الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من يدفع ثمن الحقيقة التي لا تُقال؟ هل تعتقد أن كل ما تشاهده أو تسمعه يُقدم لك بموضوعية؟ أم أن هناك صفقات وعقودًا تُدار خلف الكواليس تُغيّر الحقيقة وتتحكم بالمضمون؟ هل يمكننا أن نثق بما نسمعه ونشاهده إذا استمرت هذه العقود السرية تلعب دورًا خفيًا في تشكيل المحتوى؟ الحوكمة الإعلامية ليست خيارًا بل هي الدرع الواقي الذي يحفظ مصداقية القنوات و المنشات الإعلامية ويصون حق الجمهور في معرفة الحقيقة. في عصر الإعلام الرقمي المتسارع، حيث تتعدد منصات النشر وتتنوع أشكال التمويل، باتت العقود الإعلامية غير المرئية تحديًا جوهريًا أمام الشفافية والنزاهة الإعلامية.
الحوكمة الإعلامية: الإطار الحاسم للشفافية والمساءلة والالتزام القانوني
في عصر يتزايد فيه الاعتماد على الإعلام كمصدر رئيسي للمعلومات، باتت حوكمة الإعلام ضرورة لا غنى عنها لضمان شفافية المضمون ومساءلة الجهات الإعلامية. تتطلب أفضل الممارسات الدولية من المؤسسات الإعلامية الإفصاح الكامل والدوري عن مصادر تمويلها وشراكاتها، بما في ذلك عقود الدعم التجاري والإعلاني.
ولا يقتصر الأمر على مجرد الإفصاح، بل يتطلب وجود هيئات رقابية مستقلة تملك الصلاحيات القانونية لمراجعة العقود والصفقات، وفرض العقوبات على المخالفين، كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية التي برهنت على فاعلية هذا النموذج.
العقود غير المرئية: نقطة ضعف الحوكمة التي لا يراها أحد
رغم كل الحديث عن الحوكمة، تبقى هنالك بعض الثغرات مفتوحة على مصراعيها ليستغلها من يريد التلاعب، مما يجعل تطبيق الحوكمة أمرًا حتميًا لا يحتمل التأجيل.
كيف تُستغل هذه الثغرات؟
عقود موحدة للمنشآت الإعلامية: خطوة نحو الشفافية والعدالة
في ظل تعقيدات القطاع الإعلامي في بعض الدول العربية وتنوع الجهات المشاركة فيه، تبرز الحاجة الملحة إلى اعتماد عقود موحدة تُستخدم بين المنشآت الإعلامية وشركائها التجاريين، المعلنين، والمقاولين.
العقود الموحدة تضمن أن تكون كل الأطراف على دراية واضحة وموحدة بحقوقها وواجباتها، مما يقلل من حالات التلاعب والغموض الذي يُحيط بالعقود غير المرئية. كما يسهل توثيق ومراجعة هذه العقود من قِبل الجهات الرقابية، ما يدعم نزاهة العمل الإعلامي ويعزز ثقة الجمهور.
فضيحة “News of the World”: مثال حي على مخاطر العقود غير المرئية
في عام 2011، انفجرت فضيحة صحفية هزّت الإعلام البريطاني والعالمي، عندما كشفت التحقيقات عن تورط صحيفة “News of the World” التابعة لمجموعة “نيوز كورب” في اختراق غير قانوني لصناديق البريد الصوتي لشخصيات عامة. لم يكن هذا الانتهاك للأخلاقيات الإعلامية فقط، بل كشفت التحقيقات أيضًا عن وجود عقود وصفقات سرية بين الصحيفة وشركات دعاية وعلاقات عامة، تُدار خلف الكواليس بعيدًا عن رقابة الجمهور والهيئات الرقابية.
غياب الشفافية في هذه العقود أدى إلى تضارب مصالح خطير، حيث تم استخدام التمويلات والاتفاقات السرية للتأثير على محتوى التقارير الصحفية وتوجيه الرأي العام بشكل غير موضوعي. هذه العقود غير المرئية ساعدت على تغطية الانتهاكات وتقليل المساءلة، مما دفع الجمهور إلى فقدان الثقة في المؤسسة الإعلامية.
تجربة الدول الأوروبية في مراقبة العقود الإعلامية: كيف تضمن الهيئات الرقابية الشفافية والالتزام بالمعايير؟
في أوروبا، لا تُترك العقود الإعلامية “خلف الكواليس” بلا رقابة، بل تتولى هيئات مستقلة مثل الهيئة المستقلة لمعايير الصحافة في المملكة المتحدة (IPSO) ومجلس الإعلام الألماني (Deutscher Presserat) والمجلس الأعلى للسمعي البصري في فرنسا (CSA) مراقبة الشفافية والمصداقية. تفرض هذه الهيئات قواعد صارمة للإفصاح عن مصادر التمويل، وتراجع العقود بشكل دوري لمنع تضارب المصالح، وتصدر عقوبات على المخالفين، ما يحفظ استقلالية الإعلام ويضمن حق الجمهور في معرفة من يؤثر على المحتوى. هذه التجارب الأوروبية تبرز أهمية دمج التشريعات مع آليات مساءلة فعالة لحماية الإعلام من التلاعب والعقود غير المرئية.
الالتزام القانوني وأهمية التوعية المهنية: توصيات عملية لحماية الإعلام والمجتمع
ختاماً، في عالم تزدحم فيه الأصوات وتتعالى المعلومات، يبقى الإعلام الجسر الحقيقي بين الحقيقة والجمهور. ومن هنا تأتي مسؤولية أصحاب الشركات الذين يحملون على عاتقهم حفظ هذا الجسر من الانهيار. الحوكمة ليست مجرد إجراء قانوني أو شكل من أشكال التنظيم، بل هي الضمانة الحقيقية لشفافية الإعلام ونقاء المضمون.
لا تنتظروا حتى تصبح المخاطر واقعًا يُهدد سُمعة شركاتكم، بل اجعلوا الحوكمة ركيزة أساسية لعملكم، لتحققوا توازنًا بين الحرية والمسؤولية، ولتصنعوا إعلامًا يليق بتطلعات الشعوب ويصون كرامتها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال