الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في القرن العشرين تسابقت الدول في اتباع سياسات الحد من تدخل الدولة في العديد من القطاعات كخصخصة القطاعات العامة ومرافق الدولة، بل أن الأمر لم يقتصر على ذلك، العديد من الدول اعتمدت برامج التقاعد غير الحكومية والتي تدارمن قبل شركات مخصصة لتقديم خطط للموظفين والعاملين بناء على اعداد خطط استثمارية في الأسواق المالية. كما اتبع العديد من الدول بناء على العديد من الاتفاقيات الدولية “كأعضاء مجموعة الدول العشرين “سياسات تطوير القطاع المالي والأسواق المالية وذلك من خلال سياسات تعميق الأسواق، زيادة المنتجات المالية التي يتم تداولها، التقليل من القيود المفروضة سواء على مستثمري السوق أو على ادراج أنواع جديدة من الأوراق المالية. فالمملكة العربية السعودية كجزء من رؤية ٢٠٣٠ قامت بإنشاء برنامج تطوير القطاع المالي.
فوفقا لأهداف برنامج تطوير القطاع المالي التابع للرؤية والمتمثل في تحقيق ثلاثة أهداف، أولا: انشاء أسواق مالية متطورة. ثانيا: تعزيز دور المؤسسات المالية في الاقتصاد لتقديم الدعم اللازم لتحقيق نمو القطاع الخاص. ثالثا وأخيرا تمكين ودعم اللجوء لخطط وبرامج التقاعد غير الحكومية.
وتحقيقا لهذه الأهداف المالية قامت المملكة العربية السعودية بقفزات كبيرة ممثلة بقيام حكومة المملكة العربية السعودية بطرح أرامكو السعودية للاكتتاب العام في ٢٠١٩والذي يعد الأكبر في التاريخ.
ثانيا: قيام هيئة السوق المالية ولغرض تحقيق أهداف برنامج تطوير القطاع المالي٢٠٣٠ بإنشاء السوق الموازية نمو كسوق ذي مرونة وبقيود أقل يسمح للمستثمرين المؤهلين باستثمارات عالية الخطورة، زيادة عدد الشركات المدرجة، تخفيف القيود المفروضة على من يسمح لهم التداول، السماح بتداول أنواع من المشتقات المالية بدءا من ٣٠ أغسطس الماضي للمستثمرين المؤهلين وتداول شهادات الإيداع وغيرها.
ثالثا: دور مؤسسة النقد العربي السعودي في دعم قطاع التقنية المالية” فنتك” والتي تهدف إلى دمج التقنية المالية في المؤسسات المالية وإلى توفير وسائل تمويل وفرص استثمارية مالية بديلة عن القطاع المصرفي وقطاع الأسواق المالية كمنصات التمويل الجماعي بالدين p2p lendingوغيرها.
ولنجاح هذه الأهداف المالية، والتي من ضمنها تحقيق الشمولية المالية التي تعنى بتمكين قطاع الأفراد والشركات الناشئة والمتوسطة من الدخول للأسواق المالية والفرص الاستثمارية لتحقيق الحرية والوفرة المالية، فإن الأمية المالية تعد عائقا أمام تحقيق هذه الأهداف. ومع ازدياد تعقيد الأدوات المالية في الأسواق المالية، تنوعها وتعدد خصائصها، أصبح فهمها والتعامل معها بالمهمة الصعبة من قبل الأفراد. ونتيجة لذلك ازدادت فضائح التلاعب وشكاوى الاستغلال المالي للأفراد من قبل المصارف والوسطاء الماليين دوليا، كفضيحة البنوك البريطانية في عقود مبادلة أسعار الفائدة، فضيحة خطط التقاعد وغيرها. كما أنشأت دول عدة قوانين حماية الأفراد أو ما يطلق عليهم “مستثمري التجزئة “في الأسواق المالية وعملاء المصارف.
محو الأمية المالية اكتسب أهمية كبرى دوليا كموضوع تم تداوله منذ ٢٠١٠ فأقرت عدة دول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا برامج التثقيف المالي، وتضمين مبادئ المالية والاستثمار في المناهج الدراسية بالإضافة إلى التركيز على رفع وعي المواطنين ماليا كهدف من أهداف الجهات الرقابية والتشريعية.
كما أقرت قمة الدول العشرين عدة مبادئ متعلقة ب الشمول المالي، حماية المستهلك المالي والاستراتيجيات المالية الوطنية. إلا أنه بناء على تقرير في ٢٠١٦ تم اعداده بناء على بيانات وإحصاءات الدول العشرين، وبتذيل المملكة العربية السعودية القائمة فيما يتعلق بالوعي المالي، اتضح أن هناك قصور كبير في جانب محو الأمية المالية ليس في المملكة فحسب بل في الدول العشرين جميعا، وأن الثقافة المالية لشعوب هذه الدول تعد عائقا أمام نجاح السياسات المالية التي تطمح لها.
فتثقيف الأفراد ماليا مهم لتمكين الأفراد من تقييم الأدوات المالية، تبعاتها القانونية، درجة خطورتها، ملاءمتها لدخل الفرد المالي واستراتيجيته الاستثمارية. ولأن الاستثمار في الأسواق المالية يعد استثمار عالي الخطورة، فإن من الضروري اعداد مواطنين أكثر دراية بما يمكن أن يحدث في الأسواق المالية. ورغم أن المشرعين في العديد من الدول انقسموا إلى فريقين فريق اعتمد على مبادئ قانونية شاملة لتنظيم الأسواق وفريق اعتمد على قواعد قانونية تفصيلية – ورغم الجدل القائم حول أي منهما أكثر نجاحا- مشرعي الأسواق المالية اجمعوا على اتباع نهج تخصيص أوراق مالية لتداول الأفراد وأخرى للمستثمرين المؤهلين الذي يملكون خبرة في المعاملات المالية، كقيام هيئة السوق المالية بحصر التداول في السوق الموازية -نمو- وسوق المشتقات المالية على المستثمرين المؤهلين. إلا أن هذا الاتجاه رغم أنه يهدف إلى حماية المستمرين الأفراد بمنعهم من التداول فيها إلا أنه لا يعني أنهم بمعزل عما يحدث في السوق، فقيام المؤسسات الأجنبية والمحلية بالتداول جنبا إلى جنب مع المستمرين الأفراد” التجزئة” يوضح الفارق في السياسات الاستثمارية، التسامح مع معدل المخاطرة، حجم التداول بالإضافة إلى الفرق الشاسع في الخبرة والتعامل مع الأسواق.
لذلك، اتجه المشرعين حديثا نحو الاتجاه الأبوي كمبدأ ” اعرف عميلك “فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بعملاء البنوك، التقاعد، التأمين ومتداولي الأسواق المالية. وذلك لأسباب متعلقة بصعوبة فهم الأسواق المالية، بنود العقود المصرفية وشروطها، الالتزامات والحقوق المترتبة لعملاء مقدمي الخدمات المالية كالوسطاء وغيرهم. بالإضافة إلى تأثيرها الكبير على المستوى والأمان المالي للأفراد.
فالاتجاه الماضي المبني على مسئولية الفرد بقراءة بنود العقد و السؤال عن أي اشكالية فيها هي سياسة غير ناجحة في حماية الأفراد -الطرف الأضعف- في هذه العلاقة التعاقدية ماليا، بل بناء على مستوى التعقيد في الأسواق المالية و العولمة المالية بتعدد مقدمي الخدمات المالية ،فإن من الضروري تشديد معايير العناية الواجبة تجاه العملاء و التي تعني بمسئولية مقدمي الخدمات المالية ،التمويلية و الاستثمارية بدراسة الوضع المالي للعميل و تقديم خدمات متوافقة مع الدخل المالي و المعرفة المالية للفرد و بالتالي قيام المسئولية القانونية لتك الجهات عند وجود أي قصور في العناية الواجبة تجاه العملاء و وجود تضرر مالي للعميل.
وأخيرا، تثقيف الأفراد ماليا وتشديد معايير العناية الواجبة تجاه العملاء لا يقتصر أثرها على الأفراد بل تمتد لتضمن كفاءة الأسواق المالية، تكافؤ قوة طرفي العقود المصرفية والتمويلية بالإضافة إلى سلامة النظام المالي من الفضائح المالية وبالتالي محدودية التبعات القانونية والاقتصادية لها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال