الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قبل عدة سنوات خلت، دخلت إلى مبنى مهيب ذو -رواشين- زرقاء في وسط البلد بمدينة جدة وكان لدي فضول كبير حينها لمعرفة ما يحويه هذا المبنى الجميل الذي يطلق عليه -كارنتينا- وكنت اتسائل عن ماهية استخداماته الفعلية لوجوده بقرب مظلات استقبال الحجاج من السفن في ميناء جدة التاريخي. ومن حسن حظي حينها ان واحداً من اهم المؤرخين كان برفقتي وقد تبحر في الشرح حينها عن طبيعة استخدام المبنى بالتفصيل الغير ممل.
قرأت في وقت سابق رواية بعنوان “الحياة في الكرنتينا” للكاتب محمد حسن غانم، وكان هذا المصطلح يرتبط لدي ذهنياً بمدينة جدة لوجود المبنى الذي ذكرته لكم إضافة إلى حي كامل بنفس الإسم!. هذا على الرغم من علمي التام بأن المصطلح إيطالي Quarantena ومعناها باللغة العربية “الحجر الصحي”، وكما نعلم ان جدة التي عاش ومر بها العديد من الرحالة وممثلي الدول الاوروبية مما جعلها تكتسب هذا المزيج في المسميات والثقافات مع احتفاظها بهويتها العربية الإسلامية. فأخذت الكرنتينا من الايطاليين وكرة القدم من البريطانيين والاسيويين والتجارة من الحضارم والحرف والعمارة من جميع أنحاء العالم.
ماذكره لي المؤرخ كان يركز على الغرض -الحجر الصحي- وتفاصيل عن فترة الحجر التي يقضيها المشتبه بأنه حامل لمرض ما، سواءً كان زائر او حاج او معتمر قادم إلى جدة عبر المنفذ البحري، حيث كانت تصل الفترة إلى ٤٠ يوماً قبل أن يتم اتخاذ قرار بعودته إلى بلاده او السماح بدخوله إلى جدة ومن ثم التنقل إلى مكة أو المدينة. في أمر يدل على مدى التحضر الذي كان عليه الإنسان السعودي قبل عشرات السنين ومقارنة ذلك بتعامل بعد الدول الكبيرة حجماً وتعداداً -حالياً- مع الأزمة بطريقة تثير علامات استفهام كبيرة عن وجود رجل رشيد بينهم!.
هذه الإجراءات المشددة، كانت حماية طبيعية يتبعها الإنسان العربي السعودي الواعي من عشرات السنين -اكثر من ٨٠ عاماً- رغم نقص الامكانيات والتكنولوجيا وقتها، ولكن مع تطور النظام الصحي بالمملكة أصبحت الكرنتينا مجرد مبنى تاريخي يحكي تاريخ الرعاية الصحية والأمن الصحي في هذا البلد العظيم الذي يمكنك أن تكون شاهداً عليه بمجرد زيارتك لمستشفى مثل الحرس الوطني او الملك فيصل التخصصي وغيرها، وذلك بعد مرورك بالكارنتينا؛ التي أصبحت أبوابها الافتراضية مشرعة على مصراعيها لترحب بالقادمين للمملكة -بشرط- سلامتهم، وحقيقةً لا اتوقع ان يتوقف موسم الحج لاسباب كثيرة بعضها طبي، حيث تشير المعلومات الى ان فيروسات الكورونا تختفي مع بدء درجات الحرارة بالصعود اي في فصل الصيف، وهو ما يتوافق معه حج هذا العام حيث يأتي الحج في نهاية شهر يوليو وبداية شهر اغسطس. واتوقع متفائلاً ان نحتفل خلاله -بإذن الله- بانحسار كورونا وأخواتها. وسيكون أحفاد كادر الكارنتينا السعودي سداً منيعاً أمام كل خطر يهدد الأمن الصحي لهذا الوطن العظيم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال