الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صدر نظام رسوم الأراضي البيضاء في نهاية العام 2014، بهدف: (1)زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب، (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة، (3) حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. وفي الأسبوع الماضي، أقرّ مجلس الوزراء الموقر تعديلات جوهرية على نظام الأراضي البيضاء، أبرزها رفع نسبة الرسوم السنوية نسبةً من قيمة الأراضي البيضاء من 2.5 بالمائة إلى10 بالمائة كحد أقصى، وفرض رسم سنوي على العقارات غير المستغلة لمدة طويلة دون مسوغ، وستتضح التفاصيل الإجرائية والتشغيلية مع صدور اللائحتين للأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة خلال 90 يوماً وسنة على التوالي.
الاهتمام بالحد من الأراضي البيضاء عمرهُ عقود، ومبررهُ السعي لتقليص ظاهرة التي لعل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي تنفرد بها من بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وتتجسد في وجود مساحات شاسعة من الأراضي ضمن المخططات العمرانية (أي ضمن النطاق العمراني المسوح فيه استخدام الأراضي لاستعمالات حضرية) غير مستغلة، وتبقى غير مستغلة لأجيال، “تطقها الشمس والهواء”، وفي نفس الوقت تؤدي لتدني كفاءة استغلال البنية التحتية والشبكات الخدمية؛ إذ لابد من توفير الخدمات الأساسية ضمن النطاق العمراني، فتتوفر تلك الخدمات لكن دون أن يكون هناك زبائن في جنبات عديدة من المدينة أو البلدة للاستفادة منها وبالتالي تنمية إيرادات الجهات الحكومية والخاصة القائمة على توفير تلك المرافق. وللمضاهاة حاول أن تستعيد مشاهد من لندن أو نيويورك أو ستوكهولم، هل ترى فراغات شاسعة من الأراضي فيها؟ لعل متوسط مساحات الأراضي الشاغرة في تلك المدن التي ذكرت يقل عن 5 بالمائة.
وقضية الاستخدام المتدني لما هو متاح من أراضي مخططة أمر لابد له من حلّ، والسبب أن محدودية المعروض من مساكن ومباني تجارية يجعل تكلفة المعيشة خاصة في المدن الرئيسة، ولاسيما الرياض في ارتفاعٍ مضطرد، وهذا يؤثر على تنافسية المدينة لاستقطاب الأعمال، وذلك اتجاه الآجار إلى الارتفاع المضطرد. وعلينا أن نتذكر أن الاقبال الكبير على افتتاح الأعمال والنمو السكاني المرتفع في العاصمة يتطلب زيادة متزايدة في العرض تُجاري تنامي الطلب، حيث صدر 63 ألف سجل تجاري جديد في منطقة الرياض في الربع الرابع للعام 2024 مقارنة بأكثر قليلاً من 33 ألفاً في الربع الرابع العام 2023، أي بزيادة تقارب الضعف. إذن، الموضوع ليس سكناً فقط بل أن هناك شح للأراضي المخططة للاستخدامات الحضرية بما يعيق التنمية ويحد من كفاءتها، والسبب عدم رغبة فلان في تطوير أرضه!
ولعلنا بحاجة لتصحيح مفهوم ملكية الأفراد للأراضي المخططة، بأن حق الملكية لا يعني حرمان المجتمع من الخدمات التي خصصت الأرض من أجلها، أي أن على المالك “إحياء الأرض” بعمارتها خلال فترة زمنية محددة من امتلاكها، بأن يقيم بيوتاً أو عمارة أو مجمعاً، وإلا فعليه أن يبيع هذه الميزة لمن يستطيع استثمار الأرض المخططة بتطويرها فتكون مصدراً يعزز إيرادات المستثمر ويساهم في نمو الاقتصاد، بما يمكن المجتمع من الاستفادة.
وبالتأكيد، فإن عدم إدراك شريحة واسعة من الملاك لهذا الأمر حرم المجتمع من أن يكون لديه ما يكفي من المساكن، على سبيل المثال لا الحصر. والآن، وجد المجتمع نفسه وجهاً لوجه أمام شح المعروض من سكن، لم ينتج اليوم أو بالأمس القريب بل هو محصلة عدم البناء لما يكفي من مساكن على الأراضي المخططة والمخصصة لإقامة مساكن عليها. تصور مثلاً، أن كل من يملك أرضاً مخططة ضمن النطاق العمراني عليه أن يستثمرها خلال فترة لا تزيد عن ثلاث سنوات مثلاً (وهو عمر رخصة البناء) وإلا فقد الترخيص وعرضت في المزاد، وهذا سيعني أن جهد بناء المزيد من المساكن لن يقع فقط على كاهل وزارة الإسكان، والشركة الوطنية للإسكان وروشن والمطورين العقاريين الكبار، بل على كل من لديه قطعة أرض مفروزة للاستخدام كسكن أو لأي استخدام عقاري آخر، فإن استطاع المالك أن يبنيها خلال المدة المحددة في الترخيص فبها ونعمة، وإلا عليه أن يجد من يستثمرها بطريقة أو بأخرى. وبذلك يكون “الزمن الذي يتناقص” عنصراً ضاغطاً على ملاك الأراضي ممن قرروا تركها للهواء والشمس. وهكذا، يكون لكل أرضٍ مدى زمني لابد أن تطور خلاله، وهذا يأتي ضمن شروط امتلاك الأرض، وهي شروط تتفاوت تبعاً لموقع الأرض ومدى أهمية تطويرها لاعتبارات حضرية أو خدمية أو حتى جمالية المشهد. وفي حال الالتزام بالوفاء بشروط تطوير الأرض خلال الزمن المحدد، فلن ترى شوارعاً شريانية في مدننا السعودية تكابد من فراغات كبيرة تشوه المشهد جمالياً واقتصادياً ويقف تطويرها عقبةً كأداء في وجه تلبية الطلب على السكن أو المكاتب أو المرافق الأخرى.
ويمكن بيان أن أسلوب “الزمن المتناقص” سيكون خير دافع لحفز المُلاك على تطوير أراضيهم البيضاء، بالإضافة إلى فرض رسوم وفق النظام. إذ يمكن الجدل أن العلة من كل ذلك ليس مجرد دفع المالك لعرض الأرض في السوق بيعاً وشراءً، بل العلة الأساس -كما بينت ديباجة نظام رسوم الأراضي البيضاء- ان يستفاد من الأرض؛ باستخدامها مسكناً أو سوقاً أو مستشفى أو مدرسة إلى آخر الاستخدامات الحضرية، فبذلك نجمع بين التنمية والنمو. أما أن تنفق الدولة –رعاها الله- المال دون مردود اجتماعي أو اقتصادي بسبب أن آحاداً من ملاك الأراضي ليس لديهم الرغبة أو الحافز أو الدافع لعمارة الأرض التي يملكون، فهذا أمر اتضح جلياً أنه يلحق ضرراً بالمصلحة العامة، التي ينبغي أن تتقدم على رغبات الآحاد. لاسيما أن التعسف في “عضل” الأرض أمرٌ متعدي في أثاره الضارة حتى على اقتصادنا، فالمساهم الأكبر حالياً في التضخم هو الآجار المتصاعد للسكن وللمساحات التجارية ولاسيما في المدن الرئيسة التي يعول عليها لتكون “مغناطيسات” اقتصادية إقليمياً وعالمياً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال