية والنفسية. كما سيُسهم في بناء جيل منضبط قادر على مواجهة تحديات المستقبل خاصة في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب قوى عاملة تتمتع بصحة جيدة وانضباط عالي.
وفي ظل التحديات الإقليمية فإن وجود قاعدة شبابية مدربة يُعد عنصر قوة للدولة ليس فقط في الجانب العسكري بل في مختلف القطاعات التي تعتمد على شباب قادر بدنياً ومؤهل ذهنياً.
أخيراً تُظهر تجارب الدول العربية الشقيقة أن التجنيد الإلزامي يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق أهداف صحية واجتماعية واقتصادية في آن واحد. ومع التحديات التي تواجه الشباب السعودي اليوم فإن الوقت قد حان للنظر بجدية في تبني هذا النظام كجزء من استراتيجية وطنية شاملة لبناء مجتمع حيوي واقتصاد قوي تماماً كما نجحت به دول قريبة في الظروف والطموحات.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال