3666 144 055
[email protected]
مقدمة
تعتبر التجارة والاقتصاد عنصران أساسيان في حيوية المجتمعات والتي من خلالهما تحقق المجتمعات تطورها و تضمن ديمومتها. وعبر التجارة والاقتصاد تزدهر المجتمعات مما ينعكس إيجابا على مستواها العلمي والصحي والاجتماعي. لذا يهتم مسؤولوا الدول على دفع عجلة التجارة والاقتصاد لتحقيق الاستقرار والديمومة المجتمعية.
لقد عاش العالم ما قبل يناير 20 20 عصرا تقليديا في عالم الأعمال والاقتصاد متوازنا في قانون العرض و الطلب وأن صاحبه مناوشات تجارية هنا أو هناك إلا أنه يظل مضبوطا بالقوانين العامة. وعليه بنى كثير من المدراء التنفيذيين سياساتهم الاستراتيجية لسنتهم الجديدة آخذين في عين الاعتبار الفرص والأخطار (والتهديدات) التي كانوا يعايشونها أو قادرين على التنبؤ بها على المدى القصير أو البعيد. وأبعد ما يمكن تصوره هو الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين والغموض الذي شابه عملية خروج بريطانيا من “بريكست”.
لم يكن شهر ديسمبر من عام 2019 ميلادية شهرا عاديا مثل غيره من الشهور التي سبقته، فمن مدينة ووهان ، عاصمة مقاطعة هوبي الصينية، كان العالم مع شهر استثنائي حيث انتشر فيروس كورونا- كوفيد 19 وعلى مستوى العالم ، منذ ذلك الحين مازلنا نعيش آلامه إلى يومنا هذا.
لم يدر في خلد العالم أن تكون جائحة فيروس كورونا – كوفيد 19 عابرة للحدود بهذه الشدة والسرعة و الذي دمر الاقتصاد بسببه، فلقد أصاب فيروس كوفيد19 عالم التجارة والأعمال والاقتصاد في مفاصله، ولم تستطع أعتى الاقتصاديات العالمية سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو غريمتها الصين، أن تظل صامدة فلقد وصل تأثيره إلى أن توصفه منظمة التجارة العالمية “بالركود” و توقعت منظمة التجارة العالمية هذا الشهر أن تسجل التجارة الدولية انكماشا بين 13% إلى 32% ليكون أعلى من ذلك المسجل عام 2008. إن مثل هذا الانكماش أفضى إلى تداعيات اقتصادية كبيرة الأثر على قانون العرض والطلب مما تسبب في انخفاض الإنتاج وأحجام المستهلكين ومؤسسات الأعمال عن الانفاق. وإذا استمرت هذه الجائحة لفترة أطول وكذا بكثافة أكبر، لا قدر الله، يمكن أن تبطئ النمو الاقتصادي للشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية والخدمية نتيجة تعليق الأعمال وتسريح الأيدي العاملة.
مدخل
في ظل جائحة كورونا – كوفيد 19 التي نعيش وقائعها ليس على الواقع المحلي فقط بل على المستوى الإقليمي والدولي، تشهد الأسواق العالمية تحولات عدة، على عدد من الأصعدة وبخاصة على مستوى اللوجستيات، الشريان الأبرز لسلاسل الإمداد. فلقد أبرزت جائحة كورونا – كوفيد 19 أنماطا جديدة من العمليات اللوجستية لم تشهدها سلاسل الإمداد من قبل.
في مثل هذا المناخ المضطرب لسلاسل الإمداد يحتم على المدراء التنفيذيين الوقوف للحظة لمعرفة أهمية العمليات اللوجستية وكيف تتعامل مع عملائها في ظل هذه المتغيرات المتصاعدة والمتسارعة، لضمان استمرارية الإمدادات لعملائها بالسلع والخدمات في ظروف تتسم بالخطورة والحساسية وإعادة هيكلة استراتيجية سلاسل الإمداد لتتكيف مع مثل هذه المتغيرات لضمان ديمومة الشركات في سوق تنافسية و متجه إلى الركود واستغلال الفرص وتجنب المخاطر.
تمثل اللوجستيات في عالم الأعمال والاقتصاد دورا بارزا في إتمام دورة سلسلة الإمداد. ويعرف علم اللوجستيات بأنه عملية التخطيط والتنفيذ والرقابة في تدفق السلع والخدمات من نقطة المنشأة إلى نقطة الاستهلاك. وتشمل
الأنشطة اللوجستية (التعبئة والتغليف والتخزين والإمداد) .
وتهدف العمليات اللوجستية بشكل أساسي لإرضاء المستهلك من خلال تحقيق رغباته في الحصول على السلع في الوقت المحدد، الكمية والجودة المحددة. كما تهدف إلى تحسين كفاءة الشركة على المدى القصير من خلال تحسين التدفق المادي للمنتجات والسلع وعلى المدى المتوسط أن تتناغم مع الخطط العملاتية وعلى المدى البعيد أن لا تتقاطع مع الخطة الاستراتيجية العامة للشركة. ونظرا لكون اللوجستيات جزء لا يتجزأ من سلسلة الإمداد لأي نشاط تجاري أو صناعي أو خدمي فإن أهميته وكفاءته تنعكس إيجابا أو سلبا على سلاسل الإمداد بشكل عام.
لوجستيات الطوارئ
ومما أفرزته جائحة كورونا – كوفيد 19 لوجستيات الطوارئ، وهو مصطلح يستخدم من قبل خدمات اللوجستيات وسلسلة الإمداد للدلالة على لوجستيات أوضاع حرجة زمنية “Time Critical Situation Logistics” محددة لنقل البضائع أو الأشياء بسرعة في حالة الطوارئ و عادة ما يكون السبب وراء تحديد خدمات اللوجستيات في حالات الطوارئ، ( كالحالة التي أفرزتها جائحة كورونا – كوفيد 19)، أن يكون هناك حاجة طارئة في إنتاج معدات طبية مثل جهاز التنفس (Ventilator) والذي يعتبر من الأجهزة الضرورية في الرعاية الصحية و الذي تعاني الدول من شح بالغ في تأمينه مما أستدعى إلى إعادة تكييف (Flexibility) خطوط إنتاج بعض المصانع لتساهم في تصنيعه بكميات أكبر في وقت قصير. و ينسحب هذا المثال على كمامات الوجه أيضا. ولا تقتصر لوجستيات الطوارىء على هذين المثالين في وضعنا الحالي، بل تتعداها الى توزيع الكادر الطبي إلى المراكز الطبية الأكثر حاجة أو أستقطاب كوادر طبية مؤهلة و القدرة على توفير المستلزمات الطبية لاستيعاب الحالات الطارئة. كما تتطلب اللوجستيات الطبية الطارئة القدرة على توفير وتهيئة وسائل النقل الخاصة والتي تتناسب و جائحة كورونا- كوفيد 19. وعادة ما يتم الحصول على خدمات الطوارئ من مزود متخصص قادر على تلبية مثل هذه الاحتياجات بمواصفات عالية الجودة.
وتشمل اللوجستيات الطبية لوجستيات الأدوية والمستلزمات الطبية والجراحية والأجهزة الطبية والمعدات وغيرها من المنتجات اللازمة التي تدعم الأطباء والممرضين وغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية. إن العملاء النهائيين للوجستيات الطبية الخدمية (Medical Service Logistic) هم المسؤولون عن حياة وصحة المرضى.
والخدمات اللوجستية الطبية فريدة من نوعها من حيث أنها تسعى إلى تحسين الفعالية بدلا من الكفاءة (استراتيجيتان من استراتيجيات سلاسل الإمداد). وتقاس فعالية استراتيجية اللوجستيات الطبية الطارئة بتلبية جميع الاحتياجات الطبية في وقت قصير جدا ( Highly Responsiveness). وتشمل وظائف اللوجستيات الطبية جزءا مهما من نظام الرعاية الصحية، و تنقسم إلى مجالات رئيسية هي العتاد الطبي – الهندسة الطبية الحيوية و إدارة المنشآت الطبية وإدارة الموارد البشرية (أو ما يمكنني أن اصطلح عليه إدارة لوجستيات الموارد البشرية (Human Resource Logistics.
الرقابة اللوجستية
عند الحديث عن لوجستيات الطوارئ الطبية، يجب أن لا نغفل عن الرقابة. إن التخطيط الجيد لا يعني عدم الوقوع في بعض الأخطاء التنظيمية، لأن الخطأ من سمة أداء الأعمال، لذا تقع على إدارة المنشأت الطبية مسئولية وظيفية أخرى وهي الرقابة، لضمان استمرار الأداء حسب الأهداف المرسومة ومحاولة إيجاد الحلول للأخطاء التنظيمية على المدى القصير والبعيدة المدى.
وتتركز الحاجة الأساسية لوجود نشاط إدارة رقابية للوجستيات الطبية الطارئة، لأن الأحداث الغامضة التي قد تقع مستقبلا تؤدي إلى تغيرات جوهرية في البيئة اللوجستية والتي تؤدي إلى تعديل الخطة الموضوعة. وعلى سبيل المثال ما نعايشه من تغيير البقعة الجغرافية التي يضربها جانحة كورونا – كوفيد 19 والتي لا يمكن التنبؤ بها، مما يستدعي تحركات لوجستية لحظية للغموض الذي يكتنف انتشار الفيروس غدا.
وتتضمن الرقابة اللوجستية على خطوات ثلاث:.
1- تحديد المعايير والمقاييس ( Benchmark- Standards)الرقابية والتي على ضوئها يتم قياس الأداء العام للعمليات اللوجستية
2- قياس الأداء والذي يتم من خلاله قياس الأداء الفعلي للعملية اللوجستية ومقارنتها بالمعايير القياسية ومعرفة مكامن الضعف والتفاوت.
3- الأداء التصحيحي للانحراف و التفاوت في الخطط ووضع خطط بديلة أو جديدة ( Plan B) لتفادي هذا التفاوت و ضمان عدم تكراره في المستقبل
ومنهج الرقابة هذا ضروري لتفادي اتساع التباينات بحيث تصل إلى حد لا يمكن عندها من عمل أي إجراء تصحيحي وعندها تكون الكلفة هي فقدان للأرواح. ليس هذا فقط ، بل معرفة كيف يمكن لمثل هذه الخطط أن يتم تطويرها لأداء تنافسي أفضل و تقديم مستوى أعلى لعملاء الرعاية الطبية.
خاتمة
في ختام هذا المقال نتمنى على القائمين على الرعاية الصحية أن تولي لوجستيات الطوارئ الاهتمام الأمثل و بخاصة تحت بيئة حساسة و غير معهودة سابقا كالتي أنتجتها جائحة كورونا – كوفيد-19 و أن تكون الرقابة اللوجستية حاضرة باستمرار لمراجعة الخطط لضمان مدى ملائمتها للمتغيرات المتسارعة. متمنين من المولى القدير أن يرفع عن وطننا الغالي و عن العالم أجمع هذا الوباء في القريب العاجل إنه سميع الدعاء.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734