الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مخاوف التأميم والاستيلاء، تلك المخاوف المتشكلة في أذهان عدد من راغبي الوقف أو الواقفين والتي تساور رغائبهم حيناً وتثني عزائمهم حيناً آخر.
ولا تزال هذه المخاوف تلقي بظلالها وتتشكل آثارها في ممارسات عدد من الواقفين وراغبي الخير ممن عزم على الوقف لتحقيق حلم البقاء والعطاء المستدام.
أعني هنا بتلك المخاوف، مخاوف تأميم الوقف والاستيلاء عليه من قبل الدولة ما يدفع الواقف لتبطين وقفه بملكية خاصة تدفع عنها أيدي المأممين والمستولين حسب رأيه.
لا شك أن الباعث الأول لهذه المخاوف، تلك التجارب التي مرت بها بعض الدول العربية والإسلامية والتي قننت أحكاماً للوقف، ثم عادت بإلغاء الوقف وحل نظامه، أو حصره في مجالات محددة.
وإن أول آثار تلك المخاوف هو عدم إثبات الواقف لوقفه لدى القضاء، أو لدى الجهة الرسمية في الدولة والاقتصار على توثيقه إن كان ثمة توثيق بمستندات عادية يجعلها الواقف مستندًا لحفظ وقفه إذا آلت الملكية لورثته بعد موته.
وإن أجدر ما يقال في هذا المقام في نظري، لاطراح تلك المخاوف والشكوك، وتعزيز الثقة بالدولة ومؤسساتها، هي السيرة التاريخية الناصعة للمملكة في مجال حفاظها على الأوقاف وتأسيس الحماية الشرعية والنظامية لها.
ومن أجل تلك الشواهد على اعتبار شخصية الوقف واحترام الدولة لمكانته الشرعية هي الأوقاف التاريخية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والتي تزيد أعمارها عن مئتي عام، فمن لحظة استدخال الملك عبد العزيز رحمه الله للحجاز تحت سلطان حكمه، ورغم الحاجة لتدعيم أركان الحكم، وتأسيس البنى التحتية للدولة، إلا إن تلك الأوقاف بقيت شخصيتها الاعتبارية قائمة ومعتبرة، ولم تكن رافداً مالياً مستغلاً لدولته الناشئة.
ولا تزال تلك الأوقاف أعني أوقاف مكة المكرمة والمدينة المنورة شاهدة على قيمتها واحترامها في وجدان حكام هذه الدولة، فمنذ أن تعاقب حكام هذه الدولة على توسعة الحرمين الشريفين وهذه الأوقاف يعوض عنها مقابل إزالتها ويشترى لها بدل في مكان آخر، و بتعويضات تصل لعشرات بل لمئات الملايين لبعض الأوقاف، وفي هذا كفاية لبيان تعظيم الدولة لشريعة الوقف واحترامها للواقف الذي أخرج ماله من ملكيته لقاء ماعند ربه.
ولا يزال المراقب يرى تطور المملكة في مسيرة تنظيم لهذا القطاع من خلال الأنظمة التي صدرت في ذلك وكان أولها نظام مجلس الأوقاف الأعلى الصادر في عام 1386هـ وحتى آخرها وهو نظام الهيئة العامة للأوقاف الصادر في عام 1437هـ، فضلاً عن الأنظمة الأخرى التي تناولت أحكاماً للأوقاف كنظام المرافعات الشرعية، إضافة للممارسات والمبادئ القضائية في مسائل الأوقاف، وما سيصدر من أنظمة أخرى، مما فيه كفالة لحقوق الوقف وصيانة له عن أيدي العابثين.
وطوال هذه المسيرة التنظيمية لقطاع الأوقاف، والتي هي في ذاتها شاهد آخر على احترام حق الواقف في وقفه والناظر في نظارته، في تسيير الوقف وإدارته وإمضاء شرطه.
ختاماً أقول، أخي الواقف إن أول خطوة لوقف دائم: توثيقه.
والله من وراء القصد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال