3666 144 055
[email protected]
هل يوجد شيء من التنمر على بعض أبنائنا وبناتنا ممن يزاولون تخصصات مهنية بمسمّيات أجنبية في مجال الضيافة خاصة في المقاهي والمطاعم والمطابخ؟
ربما الملاحظة جديرة بالاهتمام خاصة بسبب تكرار الكلمات والجمل المزعجة التي يسمعها البعض، وكأن هناك من يحاول أن “يُطفِّش” الشاب (أو الشابة) السعودي من العمل في هذه المجالات، ولا أفضل وسيلة لهذا الغرض سوى إسماع هذا الإنسان المجتهد شيء مزعج يجعله يعف عما يقوم به من عمل رائع.
ولكن من الجهة المقابلة، ربما الموضوع ليس تنمر ولكن تذمر بسبب استفزاز بعض الممتهنين لبعض أفراد المجتمع ممن لا يعرفون معنى مسمّيات هذه المهن الجديدة على المجتمع، أو أنها تتعاكس مع ما يعرفه البعض عن هذه المهن، وقد نوه لهذه المسألة أحد الناشطين على إحدى منصات التواصل الاجتماعي قبل عدة أيام لهذه المسألة، أو بسبب موروثات اجتماعية بالية، أو لأن المسمّيات الأجنبية لهذه المهن الدارجة في السوق ربما تسبب شيء من الانزعاج لمن يغيرون على لغتهم الأم.
تحدثت في وقت سابق مع عدد من الشباب – أثناء تواجدي في مقاهي أو مطاعم أو فنادق في مدن الرياض والدمام وجدة – سواء من الممتهنين في تقديم الخدمات (المضيفين) أو ممن تقدم لهم (الضيوف). محور ما قيل أثناء الحوارات أن هذه المهن – ذات المستقبل الواعد – بمسمّياتها الأجنبية هي واقع ولابد أن يتعاطى المجتمع معها بجدية، ويمكن أن تترجم مسمّيات المهن مثل “باريستا: وترجمتها ساقي مشروبات ساخنة وباردة” و “شيف: طباخ ” و في مجالات الضيافة والعناية الشخصية مثل “ستايلست: مصفف شعر و “بتلر: كبير الخدم”، من خلال استخدام مرادفات عربية عصرية، أو تعريبها – في حال عدم وجود مرادفات تتناسب مع الحاضر – بمعنى تضمينها كما هي في اللغة العربية – وتصبح متداولة بشكل طبيعي لتكسب صفة التواجد الرسمي، مثل “راديو” و “تلفزيون” و “رادار” وهي مسمّيات أجنبية معربة.
واستكمالا لما حصل من حوارات، خاصة مع مقطع الناشط الذي شرح بعض جوانب الاختلاف في قبول ورفض المصطلحات، نقلت بعض الكلمات والجمل المزعجة التي سمعها بعض الممارسين ومن المقطع أيضا (دون ذكر انها نقل لكي تضح لي المشاركات الجيدة لذوي الشخصيات الحقيقية المهتمة بالمحتوى وبتجرد)، وقد حصلت على عدة مشاركات إيجابية، ولهم مني كل الشكر على تفاعلهم البناء.
أشار أحد المشاركين الأفاضل (مستشار قانوني) – في محاولة لفهم جذور واقعية تواجد المسميات الأجنبية لبعض المهن – إلى أن “إعادة الانبعاث لبعض المهن من المفهوم الغربي – رغم شرقية ذات المهن – يحبب إلى النفس جلب أسمائها كما هي بجوار هذه المفاهيم الحديثة كنوع من نقل المعرفة [ ] وهذا من آثار العولمة الاقتصادية”.
كما أشار مشارِك آخر (مختص في التسويق) إلى أن المسمّيات الجديدة المتداولة في السوق في الوقت الحالي لها معاييرها في الممارسة، ودعم فكرة تعريب المسمّيات لأنه يتضمن مراعاة حقيقة أن المسمّى يتعدى الكلمة المجردة إلى تغيير مفاهيم وممارسات، وأكد على أن اللغة العربية غنية بالمفردات واشتقاقاتها التي يمكن أن توظف في حال أخذ نهج الترجمة للمسمّيات الأجنبية ولكن بشكل عصري.
وفي مشاركة أخرى تدعم ما سبق كان مضمونها أن تغيير المسمّيات لبعض المهن تجعل هذه المهن جاذبة للعمل فيها، ومراجعة هذه المسمّيات مطلوب لكي تكون ضمن إطار عربي ذو رونق، كما المحت مشارِكة أخرى في الحوار إلى أن المسمّى أو الوصف للمهنة بما يليق يرفع من معنويات ممتهنيها، ومشارِكة أخرى أضافت أن المهن هذه مرتبطة بمعارفها الحديثة والمتخصصة التي لم تكن متواجدة في السابق، وهذا يدعم عملية نشر ثقافة تقدير الممارس لهذه المهن وأيضا قبول المجتمع في أن يرى أبنائه يمارسونها.
وفي مشارَكة أخرى، أشار مشارِك إلى أن مثل هذه المهن تحتاج تأهيل لاكتساب مهاراتها، وربما تتناغم مع وجهة نظر مشارِك آخر أشار إلى أن مثل هذه المهن ربما تحتاج تصاريح خاصة لممارستها، مما يجعل مثل هذه المهن ليست متاحة إلا للمجتهدين فيها والقادرين عليها والمرخص لهم كمهن ذات قيمة ومكانة هامة، وربما هذا التوجه يدعم ويعزز منظومة السياحة والضيافة بمؤهلين يعتزون بما يقومون به وتجذب المنظومة لها أعداد أكبر ممن يرغبون المشاركة من خلال هذه المهن.
وجهة نظر أن مسمّيات كثير من المهن في مجالات مثل السياحة والضيافة – وربما مجالات أخرى – غالبا غير مناسبة للحاضر والمستقبل جديرة بالاعتبار، لذلك مهم أن نتعاطى المسمّيات الجديدة (سواءا بالترجمة أو التعريب) ضمن الترتيبات التنظيمية الأخيرة لشؤون الأسواق والتجارة والوظائف، وأن نعطيها ما تستحق من اهتمام لأنها أعمال رائعة ومنافسة في كثير من الأحيان، وتتلائم مع احتياجات الكثير في المجتمع، كما أن المحافظة على “الكبرياء المهني” – دون استفزاز لبعض فئات المجتمع – لأبنائنا وبناتنا ممن يمارسون هذه المهن – ونفخر بهم بكل تأكيد – مسألة لا جدال فيها، فنقطع الطريق أمام احتماليات التندر أو التنمر عليهم، أو تذمر البعض في المجتمع من المسمّيات الأعجمية.
الموضوع جدير بالبحث بمنهجية علمية وبشكل أدق لخلق تفاعل يضيف قيمة لأسواق عمل عديدة خاصة الضيافة والسياحة ونجعلها مجالات أكثر جاذبية.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734