الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هو مشهد ــ بكل المعايير ــ يستحق الكثير من التأمل، ويستدعي أن نتوقّف أمامه بالكثير من الدراسة والفهم.
فقد أثبتت المملكة نجاحاً، في مواجهة التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا، حظي باهتمام الكثير من دول العالم التي استلهمت دروسا مهمة من “التجربة” السعودية في المواجهة،
ففي الوقت الذي مثلت الجائحة لكافة دول العالم، دون استثناء، زلزالا اقتصاديا مُرعبا، ولا يزال، أثبتت المملكة كفاءة عالية المستوى في تجنّب الكثير من النتائج السلبية للجائحة، بل وحولت بعضها إلى مكاسب في بعض المجالات، واجهت الجائحة بسياسات حكيمة، وخطط جادة، وبجدية في التنفيذ على أرض الواقع، بإدراك عميق لطبيعة الجائحة، باعتبارها أزمة “وقت” لا بد أن تنتهي، وأنه لا ينبغي أن يشغلها شيء عن تنفيذ مشروع العبور الاقتصادي والتحول الاستراتيجي الذي شرعت به قبيل سنوات.
على مستوى تداعيات الفيروس، تعطينا جميع المؤشرات تفاؤلا بنجاح الدولة في التصدي لهذه الأزمة، ليس على المستوى الصحي فحسب، بل وفيما يتعلق بإجراءات الدولة في المجال العام، حيث كانت نموذجا استباقيّاً سارت وراءه أغلبية دول الإقليم خصوصا في المحيط العربي، وكثير من الدول في المحيط العالمي، وبرغم كل التبعات السلبية التي خلفها الوباء على الواقع الاقتصادي، إلا أن المصدات التي وضعتها الدولة ــ من خلال حزم الدعم ومبادرات التمويل وقائمة تطول من الإعفاءات والتأجيل بمبالغ تخطت حتى الآن 220 مليار ريال ــ أعطت مفعولا مباشرا في دعم صمود النشاط الاقتصادي في البلاد للجائحة ومختلف تداعياتها.
مؤخرا، رفعت الدولة الحظر الكامل، وغيرته من إغلاق كلّي إلى فتح كلي لكافة الأنشطة والمجالات التي عادت للعمل والأعمال على نحو طبيعي، بعد قرابة 90 يوما عاشها المواطنون والمقيمون، وفق مراحل حظر مشدد ومنع للتجول في إطار الاحتراز ورفع الوعي الوقائي. ويتزامن مع رفع المنع الكلي حرص السلطات الرقابية والصحية على المتابعة الدقيقة للأوضاع، مع احتمال إغلاق منتظر إذا دعت الحاجة، في الوقت الذي تعزز فيه عودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها في ظل الأزمة الجارية، ورسم خطط ما بعد زوال الوباء.
الشاهد، صدور تقريرين معياريين منذ أيام عن منظمات دولية مرموقة، أولهما تقرير التنافسية العالمي 2020، صدر عن مركز التنمية الإدارية الدولي الذي كشف عن تقدم مركز السعودية في التنافسية إلى المرتبة الـ 24 مسجلة التحسن الوحيد بين بلدان منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، رغم الجائحة. أما الثاني فهو تقرير الاستثمار العالمي 2020، وصدر عن منظمة “أونكتاد” والتي أفصحت فيه عن نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السعودية رغم فيروس كورونا، مشيرة إلى أن الاقتصاد السعودي يعد الملاذ الأكثر ثقة في منطقة الشرق الأوسط.
وإلى ذلك، تسنح فرصة تاريخية وربما كانت استثنائية، أمام صندوق الاستثمارات العامة – الذراع الاستثماري الخارجي للدولة – للذهاب إلى مزيد من تعزيز مكوناته ورفع حصته في الاسثتمارات الخارجية، لاسيما مع تدني أسعار أسهم الشركات العالمية الناجحة والمنشآت الإنتاجية والتصنيعية ذات المستقبل الواعد.
الفرصة أمام الصندوق، إذ تسببت جائحة كورونا في هبوط الأسواق المالية، وتراجع قطاع الأعمال العالمي، مما أدى لوصول أسعار تلك الشركات إلى قيعان مغرية للشراء، وتنبؤ عن عوائد مجزية، ليس على المدى المتوسط أو الطويل، بل فور بروز بوادر التخلص من الفيروس وعودة الاقتصاد العالمي إلى طبيعته.
لا نخفي آمالنا وتطلعاتنا الضخمة المعلقة – بعد الله – في هذا الصندوق الذي ضخت الدولة فيه مؤخرا من الاحتياطيات ما قيمته 150 مليار ريال لتقوية مركزه المالي ودفعه للتقدم خطوات إلى الأمام، من أجل الاستفادة من الفرصة الاستثمارية التاريخية.
الآمال والتطلعات لا تأتي من فراغ، بل تنطلق من تجربة استثماراتنا المالية المتعددة، خصوصا على مستوى مؤسسة النقد العربي السعودي وحتى على نطاق القطاع الخاص، مؤكدة حنكة وذكاء نجحا في تحقيق نتائج مذهلة. صندوق الاستثمارات العامة، في رأينا، لا يقل كفاءة بل يضم أبرز الخبرات والكفاءات، وفوق هذا يحظى بثقة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله- الذي تجلت ثقته بالصندوق في منحه صلاحيات واسعة ليقوم بدور استراتيجي في عملية التحول والتنوع الاقتصادي المنشود.
أخيرا، نشدّ يدنا مع جميع الجهات ونطالب السلطات بضرورة العناية الفائقة بالإجراءات الاحترازية، وتوخي الحذر والحيطة الدائمة والذهاب إلى الأعمال ومزاولة المناشط، وفق أعلى تدابير الوقاية الصحية، لكي نسجل أنفسنا نموذجا يحتذى للعالم، دعونا “نعود بحذر” لنحول محنة الوباء إلى منحة للرخاء.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال