الثلاثاء, 30 يوليو 2024

كيف تبني الصين ازدهاراً لشركاتها الناشئة؟

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

67
(نقلاً عن النيويورك تايمز)

ALMESSNID@
في المدينة الصينية الحالمة “هانغتشو” تعمل مجموعة من المكاتب الصغيرة على حدود هذه المدينة التاريخية. إحدى الشركات الصغيرة عملت على تطوير طابعة متنقلة بتقنية ثلاثية الأبعاد، فيما تستقبل أخرى طلبات المساج الصيني التقليدي عبر الهاتف الذكي. هذه ليست سوى أمثلة على شركتين من بين 710 شركة ناشئة. في أي مكان آخر، وجود حاضنة للشركات الصغيرة كهذه المدينة الحالمة يعتبر عامل جذب لرؤوس الأموال الجريئة. لكنها الصين، حيث لا يثق الحزب الشيوعي الصيني باليد الخفية للرأسمالية، ورغم ذلك يشجع المسئولون ريادة الأعمال، لا سيما وأنها تشكل جزءاً كبيراً من استراتيجية القيادة من أجل إعادة تشكيل الاقتصاد الراكد.
بعد تبني الصين الإصلاح الرأسمالي في الثمانينات، أصبحت هانغتشو مركزاً للشركات الناشئة ورائدة في الصادرات الصناعية التي عززت النمو السريع للبلاد وموطناً لعملاق التجارة الإلكترونية علي بابا. توفر سلطات هانغتشو الموارد بسخاء للشركات الناشئة، وتقدم العديد من المزايا مثل: دعم الإيجار، والمنح المالية، والبرامج التدريبية المتخصصة، وكافة التسهيلات. تتمتع شركة Chemayi، التي توفر خدمة صيانة السيارات عبر تطبيقات الهاتف الذكي، بالإيجار المجاني لمدة ثلاث سنوات وقد تقدمت بطلب للحصول على دعم بقيمة 450 ألف دولار من سلطات المدينة للمساهمة في دفع الرواتب وشراء المعدات. يقول مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي أن الحكومة المركزية والسلطات المحلية تقدم الكثير من الدعم.
أثناء فترة الازدهار الاقتصادي الطويلة في الصين، انخرط الشباب للعمل في صناعة الجوارب والجينز وأشجار الكريسمس البلاستيكية والآيفون. إلا أن الصين تحاول حالياً الانتقال إلى مرحلة أبعد من كونها دولة مصنعة. يريد صانعو السياسة أن يعمل الجيل القادم في مكاتب حديثة بأجر أعلى، وخلق أفكار وتكنولوجيا تغذي نمو البلاد في المستقبل. في هذا السياق، كثيراً ما يدعو رئيس الوزراء (لي كه تشيانغ) إلى “ريادة الأعمال الشاملة”، ويفتخر بتأسيس 12 ألف شركة جديدة يومياً خلال عام 2015م. احتضان المشاريع الريادية يأتي معه الكثير من الدعم المالي. في جميع أنحاء البلاد، يقوم المسئولين بإنشاء صناديق للاستثمار تقدم الإعانات النقدية وحاضنات الأعمال. يقول (نينغ تاو) – وهو شريك في صندوق لرأس المال الجريء في بكين -: “بدون هذه النوع من الدعم يمكنك فقط الاعتماد المال الخاص، وبالتالي لن تجد العديد من الصناعات التكنولوجية الناشئة اليوم، بدون الكمية لن تحصل على الجودة”.

تعكس مدينة هانغتشو رؤية القادة الصينيين لمستقبل الاقتصاد، فالصين تعتمد في تحقيق معدلات نموها المرتفعة على الصادرات منخفضة التكاليف وعلى الاستثمارات الضخمة في الأبراج السكنية والمصانع والطرق السريعة. أقامت الصين العديد من مصانع الصلب التي يمكنها إنتاج 10 أضعاف ما تنتجه الولايات المتحدة. بالرغم من أن هذا النهج قد أفاد الصناعة الوطنية إلا أن الصين اليوم تشهد ارتفاعاً في التكاليف أضعف من القدرة التنافسية لمنتجاتها، كما أن الاتساع في الاستثمار قد أرهق الاقتصاد بكثير من المصانع وجبال من الديون وأسهم في خلق فائض من المباني السكنية الفارغة مما قد يهدد الاستقرار الاقتصادي. بدلاً من ذلك، شجع أصحاب القرار على التحول إلى محركات جديدة للنمو مثل الخدمات والتكنولوجيا المتقدمة، من أجل دفع اقتصاد مدينة هانغتشو. لقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للمدينة 10.2% في عام 2015م مقارنة بمعدل النمو الوطني البالغ 6.9%، كما أن قطاع الخدمات – الذي يضم العديد من الشركات الناشئة والمحرك الرئيسي لهذا الأداء القوي – ارتفع بنسبة 14.6%.
لكن في المقابل، فإن الإنفاق الضخم على دعم الشركات الناشئة الذي تقدمه الصناديق الحكومية ورؤوس الأموال الجريئة قد يزيد من المخاوف بشأن فقاعة التضخم في قطاع الشركات الصينية الصغيرة. فقد تم خلال العام الماضي عقد صفقات بقيمة 49 مليار دولار مما جعل الصين تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية. يشعر بعض الاقتصاديين ورياديي الأعمال بالقلق من أن يؤدي هذا الدعم إلى فشل الشركات وإهدار الموارد وتحقيق خسائر مالية في نهاية المطاف، فمدينة واحدة فقط مثل سوتشو القريبة من شنغهاي سبق أن أعلنت عزمها افتتاح 300 حاضنة أعمال بحلول عام 2020م لاستضافة 30 ألف شركة ناشئة. يرى أحد الاقتصاديين في جامعة تشجيانغ في هانغتشو “أن الإعانات يجب أن لا تكون سياسة طويلة المدى، فهي قد تقود إلى طاقة فائضة كما حصل في القطاع الصناعي بسبب الدعم الحكومي”.
أبناء علي بابا
في هانغتشو، يشعر السيد Li (39 عاماً) بقلق متزايد بشأن عمله الخاص. نشأت لدى “لي” فكرة إنشاء شركته Chemayi عندما تعرضت سيارته لحادث عام 2009م، فقد بحث في الإنترنت وسأل أصدقائه وزار ورش السيارات للعثور على ميكانيكي جدير بالثقة، ومع ذلك وجد صعوبة في ذلك لا سيما وأن ثقافة السيارة والخدمات التي تأتي معها جديدة نسبياً في الصين. بهدف الوصول إلى المعلومات بسهولة، قام Li مع ثلاثة من أصدقائه في 2003م بتأسيس شركة Chemayi برأسمال قدره 5 ملايين يوان (750 ألف دولار) بتمويل ذاتي. تقوم الشركة بإرسال موظفين للمساعدة في إصلاح السيارات المتعطلة مقابل رسم سنوي. يقول Li: “ذهب فورد لكننا ما زلنا نقود سيارته، أشعر بأن من الواجب علي أيضاً أن أواصل دعم فكرة تستمر بعد رحيلي”.
في عام 2014م، تمكنت Chemayi من التغلب على أكثر من أربع وعشرين شركة ناشئة في مسابقة جرت في مدينة هانغتشو بعد أن اقتنعت لجنة التحكيم بالعرض الذي قدمته الشركة عن نموذج أعمالها وآفقها المستقبلية، حيث حصلت الشركة على مفتاح ذهبي يبلغ ارتفاعه ثلاثة أقدام ويرمز إلى فتح أبواب مدينة الأحلام. تنتشر شركة Chemayi حالياً في أربع مدن ويعمل لديها 284 موظفاً مع وجود خطط للوصول إلى 1000 موظف بنهاية العام، وقد حققت أرباحاً وصلت إلى 10 ملايين يوان العام الماضي.
نموذج آخر من النجاح هو “فنغ شياو” البالغ من العمر 39 عاماً والذي أمضى أحد عشر عاماً في مجال المبيعات والتسويق بشركة علي بابا. يقول فينغ: “”يقول المثل الصيني أن التربة غنية جداً، وكذلك الحال مع شركة علي بابا التي تقدم الكثير من الفرص، كان النجاح سهلاً لكني أردت أن أبدأ من الصفر”. بدأت فكرة إنشائه للشركة أثناء تناوله وجبة في كافتيريا علي بابا حين شعر بالحنين إلى طبخ والدته، وتولدت لديه قناعة أن الكثير من الذين يعملون لساعات طويلة يشعرون بنفس الشعور. لذا، قام هو واثنان من زملائه بترك عملهم في علي بابا في عام 2014م وافتتحوا خدمة توصيل الطعام باسم (Mishi). كانت الفكرة قائمة على الربط بين الأشخاص المستعدين لإعداد الوجبات المنزلية وأولئك المشغولين في أعمالهم، لذا أقيم متجر في منزل غير مأهول لأحد الأصدقاء وتم تهيئته بأثاث مستعمل. استطاع المشروع أن يستقطب استثمارات خاصة بقيمة 19 مليون دولار، والفوز بمنحة مقدارها 5 ملايين يوان للمساعدة في دفع فواتير وإيجار المكتب. أسهمت الشركة بتوفير 100 وظيفة بدوام كامل وعززت دخل أكثر من 10 آلاف طاهٍ منزلي.
بحسب “هانز تونغ” (شريك في شركة رأس المال الجريء GGV Capital العاملة في وادي السليكون والصين) فإن المسئولين الصينيين يدركون أن القطاعات الحكومية لن توظف الجميع، لذا هناك حاجة إلى شباب يخلقون فرص عمل لأنفسهم، وهو ما حدا بالمسئولين إلى تشجيع الشباب لمحاولة شيء جديد.
مزيد من الدعم
في عام 2014م، قدم Ai Binke (29 عاماً) عرضاً للانضمام إلى حاضنة للأعمال في هانغتشو، وبعد شرح الآفاق المستقبلية لشركة البرمجيات التي يعتزم إنشائها، قامت لجنة من خبراء صناعة التكنولوجيا بالموافقة على مشروعه وقدمت له منحة بلغت 100 ألف يوان، حول 70% منها إلى الحساب البنكي للشركة مباشرة. وفي هذا الصدد، يقول: “طالما لديك مشاريع تشجعها سلطات هانغتشو، فإن بإمكانك الحصول على الدعم بسهولة”.
الحكومات المحلية في جميع أنحاء الصين تنفق بشكل كبير على الشركات الناشئة. تقدم السلطات في مدينة شنجن دعماً يصل إلى 70% من الإيجار للشركات الناشئة المبدعة. المسؤولون المحليون في مدينة تشنغدو يخصصون 200 مليون يوان لصالح “صندوق ريادة الأعمال والابتكار” وإعانات واعدة بقيمة 5 ملايين يوان. وفي مقاطعة غوانغدونغ جنوبي الصين فتقوم السلطة بتغطية جزء من خسائر الشركة الناشئة. حتى مدينة ينغتان المشهورة بمعابدها القديمة تسعى إلى بناء حاضنات للأعمال. يعتبر مسئولو مدينة هانغتشو الأكثر نشاطاً، فهم قد أسسوا صندوقاً لرأس المال الجريء تساهم فيه الشركات بلغت قيمته 4.7 مليار يوان، وفي هذا العام أعلنوا عن منحة بقيمة 100 مليون يوان لمساعدة الشركات الناشئة على سداد مصروفاتها.
لكن في المقابل، سبق أن سجلت الحكومات عدم استقرار في توجيه الأموال الحكومية لتوليد قصص النجاح في عالم الأعمال. أثناء عقود الازدهار الاقتصادي في اليابان، حاول البيروقراطيين اختيار المستحقين عن طريق تحديد بعض الصناعات المستحقة للدعم. على الرغم من رعاية اليابان لبعض الصناعات القادرة على المنافسة دولياً (مثل بناء السفن والصلب)، فإنها أيضاً أخفقت بشكل كبير في مجال (المواد الكيميائية وبرامج الكمبيوتر). في الولايات المتحدة، واجهت إدارة أوباما العديد من الانتقادات بسبب المساعدات المالية التي قدمتها لشركة تكنولوجيا الطاقة الشمسية “سوليندرا” رغم إفلاسها.
في الصين، تقود الجهود الحكومية لمساعدة الشركات الناشئة إلى هدر الموارد. الكثير من الاستثمارات تذهب إلى صناعات محددة للاستثمار في مشاريع ضعيفة غير مبتكرة في مجالات كالفنادق والألواح الشمسية. من خلال محاولة تحفيز الشركات الناشئة، تنخرط الدولة أيضاً في النشاطات التجارية ذات المخاطر العالية حتى بالنسبة للخبراء في رأس المال الجريء، مما يجعلها عرضة للفشل أكثر منها للنجاح. هذا ما دعا المسئولين في هانغتشو إلى تجنب هذه المخاطر وذلك من خلال: ربط المساعدات المالية بأداء الشركات الناشئة، واعتماد الإيجار المجاني على حجم رأس المال الخاص الذي يمكن أن تستقطبه الشركة، إضافة إلى ربط الدفعات النقدية بالإيرادات المستهدفة أو بالتطبيقات الأكثر مبيعاً. كما يقوم المسئولين بتجنيد المحترفين للمساهمة في تخصيص أموال المدينة، فلجنة التحكيم التي تصادق على قرارات الدعم تتكون من: مدراء تنفيذيين في مجال التكنولوجيا وممولين وأكاديميين. تقول “يي فينغ”، وهي مديرة لإحدى حاضنات الأعمال وعضو محكّم في لجنة التقييم لثلاث مرات، أن اللجنة تدقق مع المتنافسين في جوانب: التقنية وخطة العمل وتسعير المنتجات. وتضيف قائلة: عادة ما تتنافس ثلاثين شركة ناشئة على الدعم إلا أن اللجنة لا توافق إلا على أربعة منها فقط، فالمنافسة شديدة ويكون من الصعب أحياناً اتخاذ القرار.
يخشى البعض في هانغتشو من تدفق جزء كبير من الدعم الحكومي إلى شركات ناشئة ذات خطة عمل ضعيفة وإمكانات محدودة. يقول Ai Binke مؤسس شركة للبرمجيات: “هناك شركتين حصلتا على الدعم وتعملان بالجوار، الأولى شركة ناشئة متخصصة في الروبوتات فشلت في جذب رأس المال الخاص وأقفلت، أما الأخرى فتعمل في مجال ألعاب الهواتف وهي تكافح للبقاء رغم الصعوبات التي تواجهها”. وأضاف: “في كثير من الأحيان لا يمكن لأموال الحكومة أن تحل محل رؤوس الأموال الخاصة الضرورية للشركات الناشئة، فبدون التمويل سيكون من الصعب على هذه الشركات البقاء على قيد الحياة”.

اقرأ المزيد

ذات صلة

المزيد