الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
شهدت الورقة التجارية (الشيك ، الكمبيالة ،السند لأمر) تطوراً تدريجياً في التشريع الدولي والمحلي ؛ خاصة بعد الانتشار العملي لهذه الأوراق على المستوى العالمي ، والذي كان مدعوماً بتوسع التبادل التجاري بين الأفراد والدول على حد سواء. فعلى سبيل المثال من أوائل الأنظمة القانونية التي نظمت أحكام الورقة التجارية ما صدر في المملكة المتحدة Bills of exchanges Act ، وقبله في الهند -التي كانت مستعمرةً بريطانية- تحت قانون Negotiable Instrument Act ، وأحكام هذين القانونين متشابهان لحد كبير ، ولعل ذلك يرجع إلى ارتباط البلدين سياسياً مما انعكس على الأحكام القانونية المنظمة للأوراق التجارية.
بعد انتشار استعمال الورقة التجارية حول العالم نتيجة توسع التجارة الدولية ، وتعدد أطرافها في عدد من الدول التي تختلف قوانينها وأنظمتها في تنظيمها، كان ضرورياً توحيد الأحكام العامة المنظمة للورقة التجارية ، ولهذا ظهرت محاولات متعددة تحت مظلة الأمم المتحدة لاستصدار قانون موحد للورقة التجارية ، ونتيجةً لذلك صدرت الموافقة على اتفاقية جنيف للكمبيالة (السفاتج والسندات الإذنية ) ٧ حزيران /يونيه ١٩٣٠، واتفاقية القانون الموحد للشيكات ١٩٣١، اللتان استمدتا أحكامهما من القوانين السابقة في تنظيم الورقة التجارية كالقانون البريطاني والهندي المشار إليهما. وهاتان الاتفاقيتان استهدفتا تنظيم القواعد القانونية للورقة التجارية بأنواعها الثلاث على مستوى العالم لتكون مرجعاً استرشادياً لجميع الأنظمة القانونية التي ترغب في تنظيم أحكام الورقة التجارية ،ولهذا تعتبر الاتفاقيتان المظلة القانونية لكثير من الأنظمة والقوانين حول العالم في هذه المسألة.
أما ما يتعلق بالتشريع القانوني للورقة التجارية في المملكة ، فقد ابتدأ بنظام المحكمة التجارية ١٣٥٠هـ الذي تضمن نصوصاً قانونية تنظم ما يسمى بالسفاتج (الكمبيالة) في عدة فصول . ولكن بعد انتشار استخدام الشيك والسند لأمر ، وتوسع التبادل الاقتصادي بين المملكة و مواطنيها مع أفراد المجتمع الدولي، ومحاولة من المملكة لإيجاد نصوص قانونية تضفي الحماية اللازمة لها، وترتيب أحكامها القانونية ، وفي نفس الوقت تتوافق مع ما هو مستقر عليه دولياً في التعامل مع هذه الأوراق، قام المنظم السعودي بإصدار نظام الأوراق التجارية عام ١٣٨٣هـ ، والذي استمد كثيراً من أحكامه من اتفاقيتي جنيف ما عدا ما يتعلق بشرط الفائدة في الكمبيالة والسند لأمر، لعدم توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد أسس نظام الأوراق التجارية ما يسمى بالالتزام الصرفي في حال نشوء الورقة التجارية صحيحة ، وما يترتب على ذلك من مبادئ: استقلال التوقيعات، والتطهير من الدفوع. كما تبنى المنظم السعودي الحماية الجنائية للشيك ، واعتبار ذلك حقاً عاماً الإخلال به يؤدي إلى إخلال بالقانون العام ، وبالتالي تجريم عدد من الأفعال التي تقع من الساحب والبنك والمستفيد ، وهذا ورد جلياً في المواد ١١٨،١١٩،١٢٠،١٢١.
وبالتالي يمكن القول بأن القواعد القانونية للأوراق التجارية مستقرة منذ إصدار نظام الأوراق التجارية ، إلى أن أعلنت وزارة العدل إطلاق منصة (نافذ) المتعلق بتنظيم وإدارة السندات التنفيذية ، وعلى وجه الخصوص الورقة التجارية : السند لأمر. والتساؤل الذي يطرح هنا ، هل هناك تعديل في المبادئ المتعلقة بالسند لأمر؟ هل تضمنت هذه المبادرة حماية إضافية لها؟ هل تم إدخال تغيير في الالتزام الصرفي الناشئ عن السند لأمر؟ هذه التساؤلات مهمة جداً للأفراد والمنشآت ، خاصة و أن استخدام السند لأمر انتشر كثيراً في العقدين الأخيرين كأداة ائتمان لحفظ حقوق الدائنين.
في حقيقة الأمر مبادرة (نافذ) عبارة عن تنفيذ لبعض أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ التي تضمنت عدداً من المستهدفات من ضمنها إشراك القطاع الخاص ، و توظيف التقنية بالطريقة التي تسهل التعامل ، وتحفظ الحقوق ؛ لأنها ستربط بين طرفي السند بشكل إليكتروني بدلاً من الطريقة التقليدية، إضافة إلى إصدار الورقة التجارية إلكترونيا بعد التأكد من استكمال الشروط و البيانات الإلزامية، وبناء عليه هناك ضمانة من خلال استخدام هذه المنصة بعدم رفض طلب التنفيذ بسبب عدم اكتمال بعض الاشتراطات والبيانات الإلزامية. كما أن من أبرز المزايا التي ستوفرها المنصة هي الحفظ الإليكتروني للسند لأمر ، وبالتي ضمان عدم الفقد أو التلف ، وهذه الخاصية في غاية الأهمية لشركات التمويل أو المؤسسات المالية التي تستخدم سندات الأمر بشكل مستمر ويومي.
أما من الناحية القانونية ، فمبادرة (نافذ) لم ولن تغير شيئاً من الحماية القانونية التي منحها المنظم للسند للأمر، ولكن باستقراء بعض الأسئلة الشائعة التي وردت في الموقع الرسمي لمنصة ( نافذ ) والتي تمت الإجابة عليها من القائمين على الموقع، هناك بعض التساؤلات القانونية التي تحتاج إلى إيضاحات. فعلى سبيل المثال ، قد يستحسن الإشارة إلى التكييف القانوني لصحة السند إليكترونياً ، خاصة وأن من أهم خصائص الورقة التجارية أنها محرر شكلي ، بمعنى أن تكون مكتوبةً. ولذا فقد يكون من المناسب الإشارة إلى رأي القانونيين في هيئة الأمم المتحدة -المصدر الرئيسي لاتفاقيتي جنيف بشأن الأوراق التجارية- الذين أصدروا وثيقةً تسمى: المسائل القانونية المتعلقة باستخدام السجلات الإلكترونية القابلة للتحويل الصادرة من لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي عام ٢٠١٣ ، عندما أكدوا فيها على جواز استخدام التقنية لتحرير السند لأمر، و عدم اعتبار ذلك عائقاً لقيام هذه الورقة بوظيفتها المعروفة في الائتمان ؛ لأن مثل هذا الإيضاح يمنع الاجتهاد القضائي في هذه المسألة في ظل عدم وجود نص نظامي يجيز إصدار الورقة التجارية إليكترونياً، وبالتالي يدعم استقرار التوجه القضائي بإجازة إصدار الورقة التجارية إليكترونيا وقيامها بوظيفتها الائتمانية. كما أن هناك تساؤلاً يحتاج إلى إيضاح وهو مدى إمكانية تظهير السند لأمر إليكترونياً ؛ لأن التظهير يعد من أبرز خصائص الورقة التجارية ، فهل تمت معالجة ذلك من خلال منصة (نافذ)؟ خاصةً إذا أخذ في الاعتبار ما تمت الإشارة إليه من قبل لجنة الأمم المتحدة سالفة الذكر. لأنه بالرجوع إلى موقع منصة (نافذ) و من خلال الأسئلة الشائعة تم وضع سؤالاً مفاده: هل يمكن التعديل على السند لأمر بعد الموافقة على إنشائه ؟ وتمت الإجابة: لا يمكن إجراء أي تعديل على السند لأمر بعد الموافقة عليه ، فهل المقصود بذلك عدم جواز التعديل على السند لأمر من حيث تغيير أطرافه من خلال التظهير ، أم ما هو المقصود بعدم جواز التعديل عليه.
في الختام منصة نافذ مبادرة رائعة لتوظيف التقنية لحفظ حقوق المتعاملين في السندات التنفيذية ، ولتسهيل التعامل والحفظ والإدارة لهذه السندات .نتطلع إلى المزيد من المبادرات التقنية في القطاع العدلي والقانوني ،بارك الله في الجهود ونفع بها في خدمة هذا الوطن المعطاء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال