الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في واحدة من أقدس المهن على وجه الأرض، حيث أن الأرواح تقع أمانة تحت مسؤولية الأطباء، قد يتحوّل الخطأ إلى موت… والصمت عنه إلى جريمة لا تُغتفر.
في بعض حالات الاخطاء الطبية، يتم محاولات لطمس الوقائع أو التستر عليها، الأمر الذي يُسهم في خلق بيئة من الغموض والتشويش حول المٌلابسات الحقيقية للخطأ الطبي.” حين تغلب الاعتبارات الإدارية والتجارية على قواعد المهنة، تتآكل الأثباتات بين مشرط الجراح وتقارير المستشفى… بين غرفة العمليات وملف القضية.
وهنا يبدأ السؤال الأخطر: من يُحاسب؟ ومن يتهرّب؟
حين تتحوّل التسوية إلى ابتزاز ناعم و إلى أداة لإسكات الضحية و حماية الجاني:
من التحديات الخطيرة التي تواجه بعض ضحايا الأخطاء الطبية، هو الضغط الذي يُمارس عليهم بشكل مباشر أو غير مباشر للقبول بتسويات مالية سريعة، تحت مسمى “الصلح”، في مقابل التنازل عن حقهم في المطالبة القانونية.
وفي بعض الحالات يُرفق ذلك بتلاعب في المستندات أو تقارير الوفاة إلى جانب تعمّد التستّر على الحالة الصحية أو الذهنية للطبيب المُعالج، خاصةً في حال وجود مؤشرات على معاناته من اضطرابات نفسية، أو تعاطيه أدوية تؤثر على التركيز والذاكرة، أو حتى وجود شُبهة استخدام الكحول أو المواد المخدّرة أثناء العمل، مما يُضعف موقف الطبيب و المستشفى أمام الجهات القضائية.
وهنا تبرز جرائم التزوير والتستر التي قد يُشارك فيها بعض أفراد الطاقم الإداري داخل المنشأة الصحية، ما يجعلهم طرفًا مباشرًا في الجريمة لا مجرّد شهود عليها و يمكن تحميلهم بتهمة التواطؤ أو الإهمال الجسيم.
هل إخلاء المسؤولية من المريض يعتبر تنازلًا عن حقه في المطالبة؟
في بعض من المراكز الصحية يُطلب من ذوي المريض التوقيع على نماذج “إخلاء مسؤولية”، أو تُسجّل الوفاة باعتبارها “مضاعفة محتملة” رغم وضوح الخطأ.
وما يزيد من تعقيد الصورة هو دور بعض شركات التأمين الطبي، التي تسعى إلى الحد من الخسائر المالية دون المساهمة في الإصلاح.
والنتيجة؟ ( تكرار الأخطاء دون رادع، فقدان المريض لثقته بظهورالحق،انعدام الردع داخل البيئة الطبية )
لكن المعضلة الحقيقية تكمٌن في صعوبة الوصول إلى الأدلة، وغياب الشفافية، فضلًا عن الضغوط التي تُمارس أحيانًا على ذوي الضحايا لتسوية الأمور خارج أروقة القضاء.
نحو حوكمة طبية فعالة: الفحص الدوري الإلزامي للأطباء كركيزة لأمان المريض وسلامة المهنة
هل نكتفي بردود الفعل بعد الكوارث، أم آن الأوان لتبنّي إجراءات وقائية تُعزز من أمان البيئة العلاجية؟
الطب مهنة تتطلب تركيزًا ذهنيًا حادًا واتخاذ قرارات مصيرية، وأي خلل في القدرات الجسدية أو العقلية أو السلوكية للطبيب يُعدّ خطرًا داهمًا على حياة المرضى. من هذا المنطلق، أقترح:
الحوكمة الصارمة… حماية للمريض ورافعة لسُمعة المنشأة واستقرارها المالي
حتى لا تتحوّل المستشفيات إلى مناطق مُحصّنة من المساءلة، فإن الحاجة ملحّة لتبنّي سياسات ولوائح وأنظمة حوكمة صارمة، لا لحماية المريض فحسب، بل لحماية سمعة المنشأة واستدامتها المالية، وأصبحت أصولًا استراتيجية تُسهم في رفع قيمة المنشأة في السوق، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الربحية على المدى الطويل.
وفي هذا السياق، تبرز مجموعة من الأقتراحات و الاجراءات الجوهرية:
ختامًا، فإن جودة الرعاية الصحية في القطاع الخاص لا تتحقق إلا برفع كفاءة المنشآت، وترسيخ معايير الحوكمة والشفافية، وإقرار سياسات إلزامية للإبلاغ عن الأخطاء الطبية. فهذه ليست خيارات إدارية، بل ضرورات لحماية المرضى، وتعزيز الثقة، وصون سُمعة المنشآت. فعندما تُبنى الثقة على أسُس من النزاهة والمهنية، يصبح ضخ الأموال من المساهمين والمستثمرين في القطاع الطبي خيارًا آمنًا ومُجزياً، ما يؤدي بدوره إلى رفع ربحية المستشفيات، واستقرارها المالي، وتعزيز قدرتها التنافسية في السوق الصحي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال