الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
اجتماع “أوبك+” الأخير والذي عقد في 6 مارس 2020، كان من المفترض أن يخرج منه الدول الأعضاء بتعميق اتفاق خفض إنتاج النفط لحماية السوق من تبعات فايروس “كورونا” الذي سبب هبوط ملموس في الطلب مما سيؤثر على توازن السوق واستقرار الاقتصاد العالمي. وهذا بطبيعة الحال سيكون له تأثير على استدامة الأسعار والتي عملت المملكة جاهدة عليه والحد من التقلبات الحادة التي تضر بالاقتصاد وتحجم من استثمارات المنبع.
خرجت بعض الجهات الاعلامية العالمية بعناوين مثيرة تفيد بفشل الاجتماع وخلق فرقعات اعلامية تؤجج الجدل بتحميل المملكة وروسيا مسئولية هذا الفشل وما يترتب عليه من انهيار للأسعار في سوق النفط العالمي. وتوسعت في التهويل الذي جاء من ضمنه ان حرب انتاج وأسعار ستقوم بين المملكة وروسيا وكأن الدول تتحكم في الأسعار بينما السوق هو من يحدد الأسعار بحكم آليات العرض والطلب.
ما حصل مع افتتاح السوق يوم الاثنين 9 مارس هو هبوط حاد في أسعار النفط بنسبة 30%، حيث هبط خام برنت إلى قرابة 30 دولار، بينما اغلاق الأسبوع الماضي بعد نهاية اجتماع “أوبك+” كان عند 45 دولار. وكما هو متوقع، حمل الاعلام الغربي مسئولية ما حصل على كاهل المملكة وروسيا. وللأسف وقع الكثير – في اعلامنا العربي وحتى العالمي – في فخ النقل عن هذه المؤسسات الإعلامية الأجنبية. والترويج لهذه المزايدة على المملكة.
لو راجعنا ما عُرض على منصات هذه المؤسسات الصحفية العالمية حول هذا الموضوع، لوجدنا أنه قد تُعُمِّد التغافل عن حقائق لا يمكن أن تُهمل عند مناقشة الموقف السعودي بشكل خاص و “أوبك+” بشكل عام. واستفاد هذا الاعلام من عدم دراية الكثير بآلية سوق النفط المعقدة وسلوكيات اجتماعات منظمة أوبك.
بعيدا عن التحليل الفني، سنرى أربع أمور تَعَمَّدَ هذا الاعلام المزيف التغافل عنه:
أولا:
المملكة معروفة بأنها صمام الأمان لسوق النفط والاقتصادات القائمة على النفط ومنتجاته. ولا يمكن أن تتخلى عن دورها في حماية الاقتصاد العالمي. للمملكة، الموضوع هو التزام أدبي (مبادئ) قبل أن يكون تجاري (قِيَمْ). وقد تحملت المملكة الكثير من أجل استقرار اقتصاد العالم بل ودعم مواقف الكثير من الدول سواء اجتماعيا أو اقتصاديا او سياسيا. استقرار العالم للمملكة خط أحمر.
فعلى سبيل المثال، وبالرغم من الخسائر المادية التي تكبدتها المملكة بسبب الاعتداءات السافرة التي حصلت في 14 سبتمبر 2019 على أهم موقعي انتاج نفطي في العالم (معمل بقيق وخريص)، آثرت المملكة على نفسها استقرار الاقتصاد العالمي واحتوت الخسائر بهدوء. ورأى العالم مدى مصداقية المملكة في عملها على استدامة الأسعار واستمرار الامدادات للأسواق مع استقرار الأسعار التي صعدت في يوم واحد فقط ومن ثم عادت الى طبيعتها. بينما الصحافة العالمية هولت من الأمر وان نصف انتاج المملكة قد توقف. متغافلة تماما المخزون الاحتياطي الضخم للمملكة والمتواجد دائما للاستخدام الفوري في الحالات الطارئة.
ثانيا:
هذا الاعلام المزيف واسع الانتشار استغل جهل الكثير– خاصة الناقلين عنه – بآلية حساب الإنتاج والاسعار بالمملكة. وأخرجت أخبار – اعتمادا على مصادر لم تذكرها – بأن المملكة ستزيد انتاجها لأكثر من 10 مليون برميل يوميا وستخفض أسعارها.
المملكة لم تعلن مثل هذه الأرقام. بل وامتنع سمو وزير الطاقة السعودي عن اجابة سؤال اعلامي حول ماهي الخطوات التي ربما ستخطوها المملكة.
الكثير لا يدرك أن أرامكو السعودية مُوَرِّد وليست تاجر أو مضارب بورصة. وعملائها معدودين في مجال التكرير والصناعات البتروكيماوية. وتوجد الية انتاج وتسعير فروقات شهرية معقدة جدا ولا تُنفَّذ الا بعد التنسيق مع عملائها. تبدأ هذه الدورة في أول يوم في كل شهر باستلام متطلبات عملائها واقتراحاتهم لكي تحلل وتدرس ضمن معادلة يدخل فيها العديد من المعطيات الفنية والسوقية والمالية. ومن ثم تحدد الكميات والاسعار وتعلن ضمن معايير تسعيرية لثلاث أسواق عالمية مختلفة هي آسيا وأوروبا وأمريكا. وبعدها تنتظر ردود العملاء على الكميات والاسعار المعلنة للنظر فيها. هذا كله لا يكون الا في الثلث الأول من كل شهر.
فمن أين أتى هذا الاعلام المزيف بأرقام الإنتاج السعودي لشهر ابريل وهي لم تصدر بعد وقت اعلانهم عنها؟
ثالثا:
أما بالنسبة للموقف الروسي، فقد صرح وزير النفط الروسي بحقائق بديهية. مثل انه لا يوجد اتفاق تمديد جديد بخفض الإنتاج بين جميع الدول الأعضاء في أوبك ومن خارجها. وأيضا ان الجميع سيراقب الوضع بعد 1 ابريل. ولكن الاعلام المزيف هوّل من ضبابية الموقف الروسي مهملين تماما أنها دولة عظمى والتزاماتها كبيرة جدا سواء في داخلها او تجاه العالم. ولا تتحمل أي انهيارات في الأسعار.
روسيا لم ترفض تمديد الاتفاق في المطلق. فهي ما زالت ملتزمة باتفاق خفض الإنتاج الأول الذي سينتهي في اخر مارس الحالي. ولكن كما قال وزيرها أنها تفضل الانتظار حتى أول ابريل لمراجعة الموقف. خاصة أن الحسابات الروسية الداخلية جدا معقدة. والنفط الروسي ليس في يد منتج واحد ولكن عدة شركات ضخمة. لذلك، تحتاج الحكومة الروسية شيء من الوقت وبعض من الوقائع لكي تواجه بها شركاتها النفطية لتقنعها بما يتوجب اتخاذه من قرارات حول استقرار السوق النفطي.
رابعا:
تغافل تماما هذا الاعلام المزيف – أثناء محاولته لتأجيج احتمالية حرب أسعار بين المملكة وروسيا – أن الدولتين بينهم بروتوكول تعاون وقعه سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي ونظيره الروسي ألكسندر نوفاك في 14 أكتوبر 2019 والمتضمن أكثر من 20 مشروع استثماري بين البلدين في مجال الطاقة. وفي حضور خادم الحرمين الشريفين والرئيس الروسي في الرياض وقع صندوق الاستثمارات الروسي 14 اتفاقية للاستثمار بالمملكة. كما تم توقيع 17 مذكرة تفاهم أخرى بين جهات سعودية وروسية.
فمن أين أتى هذا الاعلام المزيف بأن حرب انتاج وأسعار سيحصل في ظل هذا الكم من الاتفاقيات الاستراتيجية بين البلدين؟
موقع المملكة الهام جدا وسياستها القائمة على المحافظة على مصالح الجميع (منتجين ومستثمرين ومستهلكين) واستقرار الاقتصاد العالمي يمنعها من أن تدخل في حرب انتاج وأسعار. كما أنها ليست معنيه بالتأثير السلبي على النفط الصخري. الذي أصلا تنخفض مخرجاته بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجه والقيود اللوجستية عليه. بل موقف المملكة إيجابي نحوه لان الإنتاج منه سيخفف الضغط على المملكة في حال زيادة الطلب العالمي على النفط.
فزَّاعة أن المملكة تمارس حرب انتاج وأسعار لن تنطلي. وستكشف الأيام القادمة صدق موقف المملكة كعادتها. ما يحصل الان في سوق النفط هو ما حذرت منه المملكة بسبب “كورونا” الذي أرهب العالم كله. وعطَّل الكثير من التبادل التجاري العالمي. خاصة بسبب توقف الإنتاج الاقتصادي في الصين التي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم. أما أسواق المال فكان متوقع له حملة تصحيحه بسبب تضخمه الغير منطقي. وأتت “كورونا” لتسرع عملية التصحيح التي تأخرت كثيرا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال