الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
الرئيس التنفيذي لشركة سمة
منذ نحو عقد من الزمان بدأت الميزانية السعودية بالتحول من العجز إلى الفائض بعد ارتفاع أسعار النفط المطرد خلال تلك الفترة، وبسبب السياسات المالية والنقدية الحصيفة التي اتبعتها الدولة المصاحبة لتلك الارتفاعات، تم “استثمار” تلك الفوائض في ثلاث محاور:
في مشاريع تنموية تنهض بالمملكة العربية السعودية نهضة تنموية تاريخية تسهم في رفعتها، وفي سياسة “إطفاء الديون” السيادية كعنصر ثان تم خلال فترة ارتفاع أسعار النفط، الى أن وصل مستوى الديون اقل من 2% فقط – أقل نسبة دين في مجموعة العشرين- أثر إيجابا اليوم في إمكانية نمو الاقتراض الحكومي خلال السنوات القادمة دون قلق من حجم الدين العام.
وأخيرا في بناء “احتياطيات” تدعم الاقتصاد والأجيال القادمة، فرغم أن إجمالي الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) خلال الربع الثالث من عام 2015م قد سجلت انخفاضاً بنسبة 2.6 % (65.9 مليار ريال) ليبلغ 2.5 تريليون ريال، مقارنة بانخفاض نسبته 3.7 % ( 97.1 مليار ريال) خلال الربع السابق، إلا أن متانة احتياطيات المملكة ما تزال تشكل العمود الفقري لقوة الدولة وقدرتها على الاستمرار في ظل الظروف غير المواتية، والتي قد تستمر لسنوات قادمة، وتعطي الاطمئنان اللازم للبيئة المجتمعة والاقتصادية عن مستقبل المملكة.
وفعلا بدأت مؤسسة النقد بإصدار سندات تنموية حكومية بقيمة 55 مليار ريال تم طرحها على مصارف ومؤسسات مالية خلال الفترة الماضية وتستطيع الاستمرار في ذلك لسنوات قادمة. كما يتوقع أن يشهدا اقتصادنا الوطني جملة قرارات واسعة من شأنها إعادة هيكلة ورؤية وتنظيم القطاعات الاقتصادية بشكل عام، لتحقيق أهداف استراتيجية تأخذ في الاعتبار رفع مستوى كفاءة تلك القطاعات من خلال سياسات اقتصادية تهدف إلى تنمية وتطوير القوى البشرية الوطنية، والإسراع في إنجاز مشاريع البنى الأرضية ووضع ضوابط لصيانتها، وتنويع القواعد الانتاجية، وتقليل الاعتماد الكبير على النفط، في ظل تطورات غير متوقعة في أسعار النفط العالمية.
ولو دققنا ملياً وجدنا أن بيانات “ساما” الصادرة في يناير الماضي (2015) أشارت إلى ارتفاع احتياطيات المملكة من النقد الأجنبي إلى مستويات تاريخية جديدة، بعدما سجلت نحو 2.8 تريليون ريال (746 مليار دولار) بنهاية يوليو (2014) بزيادة 7.2 في المائة منذ بداية عام 2014م. وتمتلك السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم (9.8 مليون برميل يومياً)، صندوق سيادي بأصول وصلت إلى 676 مليار دولار في نهاية عام 2014م، وفق تقديرات دولية. ويشمل إجمالي الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد، الذهب، وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات في أوراق مالية خارجية.
وبالرغم من تراجع عائدات النفط نتيجة الأوضاع الإقليمية غير المستقرة، إلا أنه من المتوقع أن الاحتياطي النقدي سيفوق الناتج المحلي الإجمالي الذي من المتوقع أن يتراوح بين 2.6 و2.8 تريليون ريال بالأسعار الجارية، وذلك بفضل من الله عز وجل ثم الجهود المبذولة لتكوين احتياطي نقدي ضخم خلال الفترة (2000– 2014م). وبحسب الأرقام الرسمية، يمكن للاحتياطي النقد تغطية إي إصدارات مالية كسندات دين أو صكوك لتغطية أي عجز طارئ، فضلاً على الاستمرار بذات السياسة الخاصة بسعر الصرف والارتباط بالدولار رغم تحديات موازنة اختلاف السياسة النقدية بين الدولار والريال (وهو موضوع بحاجة إلى دراسة مستقلة).
والسؤال المفتوح، مع كل تلك التحولات الاقتصادية، محليا، إقليميا ودوليا، كيف يجب أن تكون سياسة الاحتياطيات حالياً ومستقبلا؟ فمع كل تلك التحولات الإيجابية والسلبية، نحن بحاجة الى تغيير في منهجية التعامل مع الاحتياطيات. فما هي البدائل المتاحة؟ وما هي فرص استثمار تلك الاحتياطيات؟ أسئلة يجب أن يكون لدينا استراتيجية واضحة ودقيقة تأخذ في الاعتبار كل المعطيات الحالية والبعيدة المدى، وتأخذ في الاعتبار “التحول الوطني في شقه الاقتصادي” ودور الدولة في التعاطي مع برامج التنمية والتي قد تشهد تحول كامل عن الأربعين سنة الماضية من دور مباشر إلى دور موجه. وذلك خلال الخمس سنوات القادمة (السعودية 2020).
المريح أن لدينا تجارب سابقة مرت بها المملكة أبان الثمانينات والتسعينات الميلادية كانت أشد وطأة وأصعب من الظروف الحالية، وشهد ذاك العقدين تقلبات سياسة مريرة، سواءً برغبة إيران الجامحة بتصدير ثورتها، ومن ثم الحرب بينها وبين العراق، والتأثيرات التي لحقت ذلك، أو حرب الخليج في بداية التسعينات وما تبعها من انخفاض لسعر النفط، حتى وصل سعر البرميل إلى 9 دولار فقط.
إن الاقتصاديات المستقرة هي تلك التي تستطيع تجاوز الأزمات العالمية مهما بلغ ضراوة تلك الأزمات عبر خطط استراتيجية واقعية تتسم بالوضوح والشفافية ويمكن تطبيقها فعلياً على أرض الواقع لتسهم في تحقيق الآمال التنموية على أرض الواقع. بل يجب تحويل تلك التحديات والتحولات إلى فرص يمكن استغلالها، وليس إلى زيادة جرعات التشاؤم التي قد تودي بكل المكتسبات التي تم تحقيقها ومن ثم تجهض أي محاولات قادمة، ولا إلى الإفراط في التفاؤل حد الحساسية من الانفتاح على التحديات الاقتصادية العالمية، إذا ما علمنا أن المملكة هي أقل الدول في الدين العام في مجموعة العشرين، ومن أكبر ثلاث دول في مستويات الاحتياطيات.
* نقلا عن مجلة ووارد فايننس World Finance البريطانية
للرجوع إلى المقال باللغة الإنجليزية، فضلا اضغط هنا
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال