الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يرتبط موضوع إدارة المخاطر بالكثير من النقاش والتعقيد؛ حيث إنَّ المخاطر تَرتَبِطُ بالعلوم المالية وإدارة الأعمال من ناحية، وتَنضَبِطُ ضمن إطار نظام الحوكمة الإداري من ناحية أخرى.
ويحظى عمل لجنة إدارة المخاطر في الشركة بأهميةٍ فائقةٍ منذ انطلاق الشركة والوقوف على حسن سير نشاطها ووقايتها من حالات العسر المالي وحتى إنقاذها من الإفلاس المحقق في بعض الأحيان.
استناداً على عنصر التخصُّص والأثر الاستثنائي لعمل اللجنة، فمن البديهيات أن يتمتَّع عملها بالاستقلال عن ضغوط العناصر التنفيذية في إدارة الشركة، وليس الاستقلال الشكلي عنها فقط.
وقد جاء تنظيم لجنة إدارة المخاطر في لائحة حوكمة الشركات حتى تفرض قواعداً خاصةً؛ أهمُّهُمَا (م/70 لائحة الحوكمة):
*أن يكون تشكيل اللجنة بأغلبية أعضاء مجلس الإدارة غير التنفيذيين؛ أي غير المتفرغين لأعمال الشركة التنفيذية، منعاً لاحتمالات تعارض المصالح.
*أن يكون لدى أعضاء اللجنة معرفة كافية بإدارة المخاطر.
يتَّضح من هاتَيْن القاعدتَيْن أنَّ لائحة الحوكمة قد فرضت مبدأ فصل العمل التنفيذي عن إدارة المخاطر من جهة، وحصرت هذه الوظيفة بأصحاب التخصُّص من جهة أخرى.
بناءً على هاتَيْن الضمانتَيْن، فقد وضعت اللائحة على عاتق اللجنة المذكورة مهام وضع استراتيجيات إدارة المخاطر وسياسات تنفيذها على أرض الواقع، حتى أنَّ اللائحة قد منحت هذه اللجنة صلاحية مراجعة تنفيذ سياسات إدارة المخاطر (م/70-أ لائحة الحوكمة)، رغم أنَّ مهام مراجعة التنفيذ هذه تُعتبر تنفيذيةً ذات طابعٍ إشرافيٍّ على اللجنة ذاتها؛ الأمر الذي يدلُّ على فرض هالةٍ كبيرةٍ من الاستقلالية في الأعمال المُرتَبِطَة بالمخاطر حتى الرقابية منها من ناحية أخرى.
تدل هذه الرؤية التنظيمية بشكل شديد الوضوح على خصوصية لجنة إدارة المخاطر من حيث الاستقلال، ينشأ كل ذلك من أهمية عملها وتخصُّصه العلمي.
لكن المشكلة في لائحة الحوكمة أنَّها نصَّت على قواعدٍ أخرى تختلط مع هذه القواعد الخاصَّة بلجنة إدارة المخاطر، ومن أهمِّها؛
* ما جاء بخصوص مجلس الإدارة، أنَّ على المجلس التأكُّد من تطبيق أنظمة رقابية مناسبة لقياس وإدارة المخاطر (م/22-2-ج لائحة الحوكمة)، كما أنَّ إحدى مهام أعضاء مجلس الإدارة -بغضِّ النظر عن صفاتهم التنفيذية- هو التحقُّق من أنَّ الرقابة المالية ونُظُمِ إدارة المخاطر في الشركة قويةٌ (م/30-5 نفس اللائحة)، كما أنَّ مجلس الإدارة هو مَنْ يضع آليات تقييم جودة إدارة المخاطر في الشركة (م/41 نفس اللائحة).
كلُّ ذلك دون الإشارة إلى كون هذا الأمر تخصُّصي لا يمكن للمجلس إبداء الرأي فيه بل يحتاج إلى خبرةٍ فنيةٍ، هذا إلى جانب حالات تعارض المصالح التي قد تنشأ وتدفع عضو مجلس الإدارة إلى السماح بتقييمات مخاطرٍ أقلَّ من الحقيقة حتى تمرَّ مصالحه على حساب الشركة.
* كما بدا التعارض الأكبر عندما منحت اللائحة للإدارة التنفيذية صلاحية اقتراح استراتيجية شاملة للشركة بخصوص إدارة المخاطر (م/26-2 لائحة الحوكمة)، فهنا تتعارض صلاحية الإدارة التنفيذية مع صلاحيات لجنة إدارة المخاطر غير التنفيذية، وهنا يتمُّ انتهاك القاعدة الأساسية في استقلال لجنة إدارة المخاطر عن النفوذ التنفيذي ضمن الشركة.
*كما أنَّ للإدارة التنفيذية تطبيق أنظمة رقابية مناسبة لقياس وإدارة المخاطر (م/26-6-ج لائحة الحوكمة)، وأنَّ لها أيضاً تنفيذ نظم الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر (م/26-4 نفس اللائحة)، كلُّ ذلك دون الإشارة إلى أنَّ ذلك يجري بالتعاون أو بإشراف اللجنة المختصَّة أصلاً بإدارة المخاطر.
*إذا كانت اللائحة قد أتاحت الاستعانة بخبرة خارجية من أجل القيام بإدارة المخاطر (م/74-ب لائحة الحوكمة)، فكيف يمكن حل التناقض بين صلاحيات هذه الجهات الخارجية المستقلة تماماً عن الشركة مع صلاحيات مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية الواسعة عليها؟
بالنتيجة، تبدو مواد تنظيم لجنة إدارة المخاطر في لائحة الحوكمة غريبةً عن الإطار العام لهذه اللائحة، وهو ما يسمح لبعض أعضاء مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية التلاعب بالمخاطر عبر استغلال التداخل التنظيمي في لائحة الحوكمة.
فعلى الرغم من كون لجنة المخاطر هي في النهاية جزءٌ من العمل المرتبط بمجلس الإدارة، إلاَّ أنَّه عملٌ خبيرٌ لا يمكن تقييمه ومراجعته إلاَّ بالاستعانة بجهةٍ خبيرةٍ.
فإذا كان من الممكن إدارة مخاطر الشركة من لجنةٍ خارجيةٍ متخصِّصةٍ وفق لائحة الحوكمة، فما الذي يمنع من مراجعة تنفيذ اللجنة لعملها من جهةٍ خبيرةٍ خارجيةٍ أيضاً، ثم يكون بمقدور الجمعية العامة تقييم قرار مجلس الإدارة المتَّصل بالمخاطر في ضوء تقاريرٍ مُستقلَّةٍ للمخاطر المالية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال