الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مسار تطور المجتمع البشري دائما مرتبط بتطور معارف الإنسان، فالمعرفة رافقت الإنسان وارتقت معه من مستويات بدائية إلى أن وصلت إلى ما عليه الآن، حيث كان لها دور محوري في تطورالمجتمع البشري، فمفهوم المعرفة ليس بالجديد بل حجم تأثيرها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لنقل المجتمعات من مجتمعات قائمة على الصناعة إلى مجتمعات قائمة على المعرفة، من خلال الاستفادة من ثورة المعلومات والتكنولوجيا وما نجم عنها من ثورة في المعلومات والاتصالات باعتبارهما عاملان أساسيان في النمو والتنمية المستدامة.
الاستثمار في الأبحاث العلمية أشبه بالاستثمار بمناجم الذهب الغير قابلة للنضوب، حيث حتمية ربحيتها وجدوى الاستثمار فيها مسألة لاشك فيها.
المجتمع المعرفي هوالمجتمع الذي تعد فيه المعرفة مصدر الإنتاج الأول بدلاً من رأس المال ذو القوة العاملة فهو ليس المجتمع الصناعي التقليدي المعني بإنتاج السلع وتسويقها وإنما المجتمع المنتج للمعرفة والساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها من أجل بناء ثروة بشرية مبدعة ، فهو يشير إلى المكانة التي يوليها مجتمع ما للمعلومات فيستخدمها لتحقيق رفاهية المجتمع، فالثورة المعلوماتية فككت العصر الصناعي الذي كانت فيه المشاريع الكبرى متعددة الجنسية محتكرة للمعلومات فيما حرمت المشاريع الصغرى من فرصة الانتفاع من المعلومات، وحققت المزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية وتراكم المعرفة.
لابد من الإشارة إلى أن هناك نمطين للفائدة المتحققة من استغلال ثورة المعلومات، الأولى: توليد الاكتشافات والاختراعات والتنميات التكنولوجية لخدمة بعض المجالات الاستراتيجية مثل الاختراعات العسكرية والمتعلقة بمصادر جديدة للطاقة أو استكشاف طرق تجارية.
الثانية: إتاحة التجديد من المعرفة واستخدامها لخدمة الاقتصاد المتضمنة لأسواق المنتجات والعمل وقواعد المنافسة والملكية الثقافية وإمكانية الوصول إلى المصارف لتمويل الابتكار والتجديد.
ومن الأفضل أن يترابط النمطين السابقين ويعملان سوياً لتحقيق النهضة والتنمية المستدامة كما فعلت الولايات المتحدة العائد على حجم البلاد ونوعية جامعاتها وبحثها العلمي، وبالإمكان رؤية تجارب ناجحة ناتجة من هذا الترابط الفعال الذي عائد بنتائج إيجابية على الولايات المتحدة ومن أهم الأمثلة وكالة NASA على النمط الأول ، و Microsoft ، Apple على نمط ابتكار المشاريع التجارية.
أما في حال النظر لحالة فرنسا التي لم تستطع الترابط بين النمطين فقد احتكرت جهات محددة على توجيه الدعم وتحفيز الابداع والابتكار مثل المركز الوطني لدراسات الفضاء CNES، ومفوضية الطاقة النووية CEA، المعهد الوطني للبحث في المعلوماتية وفي الأوتوماتية INRIA، مع إهمال جانب الابتكار في المشاريع التجارية والاستفادة من الثورة المعلوماتية للتأثير على اقتصادها بشكل إيجابي.
استكملت الدول المتقدمة عملية التحول إلى مجتمع المعرفة والقائم على المعرفة خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وكرغبة في الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة عزمت الدول النامية لتغيير سياساتها الاقتصادية لتحقيق التحول إلى المجتمع المعرفي، والمملكة العربية السعودية أدركت أن التحول أصبح ضرورة في ظل ظروف وتطورات الدول للحاق ومواكبة الدول المتقدمة. حسب ماورد في الاستراتيجية الوطنية للتحول إلى مجتمع المعرفة في المملكة الصادرة من وزارة الاقتصاد والتخطيط فإن التحول يتطلب معالجة عدة قضايا من أهمها توفير عناصر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى المتوسط والبعيد، معالجة قضية التنويع الاقتصادي والحد من الاعتماد على النفط والغاز، مواصلة الارتقاء بمستوى معيشة حياة المواطن، توفير فرص عمل واستيعاب الزيادة السكانية، تحويل المجتمع إلى مجتمع مؤمن برسالة العلم. شهدت المملكة تطورات إيجابية ملحوظة على صعيد مؤشرات الاقتصاد الكلي من خلال النمو السريع للتجارة الخارجية، ونمو القطاعات الغير نفطية وتوفير البيئة الملائمة للاستثمار المحلي والأجنبي حيث تعدى إجمالي تدفقات الاستثمار المباشر القادم للمملكة ١٧٠ مليار دولار من ٢٠٠٠ وحتى ٢٠١٠م، والزيادة السريعة في نشر المقالات والبراءات العلمية.
على الرغم من النتائج والتطورات الإيجابية إلا أنه لا تزال هناك العديد من التحديات الكبيرة التي ينبغي على المملكة التصدي لها لضمان الوصول للهدف المرجو المتعلق بترسيخ البعد المعرفي في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية بالمجتمع. إلا أن المقارنة الدولية تشير إلى تأخر المملكة نسبياً عن الكثير من الدول المتقدمة، يشير مؤشر اقتصاد المعرفة الصادر عن البنك الدولي إلى تحسن الوضع العام للمملكة حيث صعدت من المرتبة ٧٦ لعام ٢٠٠٠م إلى المرتبة ٥٠ في عام ٢٠١٢م، بينما تراجع مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من المرتبة ٥٠ لعام ١٩٩٥ إلى المرتبة ٥٦ في ٢٠١٢م وهو ما يعني أن دولاً تشهد تحسنا ً بوتيرة أسرع بالمقارنة مع المملكة. على الرغم من التحسن الكبير الذي شهدته المملكة في أنشطة العلوم والتقنية والابتكار، إلا أن التقويم العام لمنظومة الابتكار السعودية لا يزال دون مستوى الطموحات فقد حلت في مؤشر الابتكار العالمي ٢٠١٢م الصادر من المنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية والانسياد في المرتبة ٤٨ من بين ١٤١ دولة شملها المؤشر.
باختصار يمكن القول أن المملكة تسير في الطريق الصحيح إلا أنها تتطلب الدعم المستمر من خلال السياسات والتمويل الحكومي، ولكن هناك القضايا التي يجب التركيز عليها منها تدني القدرات البحثية للجامعات والمختبرات العامة بالمقارنة بالدول المتقدمة، الفجوة الواسعة بين إنتاج المعرفة والاستفادة منها، وعدم وجود استراتيجية صناعية واضحة ومطبقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال