الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نعيش اليوم بدايات عصر جديد يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعي”، والذي يصفه بعض الخبراء بأنه المرحلة “الصفر”، أي أنه لا يزال في بدايته رغم تأثيره الكبير على مختلف نواحي الحياة. ولنفهم أهمية هذا التحول، يمكننا أن نرجع إلى الوراء ونستعرض المراحل التي مرت بها البشرية: بدأت بثورة الزراعة التي اعتمدت على التربة كمورد رئيسي، ثم جاءت الثورة الصناعية المعتمدة على الحديد والآلات، وتلتها الثورة المعلوماتية الرقمية التي تقوم على البيانات. واليوم، يقود الذكاء الاصطناعي ثورة رابعة، تجمع كل ما سبق وتصنع منه عالماً جديداً، ومخيفاً!.
ورغم أن مفهوم الذكاء الاصطناعي ظهر بشكل رسمي في منتصف القرن العشرين، فإن جذوره تمتد إلى اختراع الآلات الحاسبة والتفكير المنطقي منذ قرون. إلا أن الانطلاقة الحقيقية جاءت مع تطور الإنترنت، وتوفر كميات ضخمة من البيانات، وظهور الحوسبة السحابية، مما أتاح للذكاء الاصطناعي أن يتعلم، ويحلل، ويتخذ قرارات بسرعة وكفاءة تفوق البشر في بعض المجالات.
في كل مرحلة من مراحل التطور الصناعي والمعرفي، كان لا بد للتعليم أن يواكبها. ولهذا السبب تُدخل مفاهيم مثل “الثقافة الرقمية” و”ريادة الأعمال” و”الأمن السيبراني” في مناهج التعليم العام. والذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل طريقة جديدة لفهم العالم وحل المشكلات، لذلك أصبح من الضروري أن يتعلمه الطلاب من سن مبكرة.
توصي منظمات عالمية مثل اليونسكو ومنتدى الاقتصاد العالمي بدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم، ليس فقط لتدريس البرمجة أو استخدام التطبيقات، بل أيضاً لبناء مهارات التفكير النقدي، والإبداع، والتعاون مع الأنظمة الذكية. كما يؤكدون على أهمية الجانب الأخلاقي، لضمان استخدام هذه التقنية بما يخدم الإنسان والمجتمع.
وفي خطوة طموحة تعكس رؤية المملكة 2030 واستباقية تؤكد ريادة المملكة عالميا، أعلن المركز الوطني للمناهج بالشراكة مع وزارة التعليم، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) عن بدء تدريس الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل التعليم العام اعتبارًا من العام الدراسي 2025 / 2026. وتهدف هذه المبادرة إلى بناء جيل يمتلك المعرفة التقنية والأخلاقية التي تؤهله للمنافسة عالميًا والمساهمة في بناء مستقبل رقمي مستدام.
من المهم أن لا يقتصر تعليم الذكاء الاصطناعي على الجوانب التقنية فقط، بل يجب أن يشمل أيضًا القيم الإنسانية، مثل احترام الخصوصية، وتجنب التحيز، واستخدام التقنية لما فيه خير للبشرية. فالمستقبل ليس للتقنية وحدها، بل للإنسان الذي يحسن استخدامها.
من جانب اخر، إدخال الذكاء الاصطناعي في مناهج التعليم العام يُعد استثمارًا استراتيجيًا يعزز من تأهيل الطلاب لوظائف المستقبل ويقلل الفجوة بين التعليم وسوق العمل. هذا التحول يسهم في تنمية اقتصاد رقمي متنوع، وزيادة الإنتاجية الوطنية، واستقطاب الاستثمارات. كما يؤدي إلى نمو الناتج المحلي عبر صناعات تقنية متقدمة.
ختاماً، إدخال الذكاء الاصطناعي في منهج التعليم العام ليس ترفًا، بل ضرورة تحتمها التغيرات المتسارعة في عالم التقنية والمعلوماتية. ومن خلال تعليم متوازن يجمع بين المهارة والأخلاق والبناء المعرفي، يمكننا أن نعدّ أبناءنا لعصر جديد يقوده الذكاء الاصطناعي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال