الثلاثاء, 23 أبريل 2024

محمد الخضير..رحلة الكفاح من إنفجار النفط إلى ثورة المعلومات

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

قبل سبعة عقود حمل الطفل محمد بن ابراهيم الخضير لفافته ووضع داخلها حاجياته المهمة، متجهاً من قريته رياض الخبراء الى عاصمة بلاده الحديثة، بحثاً عن تعليم وتدريب، ثم عمل، وهو ما افتقده في قريته وسط بلاده مفضلاً الدراسة في كتاتيبها والإلمام بمبادئ القراءة والحساب وشيئاً من علوم الدين والحياة. وبعد أشهر معدودة، فضل أن يرحل شرقاً حيث انفجر النفط واستقطبت مدن المنطقة المعروفة بمدن الملح، عمال شركات التنقيب واستخراج البترول وتكريره، لقد وجد نفسه بالمنطقة الشرقية أمام بيئة جديدة، واناس جدد ولغة جديدة، ليلتحق عاملاً في شركة النفط العملاقة أرامكو. لكن بنيته، وصغر سنه منعاه من حمل معاول الحفر، وأدوات التنقيب. كما افتقد وسيلة التفاهم مع خبراء وعمال نفط من الأميركيين، حينها فضل الدراسة في مدرسة لتعلم اللغة الانجليزية.

التحق الطفل بالمدرسة وكان يفتقد حماساً لتعلم اللغة الجديدة جنباً الى جنب مع حماسه بالإلمام بجانب العمل والتدريب بالشركة العملاقة. بعد أشهر قليلة اصبح الفتى الصغير، مترجماً بين مديريه والعمال من ابناء جلدته، وبزغ نجمه وسطعت شمسه في الشركة الكبرى، واصبح موظفاً يشار اليه بالبنان.

اقرأ المزيد

وبعد سنوات قليلة من عمله في شركة النفط، انتقل الى الخرج مع مديره الأميركي ليشرف على نشاط آخر ليس له علاقة بالذهب الأسود، فقد أصبح مديره الاميركي مسؤولاً عن مشروع الخرج الزراعي بعد أن قررت الدولة انشاء المشروع والاستفادة من عيون المياه التي تتدفق وتسيح في الأرض وتذهب سدى ولا يستفاد منها، فكان المشروع الكبير الذي حول القرى والواحات القريبة من العيون الى مدن تعج بالناس وسيارات الجيوب واجهزة الاتصالات اللاسلكية، وإشارات المرور التي تعمل بالبطاريات، في الممرات الضيقة بين المزارع والمساكن المؤدية الى عيون مياه الخرج الشهيرة ومزارعها.

في الخرج محطته الجديدة بعد “أرامكو” ظل هاجس التعليم والتدريب يلازمانه لتعليم العاملين في المشروع الزراعي والسكان، ولم يكن بد من تقديم طلباً الى مديره الأميركي بفتح مدرسة مسائية لتعليم العاملين في المشروع وسكان القرى والواحات، لقد أكبر مديره الأميركي هذا التوجه والحماس من الفتى وطلب منه أن يبحث عن مبنى ليكون مقر للمدرسة وتحقيق حلم الشاب، ومنحه مبلغاً مالياً كبيراً في ذلك الوقت. وما هي إلا أيام قليلة حتى تقاطر للمدرسة العديد من أبناء جلدته يتعلمون بشغف تحت اشراف معلمين اكفاء من مصر وفلسطين والأردن، يعملون في مدارس نهارية واغراهم بالعمل في مدرسته المسائية برواتب مضاعفة عن مدارسهم النهارية الحكومية. كبرت المدرسة وأصبحت لافتة وارتبطت شرطياً بهذا الشاب.

في هذه الأثناء والشاب مشغول بالتعليم وتدريب ابناء جلدته بالخرج تواترت الاخبار بأن بعض من السعوديين من العاملين بشركة النفط العملاقة أرامكو ثاروا ضد مرؤسيهم والعمال من الاميركيين فيما عرف بـ “انتفاضة العمال” بحجة ومطلب تحسين اوضاعهم المعيشية والسكنية، ومعاملتهم مثل الاميركيين.وضع الخضير قدماه في نهر الخرج العظيم وتطلع شرقاً الى حيث ينام الذهب الأسود وهز رأسه فيما يمكن تسميته بقراءة لهذه الأحداث، متسائلاً:لماذا هم فعلوا ذلك!؟، لو أنهم تعلموا وتدربوا مثل الأميركيين لأصبحوا قياديين مثلهم ونعموا بذات الامتيازات التي حصلوا عليها.

بعد سنوات توجه الخضير الى الرياض ودخل مجال الاستثمار والتدريب التي كانت هاجساً له مستفيداً من تجربتين من خلال عمله في “أرامكو”ومشروع الخرج الزراعي واحتكاكه بخبراء من القوة الصاعدة في العالم اميركا، فكانت ثمرة هذا الاسثمار مدارس التربية النموذجية، وجامعة اليمامة، ومعهد حمل أسمه للعمارة والتشييد شيده في محافظته رياض الخبراء، استقطب المئات من الطلاب من مختلف مناطق بلاده، لتعلم حرفة العمارة والتشييد.

كما الحق به ناد تقني ومهني للهواياتـ، وانشأ مجمعاً خيرياً نسائياً للتعليم والتدريب والحق به ناد نسائي مماثل لنادي الشباب وعمل الناديان بكل جد وسجلا حضوراً في المحافظة وانجزا دورات في الحاسب الآلي وتطبيقات الانترنت وفن التجميل وتربية الابناء والحوار بين الأزواج والإسعافات، وهو ما جعل الناديان يمنحان شهادات معتبرة لهذه الدورات.

رسخ الشيخ محمد الخصير العمل التقني والمهني عند الصغار من خلال قسم الاشبال الذي يتفرع من نادي الهوايات الصيفي، من خلال نخبة من المتخصصين ، وخصص النادي مهرجاناً اسماه يوم الطفل.

وسجل الشيخ محمد الخصير أسمه في الأولويات، وكلها تتمحور حول التعليم والتدريب، حيث يعد من أوائل السعوديين الذي عمل معلماً للغة الانجليزية في مدارس “أرامكو”، وهي ذات المدرسة التي التحق بها وتعلم فيها قبل 66 عاماً مع بدء حياته العملية في الشركة.

كما يعد أول من أسس مدرسة لمكافحة الأمية في محافظة الخرج القريبة من الرياض ومتنفسها الوحيد قبل عدة عقود. كما أسس مدرستين في قريتي السهباء والخفس، واصبح مديراً لهذه المدارس الممولة من قبل مشروع الخرج الزراعي الذي التحق به الخضير عام 1954م، بعد انتقاله من شركة أرامكو، كما أسس مكتبة النور في الخرج.

وسجل الخصير اسمه كأول مؤسس لمدرسة أهلية لتعليم البنات في الرياض في غياب هذا النوع من التعليم وعدم وجود المدارس النظامية، باستثناء مدارس انجال للملك سعود وذلك في العام 1958م، واطلق على هذه المدرسة مدارس التربية النموذجية التي كبرت واصبحت من كبريات المدارس الأهلية في السعودية التي تضم ثلاث مجمعات وتجاوز طلابها 11 ألف طالب وطالبة، ويعمل بها 700 معلم ومعلمة من السعوديين.

كما أسس الجمعية التعاونية الزراعية متعددة الأغراض، ومول مجمع مدارس الموهوبين في مسقط رأسه رياض الخبراء، وأسس مجمعاً نسائياً خيرياً حمل أسمه، بالاضافة الى معهد للعمارة والتشييد في المحافظة يعد الأول من نوعه في السعودية.

كما انشأ مركزاً ثقافياً في البدائع بالقصيم وعدد من المدارس في عقلة الصقور، وضرية، ورياض الخبراء، والخضراء.

وتوج الشيخ محمد بن ابراهيم الخضير الذي يطلق عليه رائد التعليم والتدريب الاهلي في السعودية كل هذه الجهود بانشاء جامعة أهلية كبرى أطلق عليها أسم جامعة اليمامة الاهلية مارست نشاطاً لافتاً وتحولت الى جامعة ضاجة صاخبة يشار اليها بالبنان في المشهد التربوي التعليمي في السعودية.

الخضير فضل أن يقتطع كل عام اياماً ليضع متاعب السنين ورحلة الكفاح ومتاعب العمل على نهر النيل العظيم متذكراً نهر الخرج عندما كان يعمل في مشروعه الزراعي الكبير قبل عقود وقبلها شركة النفط العملاقة ويردد محبوه الكثر: هذا ما فعله محمد الخضير ابو التعليم والتدريب الاهلي ويبحثون عن نموذج اخر من رجال الاعمال ينتهجون نهجه.

ذات صلة

المزيد