الجمعة, 2 مايو 2025

كيف يريد ترامب تغيير أنظمة التجارة في الولايات المتحدة؟

ALMESSNID@
رغم أنه لم يمضِ على تنصيب ترامب ستة أسابيع، إلا أن الرئيس المنتخب الجديد قد استمر في إرسال موجة من الصدمات لقطاع الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية. يشعر الرؤساء التنفيذيين للشركات – ومن ورائهم المساهمين – ببعض القلق من وعود ترامب المتعلقة بالتنظيمات المرهقة وخفض الضرائب وتعزيز الاقتصاد من خلال الإنفاق على البنية التحتية، فيما يتعلق العمال بالأمل في وعوده بالضغط على الشركات لتوفير فرص العمل.

ووفقا لـ “الإيكونيميست” وفي الأسابيع القليلة الماضية: انتقد ترامب شركة آبل لعدم إنتاجها أجزاء الآيفون في الولايات المتحدة، وانتقد شركة فورد على خططها لنقل خط إنتاج سيارات لينكولن الرياضية، إضافة إلى تصريحاته عن شركة بوينغ التي حذر رئيسها التنفيذي قبل فترة من مخاطر سياسة الحمائية التجارية. الأمر الأكثر إثارة هو أن ترامب تملق شركة كارير المصنّعة لوحدات التكييف في الهند للعدول عن خطتها والإبقاء على 800 وظيفة في الولاية بدلاً من نقلهم إلى المكسيك. وتشير إحدى الاستطلاعات إلى أن ستة من أصل عشرة أمريكيين أصبحوا ينظرون إلى ترامب بإيجابية بعد هذه الصفقة، مما يعكس شعبيته.

ربما يعكس ذلك شعبية إلا أن هناك معضلة. تحتوي استراتيجية ترامب الجديدة تجاه قطاع الأعمال على بعض العناصر الواعدة، لكنها تثير قلق الآخرين. تعتمد هذه الوعود على: حماس ترامب لإصلاح قانون ضريبة الشركات، وتبنيه لخطة الاستثمار في البنية التحتية، وبرنامجه لتخفيف العبء التنظيمي على البنوك. هذه الاستراتيجية لا تخلو من مخاطر قد تنشأ من مصدرين، أولاً: مذهبه التجاري المشوش الذي يقع خلف موقفه من قطاع الأعمال. وثانياً: استخدام تكتيكات – التقارب مع بعض الشركات أو الهجوم على بعضها الآخر – والتي يستخدمها للوصول إلى أهدافه. لقد ازدهرت الرأسمالية الأمريكية بفضل تطبيق الأنظمة التي يمكن التنبؤ بها. وإذا ما تم إحلال تلك الأنظمة القائمة على المبادئ بأنظمة أخرى ذات أغراض مخصصة يقوم فيها رجال الأعمال بتقديم الولاء لـ “الملك ترامب”، فإن الاقتصاد الأمريكي سيتضرر كثيراً على المدى الطويل.
مساعدة القلة على حساب الكثرة:

اقرأ المزيد

يمكن البدء مع الفلسفة الملتبسة للسيد ترامب. يعتقد الرئيس المنتخب أن العمال الأمريكيين يتعرضون للضرر عندما تنقل الشركات خطوط إنتاجها إلى مواقع أرخص في الخارج. هذا سبب رغبته في فرض ضريبة جمركية بنسبة 35% على منتجات أي شركة تنقل نشاطها إلى الخارج. مثل هذه التعرفة يمكن أن تسبب أضراراً كبيرة: فهي تزيد تكلفة البضائع على المستهلكين الأمريكيين. كذلك، فإن منع الشركات الأمريكية من رفع كفاءتها باستخدام سلاسل التوريد المعقدة ستؤدي إلى انخفاض قدرتها التنافسية وإلى إعاقة الاستثمارات الجديدة، وبالتالي الإضرار بأجور العمال في مختلف قطاعات الاقتصاد، هذا عدا تشجيع الدول الأخرى على التعامل بالمثل.

وعلى وجه الدقة: نتيجة لارتفاع تكلفة التعرفة الجمركية، فإن العديد من رجال الأعمال يعتبرون حديث ترامب عن نظام الحمائية التجارية ليس إلا خطاباً سياسياً. يرى كثير منهم أن التركيز على الشركات الفردية سيكون بديلاً سياسياً منطقياً. إذا استطاع ترامب إقناع العمال الأمريكيين بوقوفه في صفهم بمجرد كتابته بعض التغريدات على تويتر وعقده لبعض الصفقات الخلفية كما فعل مع شركة كارير للتكييف، فليس هناك حاجة إلى اللجوء للتعرفة الجمركية. للاستفادة من ازدهار بيئة الأعمال الصديقة، ينبغي على المدراء التنفيذيين الأذكياء بكل بساطة أن يتأكدوا من أنهم على المسار الذي خطه الرئيس ترامب.

يبدو ذلك تفكيراً رغبوياً. فمنهج ترامب في التجارة قد تبناه منذ فترة طويلة ويمكن أن يؤدي إلى أضرار، لا سيما إذا كان الدولار القوي يدفع العجز التجاري الأمريكي إلى الارتفاع. قد لا يملك الكونجرس إلا صلاحيات محدودة لكبح رغبة الرئيس في فرض التعرفة الجمركية. الأهم من ذلك، حتى لو تم تجنب نظام الحمائية التجارية فإن الاستراتيجية القائمة على إغراء وترهيب الشركات الفردية ستكون مشكلة بحد ذاتها.

ترامب ليس أول سياسي أمريكي يتملق الشركات. رغم سمعتها بوصفها معقل الرأسمالية القائمة على المبادئ، إلا أن لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من التدخل في الاقتصاد لأغراض سياسية. توفر الولايات الدعم للشركات بصورة روتينية بنفس مستوى الدعم الذي تقدمه الهند لشركة كارير للتكييف. من جون كيندي الذي فضح شركات الصلب علناً في الستينات، إلى باراك أوباما الذي أنقذ شركات السيارات في عام 2009م، جميع الرؤساء تدخلوا في الأسواق.

حتى الآن، تعتبر إجراءات ترامب ليست استثنائية بالنسبة إلى أسلافه أو وفقاً للمعايير الدولية. قام رئيس الوزراء البريطاني مؤخراً بقطع وعود غير معلنة لشركة نيسان اليابانية لإقناعها بإبقاء الشركة في بريطانيا على الرغم من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الحكومة الفرنسية مشهورة بترهيب الشركات الفردية للإبقاء على الوظائف في فرنسا.
تملق الملك:

ومع ذلك، فإن نهج ترامب يبعث على القلق. على خلاف الكساد، عندما دفع “هوفر” و “روزفلت” الشركات إلى العمل على ما رأوه في مصلحة البلاد (وغالباً كانوا على خطأ)، أو عندما أنقذ أوباما البنوك في عام 2009م، فإن الولايات المتحدة اليوم ليست في أزمة. بالتالي، من المرجح أن يكون تدخل ترامب طبيعياً بشكل مختلف، والأسوأ من ذلك ميله للتصادم بطريقة لا يمكن توقعها.

إذا كان هذا هو أسلوب رئاسة ترامب، فإن من الحكمة أن تكسب الشركات ود الرئيس وتتجنب الأعمال التي قد تثير غضبه. علامات على مثل هذا باتت واضحة بالفعل من خلال انضمام العديد من كبار المدراء التنفيذيين – ممن انتقدوا ترامب سابقاً – إلى المجلس الاستشاري الجديد لحكومته. والمفارقة أن دور جماعات الضغط سينمو، رغم أن ترامب وعد بتجفيف منابع المصالح الخاصة في واشنطن.

تكاليف هذا التحول قد لا تكون محسوسة في البداية، لكنها قد تفوق التحفيز الاقتصادي والإصلاح التنظيمي. كرئيس أكبر اقتصاد في العالم، يمكن للسيد ترامب أن يكون قادراً على ترهيب الشركات لمدة طويلة بسبب حصانته السياسية. لكن مع مرور الوقت سيتراكم الضرر: سوء توزيع رأس المال، انخفاض القدرة التنافسية، وانخفاض الثقة في الولايات المتحدة الأمريكية. سيعاني العمال – الذين وعد ترامب بالوقوف معهم – أكثر من غيرهم. هذا هو السبب الذي يستدعي أن يقوم ترامب بالتراجع عن نظام الحمائية التجارية والتقليل من حالة التصادم، إن كان يريد فعلاً إعادة العظمة إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.
 

ذات صلة



المقالات