الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشكل علم التغيير الجهاز والجزء والثقل والكتلة الأهم من علم القيادة ، وتشكل عملية إدارة مقاومة التغيير المسألة والواجب الأهم من علم إدارة التغيير . لذلك نوضح هنا أن أهم أمر يتوجب توفره في من يقود عملية مقاومة التغيير هو كيفية التحلي بصفات وقدرات فنية وسلوكية تساعده في إدارة عملية مقاومة التغيير .
فتصدير الأفكار والمعادلات ودراسات الجدوى لمخططات التغيير يستطيع الكثير عمله ، ولكن “مقاولة أو تنفيذ” مخطط التغيير ليس صنعة عادية على الإطلاق . فهي تستوجب الكثير والكثير من الصبر والتحمل لإنجاحه وإدارة الجانب النفسي السلوكي يأتي على رأسها وخصوصا في التعامل مع التروس المهمة في المنشأة من قيادات ظاهرة وباطنة ، فمجالس الإدارة لها أسلوبها ، والقيادات التنفيذية لها أسلوبها ، والإدارة الوسطى لها أسلوبها ، وإدارة مقاومة عموم الموظفين لها طرقها .
فلا يصح ولا يجوز أبدا على قادة التغيير أن يتولوا دور مقاولة أو تنفيذ التغيير مالم يستطيعوا التفرقة بين أنواع المقاومة والتي تأتي من دوافع صادقة وبنية طيبة لمصلحة مشروع التغيير أحيانا ، ودوافع ونوايا غير صادقة أحيانا ، فدراسة التوجهات والنوايا الظاهرة والباطنة مسألة حساسة جدا ولابد أن تخضع لتقييم ومراجعة حكيمة وعاقلة من قبل مقاول التغيير ، وبدعم كبير وتأييد من قبل مجلس الإدارة أو مالك المنشأة حتى يستطيع إنجاز مهمة التغيير على الوجه الأكمل .
المقاومة في عمومها تكون في ثلاث أشكال عامة :
الإختلاف : في هذه الحالة نطالب دائما تفرقة المقاومة الصحية والمضرة ، فعلى مقاول التغيير العمل بمبدأ وكاريزما أساسها أن المعارضة هي من يصقل التغيير ، “والتعامل مع الرأي الآخر وتحمل ثقله هو التغيير” . الرؤساء التنفيذيون والمدراء الجدد حين يصلون لمقاعدهم الجديدة يتوجب عليهم وبكل وضوح وندونها هنا “ألا يصادموا الكيان” ، وإنما يتوجب عليهم أخذ الأمور بروية ، وأن يتشربوا المنشأة تشربا تاما ويتعرفوا عليها وعلى ثقافتها ومن بعد ذلك يبدؤون في التعريف بأفكارهم ، فالتعرف على إمكانيات المركبة التي تقودها أهم من قيادتها حتى تعرف قدراتها وحدود إمكانياتها .
وفي كثير من الأحيان يصطدم قائد التغيير بأفراد أو تكتلات تملك حق التصويت أو حق الرفض ، لذلك يتوجب أولا وفوق كل شيء أن يكون القائد أو المقاول مستمعا نخبويا وبه الكثير من طول البال والصبر حتى يستطيع التعامل مع مختلف الآراء والتوجهات .
فمقاول التغيير أشبهه كثيرا بجهاز تنظيم التيار الكهربائي والذي عليه تنظيم التيار الوارد من كبينة الكهرباء وتنظيم تيارها لصالح الأجهزة الكهربائية دون أن تحترق ، مع العلم أن جهاز التنظيم قد يحترق أيضا إن كان التيار قويا من المصدر .
وفي الإختلاف رحمة ، فهو صاقل التغيير وناقده الأهم ، فإذا تم التعامل مع المقاومة المختلفة مع التغيير بالرأي وليس بجوهر التغيير وأفكاره فلابد من التعرف على وجهة نظره وبشكل منفتح للحصول على أمرين : النقد الصحي وزوال المخاوف . فلعل المختلفين مع المشروع (وفي هذا النوع تحديدا) يملكون آراءً وتوجهات تخدم مشروع التغيير بشكل كبير ولكن عندهم السبل والطرق التي تناسب المشروع كونهم يعرفون التروس ومفاصل التغيير الأنسب لخدمة المشروع ، مع التأكيد بوجود أفراد يملكون نوايا أخرى في إستغلال الموقف من أجل الحصول على مكاسب سياسية ومادية تتمثل في الترقيات والمكافآت والعقود الجديدة ، ومع المفاوضات السليمة والفطنه السياسية في مقاول التغيير يتم الوصول للتسويات المطلوبة .
الشك : إدارة التغيير مع مراعاة مبدأ الشك ، والشك هو وسيلة الوصول لليقين ، هذا هو مبدأ التعامل مع من ليس لديه سلطة أو رأي في التغيير وإنما هو مستقبل له ويجب عليه تنفيذه . أشبه هذا النوع من الأفراد المستقبلين للتغيير بالسائق الذي لا يمانع في التحول من قيادة سيارة يعرف تفاصيلها جيدا لسيارة جديدة بها متغيرات كثيرة عليه ، تجعله يخاف من قيادتها ليس لأنه ممانع أو غير متمكن في القيادة وإنما من مبدأ “الإنسان عدو ما يجهله” . فالخوف من الجديد سمة بشرية طبيعية يتم التعامل معها بأسلوب واحد وكلاسيكي ومناسب للجميع وهو بجعل هذا الفرد بمعية متمرس في إستخدام المركبة الجديدة ويقوم الأخير بنقل المعرفة وتدريب الأول على التمكن من المركبة وإستخدامها . هذا النفس وطول البال هما السمتان الأهم واللتان يتوجب العمل بهما خلال مشاريع التغيير من رفع الوعي بالتغيير وإزالة المخاوف عن طريق عقد ورش العمل الجماعية والفردية ، ووضع برامج تدريبية فصلية وميدانية والإستثمار فيها من أجل تحقيق التغيير وإدراجه ضمن الأعمال اليومية واستتبابه بشكل دائم ومستمر وحتى لا يصبح مشروع التغيير عبارة عن قصة رويت ثم تناساها الناس في المنشأة .
زاوية الراحة : في مجال التغيير تشكل هذه النوعية من الحالات ما أسميه “حجرات العثره” وأحيانا الحالات السامة ، ذلك أن إيجادها بداية أمر متعب وعلاجها أمر أشد تعبا . هذه الحالات هي ما يطلق عليها عرفا بحالات زوايا الراحة Comfort Zone ، وهي التي صنعت لأنفسها أماكن بعيدة عن العين والرقابة والمسؤولية وعاشت وتقوععت فيها . فهؤلاء الأفراد والمجموعات يتوجب التعامل معهم بمرحلة المضادات الحيوية وهي أشبه ما يكون بخياري الأبيض أو الأسود ذلك أنهم متمسكون بموقفهم بشكل كبير ، وإلم يستجيبوا فيتم اللجوء للحل الأخير وهو الحل الجراحي ، من كي أو بتر .
وحتى لا يكون هناك لغط فإن هذه النوعية من المقاومة ليست متواجدة في الوظائف الإبتدائية فحسب ، وإنما تتواجد كذلك في المناصب العليا وأحيانا في الملاك والذين يرفضون التغيير تماما لأسباب مرتبطة بأساليب العمل ، أسرار العمل ، والمكاسب السياسية أو التنافسية . التدخل هنا أهم سماته الخبرة البراغماتية الثقيلة في إدارة الصراعات وكذلك في إبقاء المنشأة في وضعها الطبيعي وعدم تعطل الأعمال قدر الإمكان ، فكيفية العمل تشبه كثيرا آلية عمل من يتعاملون مع القنابل الموقوته في الجانب الفني ، وكذلك في مسألة التعامل والتعاطي الإعلامي لعملية التغيير والتي تستوجب الكثير من التحضير والتبحث والتحري للوصول لأكبر قدر من المعلومات قبل تنفيذ خطة التدخل . ففي أحيان كثيرة من هذه النوعية من مشاريع التغيير ، لا يمانع معارضو التغيير من هدم المنشأة أو الإخلال بأنظمتها أو تسريب أسرارها من باب الإنتقام والتخريب ، فلذلك وجب التنويه على الأخذ بكافة الإحتياطات القانونية والنظامية من أجل رفع فرص نجاح مشروع التغيير في الحالات المستعصية والصعبة .
حياتكم تغيير دائم وجميل
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال