الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في زمنٍ تتغير فيه المنظمات، ويصعد اسم منظمة ويهبط آخر، وقد يختفي ثالث مع مرور الوقت، تتصاعد الأسئلة حول القيادة وتأثيرها.
أنا دكتورة سلوى الحلافي، خبيرة في السلوك القيادي، أطرح هذا الموضوع لنفهم بُعدًا أعمق للقيادة وتأثيرها.
دائمًا ما يُنظر إلى القيادة على أنها القدرة على التأثير، لكن السؤال الأهم: إلى أي مدى يُتوقع أن يستمر هذا التأثير؟
القائد صاحب الرؤية يدرك أن للقيادة محطة نهاية في المنظمة، سواء بالتقاعد، أو الانتقال إلى منصب آخر، أو التفرغ لأعمال خاصة، أو حتى نهاية مُرّة لكنها حقيقية: الوفاة. لكن الأهم هو: ماذا سيحدث بعدك؟ هل ستستمر المنظمة؟ هل سيبقى الأثر؟ أم أن غياب القائد سيفكك المنظومة؟
القيادة ليست لحظة آنية، بل هي قدرة القائد على بناء خطة نمو تضمن بقاء المنظمة من بعده، وهذا ما يُعرف بالإرث القيادي أو الاستدامة في القيادة. وهنا تتجلى القيادة كما أشار لها جون ماكسويل: أن تبني من يخلفك.
وقد جسّد الرسول ﷺ هذا المعنى في تأسيسه للقيادة في الأمة، عندما مكّن أسامة بن زيد رضي الله عنه، وهو شاب في السابعة عشرة، وعيّنه قائدًا لجيش فيه كبار الصحابة، متحديًا اعتراضاتهم، لأنه رأى فيه النضج القيادي، وقال: “إنه لخليق بالإمارة”. لم يكن الأمر تجربة، بل تمكينًا مدروسًا، أنتج قائدًا وألهم قادة. وكذلك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، راعٍ نحيل، لم يكن ليلفت الأنظار، لكن النبي ﷺ ربّاه، وثق به، وأصبح أحد كبار فقهاء الصحابة، ومن أوائل من حفظوا كتاب الله.
هذا النوع من التمكين لا يصنع مجرد تابعين، بل يُخرج منارات للأمة.
وفي أدبيات القيادة الحديثة، يعرض كتاب The Leadership Trajectory: Developing Legacy Leadership نموذجًا متقدمًا يوضح كيفية بناء إرث قيادي فعّال، تحت مسمى “مسار القيادة الإرثية”، حيث يُنظر إلى الإرث كرحلة تبدأ من الغاية وتنتهي بالتأثير المستمر.
تمر هذه الرحلة بمراحل جوهرية تبدأ بالتأمل الذاتي، والتقييم، وتوضيح الغاية والرؤية، ثم تمتد إلى التأثير والإلهام، والتوجيه والتدريب، وبناء القيادات من الداخل، وتصل في نهايتها إلى مرحلة من النضج، يغادر فيها القائد مطمئنًا أنه بنى ما يستحق أن يبقى.
جوهر هذا النموذج أن القائد لا يُبنى ليبقى، بل ليترك أثرًا يتجاوز وجوده، عبر أشخاص وقيم وثقافة تستمر وتنمو.
القيادة الممتدة لا تكتفي بتحقيق نتائج فورية، بل تسعى إلى بناء إنسان قادر، وبناء منظمة متكاملة، وتكوين إرث يُستلهم منه.
فكما دائما يقال ان
“الإرث القيادي ليس ما تقوم به… بل الأثر الذي تتركه في الآخرين.”
The legacy you live is the legacy you leave.
فإن كنت تبني منظمة، ففكّر: كيف ستستمر في غيابك؟ من هو خلفك؟ وكيف سيمر الإرث؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال