الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
باحث في مجال الأعمال
alolayana@
تُعّرف البنية الاجتماعية بأنها خصائص ومفاهيم وطرق تفكير اجتماعية معينة توجه وتحكم تصرفات مجتمع ما, وهي لن تكون موجودة على وضعها الحالي مالم يعترف المجتمع بها ويضع الثقه فيها، ولو قُدّر أن المجتمع لم يؤمن بها بالطريقة الحالية، فقد تتجلى هذه المفاهيم فيه بأشكال مختلفة.
الأموال، والمواطنة، والجرائد هي أمثلة واضحة لأي بنية اجتماعية حيث أن المجتمع أعطاها الثقه كمصدر للقيمه، ومصدر للأمن والانتماء، ومصدر للمعلومه. وقد طوّر المجتمع هذه الخصائص والمفاهيم للأموال، والمواطنه، والجرائد على مدى طويل من الزمن وغالباً بدعم قانوني. بالمثل، هناك خصائص ومفاهيم بنيت حول المرأة وأخرى حول الرجل في أي مجتمع، ونرى تجليات هذه البنية الاجتماعية في تعاملاتنا اليومية، وممارساتنا الحياتية، كما سنرى في هذا المقال.
معظم الفروقات في التعامل أو التعاطي مع المرأة بُنيت على عادات وظروف وثقافة سيطرت على البنية الاجتماعية السعودية في فترة معينة من الزمن، فتخيل –مثلاً- أننا لم نكتشف النفط بهذه الكميات التجارية, هل تعتقد بأننا سنعيش مفاهيم اجتماعية تختلف عما نعيشه اليوم؟ هل سنكون أكثر واقعية في التعامل مع قضايا المرأة؟ هل تتوقع أننا سنبني مساجد للنساء معزوله تماماً عن الرجال مثلاً؟ هل تعتقد أننا سنبني دوائر حكومية نسائية وأخرى رجالية؟ هل بحبوحه الكاش والبترودولار الذي نعيشه اليوم شجّعنا ووجه تفكيرنا نحو بناء تصورات معينه نحو المرأة؟ وحيث أنني في سياق الحديث عن ريادة الأعمال, يبرز السؤال: هل هذه البنية الاجتماعية تؤثر على رائدات وسيدات الأعمال في السعودية؟ سأحاول الإجابة على التساؤل أعلاه من خلال الملاحظات الثلاث التالية:
* زادت عدد السجلات التجارية بأسماء نسائية بالسعودية من ٤٣ ألف سجل تجاري في عام ٢٠٠٨ إلى أكثر من ١٠٠ ألف سجل تجاري في عام ٢٠١٤ من إجمالي يزيد عن ٩٠٠ ألف سجل تجاري حسب تقرير لجريدة الجزيرة بتاريخ ٢٨/٤/٢٠١٤. قد يبدو هذا الرقم مشجعاً للوهله الأولى نظراً للزيادة في عدد سيدات الأعمال السعوديات اللآتي بدأن بالعمل الحر، لكن ليس عندما نعلم أن مايزيد عن ٨٠٪ من هذه السجلات التجارية مملوكه لرجال يستغلون أسماء من يعولون, حيث لا يستطيعون استخراج سجلات تجارية باسمائهم إما لعملهم في وظيفة حكومية أو لسبب آخر.
يعتقد الرجل السعودي – في الغالب- بأنه مسئول عن الصرف على المرأة سواءاً كانت زوجة أو أخت أو أم، وقد يكون هذا جيد ومطلوب، لكن المشكلة بأن يجر هذا الاعتقاد إلى أن يستغل الرجل الشخصية الاعتبارية أو القانونية للمرأة، ويمارس التجاره من خلال اسمها، بل وقد يلغي شخصيتها وربما بدون إذنها أو بالإكراه. لا تستطيع المرأة غالباً أن تعترض على هذه الممارسات لعدة أسباب أهمها اعتمادها الكامل على الرجل – حتي وإن كانت موظفه- بالتدبير وتسيير دفه الحياة، وعدم وعيها بحقوقها الشخصية والقانونية والمتاعب التي قد تتعرض لها, وقناعتها بالصعوبات التي قد تعترضها إن قررت أن تخوض تجربة التجارة.
يجرني هذا للحديث عن أهلية رائدات الأعمال في السعودية، فعلى الرغم من أن السعودية خطت خطوات حثيثه من أجل تمكين المرأة، إلا أن المرأة في السعودية لا تزال قاصراً أو ناقصة الأهلية عند كثير من الدوائر الحكوميه بل والخاصة أحياناً. فمثلاً وعلى الرغم من التطور الذي حصل في تسجيل واستخراج الرخص اللازمه من وزارة التجارة والغرف التجارية، إلا أن المرأة مازالت بحاجة لوكيل أعمال يقوم بتسهيل أعمالها. قد تكون بعض النساء محظوظات بأزواج أو اخوان أو آباء يدعموهن لينجحوا في عالم الأعمال، لكن هناك المئات أو الآف اللاتي لا يجدن ذلك بل العكس قد يكون صحيحاً بأن يكون (ولي الأمر أو من ينوبه) عاله وحجر عثرة في سبيل نجاح المرأة. إذن المطلوب هنا تشريعات وأنظمه صارمة تعترف بأهلية المرأة الكاملة في السوق وفي ممارسة التجارة.
* هناك ٣٠ امرأة سعودية يشاركن في مجلس الشوري بواقع ٢٠٪ من اجمالي عدد الأعضاء، كما يشارك عدد من السيدات في مجالس الغرف التجارية في الرياض وجده وغيرهما، وهناك العديد من سيدات المجتمع الذين يشاركون في المناسبات الثقافية والاجتماعية. لكن التساؤل هو:هل الممارسات العامه في المجتمع تدعم المرأه لتكون رائدة أو سيدة أعمال؟ أعتقد بأن الإجابه هي لا باستثناء عوائل محدودة لها القدرة المادية والمعنوية استطاعت تهيأت البيئة الداعمة والمناسبة لبناتها للدخول لمجال الأعمال.
أشارت عدد من الدراسات بأن حضور المناسبات الثقافية والاجتماعية، والعلاقات الشخصية، والقدرة على التواصل مع الأصدقاء تساهم بشكل كبير في عملية التنبه للفرص التجارية ولحاجات السوق. كما أن عدد من الأبحاث أشارت بضرورة الوصول للمعلومات بشكل مباشر للتعرف على الفرصة التجارية ومن ثم تحويلها إلى مشروع. على الرغم من أن الجهود التي تُبذل في سبيل تمكين المرأة السعودية، إلا أن المرأة السعودية في الغالب لا تستطيع اتخاذ قرار بحضور مناسبة ثقافية أو اجتماعية، بل ولا تستطيع الذهاب لانهاء أمورها إلا مع سائق.
إن المرأة السعودية قد أُعدت ذهنياً ونفسياً ومجتمعياً بل وربما حتى قانونياً لتكون ربة منزل ومربيه أبناء فقط – وهي وظيفة جليلة ولا شك- لكن أدى ذلك إلى تعطيل مصالح وقدرات كبيرة في المجتمع، بل قد أدى لظلم السيدات اللاتي يرغبن بالخروج وطلب الرزق في التجارة. على سبيل المثال: الافتراض و السيناريو السائد في المجتمع هو أن الرجل يخرج ليطلب الرزق ثم يعود ليطعم امرأته وأسرته ومن يعول، لذلك يحتاج الرجل أن يسوق وأن يسعى في الأرض، بينما تجلس المرأة في المنزل وتعتني به لذلك فهي ليست بحاجه للقياده أو للخروج. هذا الافتراض صحيح وينطبق على فئة من سيدات المجتمع لكن هناك فئات أخرى ترغب بالخروج وخوض تجربة الحياة وطلب الرزق لكن تحتاج للدعم إما بالسماح بقيادة السيارة مع نظام مروري صارم أو بتوفير بدائل مناسبة للتنقل.
* هناك افتراض سائد وقد تكون له مبرراته بأن المكان الطبيعي للمرأة هو المنزل، لكن المزعج في هذا الموضوع أن يُنظر للمرأة التي تذهب خارج البيت نظره دونيه، تجعل البعض يتساهل مع من يتحرش بالمرأة وقد نجد من يضع اللوم –بقصد أوبدون قصد- على المرأة. إن الجلوس في المنزل هو خيار شخصي للمرأة, بينما الأمن من التحرش عند الخروج من المنزل هي قضية مجتمع. لذلك وإذا أردنا أن ندعم ونهيئ بيئة مناسبة لرائدات وسيدات الأعمال السعويات, أعتقد بأننا بحاجة ماسه لقانون يُجرم التحرش ويفرض عقوبات صارمه وحازمه لمن يقوم بهذا العمل المشين.
لاشك أن رائدات وسيدات الأعمال يستطيعن المساهمة بشكل فعال لتنمية المجتمع، والمحافظة عليه، وتقليل نسبة البطالة، بل وحتى رفع مستوى الوعي لجميع فئات المجتمع، فليست المرأة المهمشه التي تؤدي أدوار ثانويه وتشعر بأنها عالة مثل المرأة التي تؤدي أدوار رئيسية وتشعر بحاجه المجتمع وتقديره لها. إننا بحاجة ماسة لمراجعة شاملة و تصحيح متوازن للمفاهيم والعادات التي أدت إلى تعطيل أو إبطاء دور رائدات وسيدات الأعمال وذلك من أجل تحقيق التوازن المجتمعي المطلوب, و إعادة بناء الثقة في المرأة السعودية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال