الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الأزمة الاقتصاديَّة الراهنة فريدة ومختلفة عن سواها من الأزمات الاقتصاديَّة وتجارب الانكماش والكساد السابقة التي تعرَّض لها الاقتصاد العالمي. الأزمة لم تكن بسبب انهيارالأسواق الماليَّة، ولا من جرَّاء صدمة اقتصاديَّة كونيَّة، بل نتيجة توقُّف مفاجيء لعمليَّات التبادل الاقتصادي والتجاري، ولانتشار جغرافي واسع وسريع لمخلوق “فايروس” مجهري متناهي الصغر، ألزم الحكومات قاطبة بتعطيل الحياة العامَّة، وتقييد التعامل الاقتصادي المحلِّي، وتجميد حركة النقل والتجارة الدوليَّة.
الجائحة، كما بات واضحًا، أفرزت – عبر تأثيرها السلبي في الطلبين الاستهلاكي والاستثماري والإنتاج الصناعي وحجم الاستخدام والماليَّة العامَّة وسواها من الفعاليَّات الاقتصاديَّة – آثارًا اقتصاديَّة متفاقمة. كما طالت جميع القطاعات والوحدات والأسواق، وأفضت إلى تحدِّيات اقتصاديَّة واجتماعيَّة معقَدة؛ آنيَّة ومستقبليَّة. شدَّة التأثيرات وسعتها، تباينتا تبعًا لهيكل الاقتصاد وقوَّته وتطوُّره وقدراته الماليَّة والائتمانيَّة.
ينصبُ اهتمام هذه المشاركة على عرض قدرة المؤسَّسات الماليَّة والاقتصاديَّة الحكوميَّة على تسريع الانتعاش الاقتصادي والعودة بالنموِّالاقتصادي إلى معدَّل ما قبل الأزمة، من خلال معالجة تأثير القيود الاحترازيَّة في متغيِّرين اقتصاديَّين أساسين؛ حجم الاستخدام وسوق العمل، وثقة المستهلكين والمستثمرين.
لعلَّ أكثر تداعيات الجائحة حدَّة، تلك التي طالت الحلقات الأكثر ضعفًا في قوَّة العمل خاصَّة؛ العاملين في القطاع الخاص والحرفيِّين والعاملين في القطاع الخدمي ” اصحاب الاجور اليومية “، والعاملين في الشركات المتوسطَّة والصغيرة. التدابيرالاحترازيَّة الوقائيَّة، أدَّت إلى تسريح نسبة مؤثِّرة في قوَّة العمل، وانخفاض مستوى الاستخدام، وتدهور الدخل الكلِّي، وتراجع كبير في الإنفاق الاستهلاكي. هذه العوامل مجتمعة، سبَّبت انخفاضًا حادًّا في الطلب الكلِّي على السلع والخدمات وتراجع النمو الاقتصادي .
في السياق ذاته، خلقت تداعيات الجائحة الاقتصاديَّة إحباطًا استهلاكيًّا واستثمارًيا واسعًا، وأثَّرت سلبًا في ثقة المستهلكين والمستثمرين المحليِّين والخارجيِّين في أداء الاقتصاد الوطني، وقدرته على تجاوز تحدِّيات الأزمة الراهنة. كذلك، أثرت في سلوك المستهلكين والمستثمرين وتوقّعاتهم المستقلبيَّة لأداء الاقتصاد الوطني.
لمعالجة تداعيات الجائحة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، بادرت حكومة المملكة ومؤسَّساتها مبكِّرًا إلى اعتماد جملة من الإجراءات الماليَّة والنقديَّة المضادة للصدمة. وأحدثت حزمة من برامج التحفيز الاقتصادي والدعم الاجتماعي لرفع مستوى الاستخدام، وتعزيز القوَّة الشرائيَّة، وزيادة الطلب الكلِّي على السلع والخدمات، وتنشيط الاقتصاد. كذلك، تمَّ دعم البنوك المحليَّة، ومساعدتها على منح الشركات الصغيرة والمتوسِّطة مهلة سماح لتأدية التزاماتها الماليَّة، ومنحهم قروض وتسهيلات ائتمانيَّة جديدة. هذه السياسات التحفيزيَّة الفعَّالة، من المتوقَّع أن تظهرتأثيراتها الإيجابيَّة الأوَّليَّة في الربع الأخيرمن هذه السنة، وقد تغدو النتائج أكثر وضوحًا خلال النصف الأوَّل من السنة المقبلة.
هل بإمكان المؤسَّسات الماليَّة والاقتصاديَّة في المملكة تسريع وتيرة الانتعاش الاقتصادي، وتخفيف الضغوط الاقتصاديَّة والأعباء الماليَّة على الميزانيَّة العموميَّة؟ وما هي سبل التسريع وَآليَّاته؟
الإمكانيَّات الاقتصاديَّة والقدرات الماليَّة والطاقات البشريَّة النوعيَّة المتوفِّرة في المملكة، تتيح لمؤسَّساتها الماليَّة والاقتصاديَّة الحكوميَّة القدرة على معالجة التحدِّيات الاقتصاديَّة الراهنة، والخروج من هذه الأزمة، وبناء اقتصاد متين متطوِّر. كما أنَّها قادرة على تسريع الانتعاش من خلال معالجة حالة عدم التوازن في سوق العمل ورفع مستوى الاستخدام، وتعزيز ثقة المستهلكين والمستثمرين المحلَّيِّين والأجانب في قوَّة الاقتصاد السعودي ومستقبله.
إلى جانب تنفيذ السياسات الماليّة والنقديَّة التحفيزيَّة والداعمة المعلنة ، فريق إدارة الأزمة الاقتصاديَّة ومؤسَّسات الدولة الماليَّة قادر على تعجيل الانتعاش الاقتصادي من خلال:
أوَّلًا: تركيز السياسات التحفيزيَّة على إصلاح الخلل في سوق العمل، وخفض حجم البطالة. رفع مستوى الاستخدام من شأنه تحفيز الطلب الفعَّال على السلع والخدمات الاستهلاكيَّة والاستثماريَّة، وتنشيط الاقتصاد. ثمَّة العديد من الآليَّات التي يمكن توظيفها لتحقيق هذا الهدف، وسبق استخدام عدد منها في المملكة. ولعلّ أهمها؛ زيادة نسبة إسهام العمالة الوطنيَّة في المشاريع العامَّة، وتغطية نسبة من أجور العاملين في القطاع الخاص ورواتبهم، وتقديم منح ماليَّة وضمانات ائتمانيَّة للشركات المتوسِّطة والصغيرة لاقامة مشاريع جديدة ، وإعفائها من الرسوم والضرائب خلال المرحلة التاسيسيَّة، وتشجيع الجمعيَّات والتعاونيَّات الانتاجيَّة الشبابيَّة وَدعمها، وتقديم الدعم المالي للبحث العلمي والابتكاروالمبادرات الفرديَّة المتميِّزة.
ثانيًا: المؤسَّسات الحكوميَّة قادرة أيضًا على تعجيل الانتعاش الاقتصادي وتحقيق معدَّلات نمو إيجابيَّة من خلال تعزيز ثقة المستهلكين والمستثمرين المحلِّيين والأجانب في قدرة الاقتصاد على تجاوز الأزمة الراهنة. والأهم، تعزيزثقتهم بطاقاته المستقبليَّة من خلال وسائل عديدة. منها؛ تأكيد التزام الحكومة بمعالجة الأزمة، وقدرتها على تحقيق ذلك. والمحافظة على زخم تنفيذ برامج التحفيز المالي والاقتصادي، والإعلان الدوري عن النتائح المتحقِّقة بدقَّة، وإعلان الحكومة عن التزامها بنموِّ الناتج المحلِّي الإجمالي، وتخفيض معدَّل البطالة، وطرح برامج تطوير القطاعات غير النفطيّة. وكذلك تطوير المناطق الواعدة، وضرورة شفافية الخطط المعلنة ودقَّتها، وطرح برامج مبتكرة وواعدة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وتقديم تسهيلات تحفيزيَّة.
الركود الاقتصادي الحاد الراهن، حالة نجمت عن تراجع حادٍّ في الطلب الكلِّي على السلع والخدمات. المؤسَّسات الاقتصاديَّة الحكومية في المملكة قادرة بكلِّ ثقة وتأكيد على تجاوز الأزمة والعودة إلى مسار الخطط التنمويّة وبرامج التحوُّلات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة بما طرحته من سياسات إنعاش وتحفيزات ماليَّة ونقديَّة، وبرامج دعم القوَّة الشرائيَّة للأفراد لزيادة حجم الطلب الكلِّي على السلع والخدمات. إلَّا أنَّ تسريع الانتعاش من خلال زيادة مستوى الاستخدام، وتعزيز ثقة المستهلكين والمستثمرين كفيل بتقليل كلف الركود وأمده.
هل بإمكان المؤسَّسات الماليَّة والاقتصاديَّة في المملكة تسريع وتيرة الانتعاش الاقتصادي وتخفيف الضغوط الاقتصاديَّة والأعباء الماليَّة على الميزانيَّة العموميةّ؟ نعم، باقتدار وامتياز.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال