الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعرضت كل اقتصادات العالم لاختبار إجهاد صعب – في سنة 2020 – بسبب جائحة فيروس “كوفيد -19 ” المستجد وما نتج عنه من ارتفاع في المديونية والإفلاس والبطالة، إضافة إلى ظهور توترات تجارية عالمية، إلا أن اقتصاد المملكة العربية السعودية تعرض لاختبار إجهاد أصعب ومركّب لأنه يشمل مصداقية الجملة الأهم لرؤية المملكة في التقليل من الاعتماد على النفط كمصدر الدخل الأكبر في إسناد الاقتصاد السعودي.
أحدثت الجائحة صدمات اقتصادية عنيفة ومقلقة للغاية، أمرضت اقتصادات ومجتمعات بالكامل، ولا شك في أن المملكة تأثرت أيضا وربما أكثر بسبب أن برامج ومبادرات رؤية المملكة 2030 لم تتوقف وإن تباطأ بعضها، إلا أن مواصلة هذه البرامج أسهم – في 2020 – وبشكل جذري في تعزيز الحوكمة والشفافية، والتأكيد على ما وضع من سياسات وإجراءات وتطوير ما يحتاج منها، وعملت على اكتشاف الثغرات وسدها خاصة التي يمكن أن ينفذ منها الفساد، والاستمرار في اعادة هيكلة بعض الأجهزة الحكومية ومن ثمّ ارتقاء أدوات قياس الأداء نحو التجهيز للمرحلة التالية في تنفيذ خطط ومبادرات الرؤية، وهي إنجازات أظهرها لنا اختبار إجهاد فرض نفسه علينا.
كما أن اختبار الاجهاد المركّب – الذي تتعرض له رؤية المملكة – أظهر موثوقية عالية في قدرة الاقتصاد السعودي على تجاوز (أو في أسوأ الأحوال التعايش مع) التحديات المالية التي أظهرها البيان التمهيدي لوزارة المالية بعد أن قدّرت أن يظهر الناتج المحلي الإجمالي للعام 2020 عند سالب %3.8 وفي ظل مواصلة الإنفاق بزخم والتي بلغت المصروفات فيه 1.068 تريليون ريال متجاوزة المقدر بنحو 48 مليار ريال رغم الهبوط الحاد في الإيرادات النفطية، ولكن التوقعات قوية بأن يظهر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مدى السنوات الثلاث القادمة أداء إيجابي بمعدلات %3.2 (المتوقع لاقتصادات دول العشرين G20 ما بين %3.3 و %3.5)، %3.4، و %3.5 على التوالي، مع تراجع العجز في الميزانيات من %12 في 2020 ليصل إلى نحو 5.1% في 2021 وحتى 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 بحول الله وقدرته.
وإذا ما قرأنا بين سطور البيان التمهيدي حول حالة الاقتصاد السعودي، سنجد أن حكومة المملكة أعطت أرقام أكثر واقعية للنمو مما كان متوقع من قِبل بعض المنظمات المالية الدولية وتحديدا صندوق النقد الدولي والذي قدّر الانكماش في أداء الاقتصاد السعودي بنحو 7% في 2020 وهو مالا يمكن الاقتناع به بسبب أن النصف الأول من هذه السنة – وهو الاعنف – لم يتجاوز متوسط الانكماش فيه 4% (1 % في الربع الأول ونحو 6 % في الربع الثاني) وهي فترة الإغلاق، فيما يشهد النصف الثاني من 2020 تحسن بفعل فتح الاقتصاد تدريجيا، ومن غير المتوقع – حسب المعلومات المتوفرة حاليا – أن يكون الربع الرابع أسوأ من الثاني.
لذلك، فإن تقديرات الحكومة في البيان التمهيدي لميزانية 2020 والتي توقعت فيه أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة 3.8% (أي بفارق 3% أقل من توقعات صندوق النقد الدولي) هو أقرب للواقع حسب المعلومات الفعلية، وفي ظل قدرة المملكة في السيطرة على الوباء.
المؤشرات ايجابية على أن استراتيجية المملكة لتنويع مصادر الدخل تسير وفق المأمول لها، حيث أنها تعمل بشكل جاد في تعميق التنوع في الايرادات، كما أن المشاهدة فورية للضبط الصارم الذي تمارسه وزارة المالية لأداء الميزانية لضمان الاستقرار والاستدامة الماليـة، مما يدعم مستوى الطمأنينة العالي عند ذوي العلاقة بالاقتصاد السعودي بالرغم من قساوة الظروف التي تتعرض لها الكثير من الاقتصادات العالمية وضعف أرقام الأداء فيها. وهذا ما دعا وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني – على سبيل المثال – التأكيد على نجاح المملكة في تطوير سوق صكوك وسندات محلية عميقة وتعمل بشكل جيد “من الصفر” وهو مؤشر لا يستهان به في أن مصداقية مسار تطوير السياسة المالية متوافق مع مستهدفات رؤية 2030 والمدعوم بالطلب العالي على الصكوك والسندات السعودية محليا ودوليا.
وعليه، فإن المسوح والتصنيفات الإيجابية حول واقع اقتصاد المملكة والمتواترة عن مراكز تصنيف وأبحاث لها وزنها الدولي يدحض الكثير من التوقعات السلبية تجاه اقتصاد المملكة وقدراته، ولكن هذا لا يجعلنا نفرط في التفاؤل خاصة في ظل استمرار حالة عدم اليقين، كما أن توقعات مثل ما أتى في تقرير”جولدمان ساش” الذي ظهر إيجابي، لا بد أن نكون متيقظين لها، حيث أن هذا التقرير ربط ميزانية المملكة بأسعار نفط عند مستوى 50 دولار للسنوات الثلاث المقبلة، اعتمادا على تقديرات غير رسمية مدعومة بتحليل الإيرادات الحكومية بعد حساب الأرقام المعروضة في بيان الميزانية، ومثل هذه التقارير تحاول بذكاء اثبات أن المملكة ستستمر في الاعتماد على النفط كداعم أوحد للاقتصاد السعودي، ولكن الإنجازات – حتى نهاية الربع الثالث من السنة الحالية – تثبت أن اقتصاد المملكة قادر على تحجيم النفط لجعله أحد الروافد ولكن ليس الأوحد.
بالرغم من أن الجائحة أتت كاختبار إجهاد للجميع وأظهرت أنه غير متوقع أن يشهد اقتصاد العالم شفاء كامـل حتى نهاية العام القادم – مع استمرار حالة المخاطر المرتفعة – حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، مما يحتم علينا أن نكون متيقظين كعادتنا، إلا أن هذا الاختبار الذي فرض نفسه وبلا ميعاد أتى في وقت كانت المملكة في أمس الحاجة له وبشكله المركّب الصعب ليظهر للجميع (داخليا وخارجيا) مستوى عالي في موثوقية وصلابة خططها – بما فيها الاحترازية بحكم الظرف القاهر – وتأكيد على عمق رؤيتها الاستباقية خاصة في اقتصادها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال