الأربعاء, 30 أبريل 2025

تقرير: نشاط وتنافسية العاملين في ريادة الأعمال في أوروبا

ALMESSNID@

أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريره عن شهر ديسمبر 2016 بعنوان “نشاط وتنافسية العاملين في ريادة الأعمال في أوروبا”. 
وجاء في مقدمة التقرير أن السمة الرئيسية التي تتميز بها الثورة الصناعية الرابعة هي لا مركزية الابتكار. فتاريخياً، جاء الابتكار من المختبرات الحديثة للشركات أو من المؤسسات التعليمية. أما الآن، فمن المرجح أن يأتي الابتكار من مرآب لتصليح السيارات في ضاحية المدينة أو من شقة ضيقة أو من غرفة في سكن طلاب. هذه الموجة الجديدة من الابتكار والإبداع تأخذ زخمها من رواد الأعمال، طليعة التفكير الابتكاري في الاقتصاد الجديد. إن تعزيز روح المبادرة يؤتي ثماراً في مختلف القطاعات ويسمح بخلق أفكار جديدة، وبث روح النشاط في الاقتصاد الدولي بأسره. 

ريادة الأعمال هي المحرك الرئيسي للثورة الصناعية الرابعة، وهو السبب في شراكة المنتدى الاقتصادي العالمي مع المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM) للعمل على هذا التقرير لرصد دور ريادة الأعمال في واحدة من المحركات الاقتصادية الهامة في العالم: أوروبا.

اقرأ المزيد

لقد أظهرت نتائج تقرير “تعزيز طموح وابتكار ريادة الأعمال” الذي أصدره المنتدى العام الماضي تباطؤ نمو ريادة الأعمال في أوروبا من ناحية الأعمال الناشئة (أي الأعمال القائمة على أفكارٍ جديدة). ومع ذلك، فإن الأعمال الناشئة لا تخبر إلا عن نصف الحقيقة بخصوص ريادة الأعمال في أوروبا. فريادة الأعمال تشمل قيام العاملين بصياغة وتنفيذ أفكار جديدة داخل المنظمات بدلاً من البدء بأعمالهم الخاصة. بعبارة أخرى، لا تفتقر أوروبا لرواد الأعمال وإنما اختار كثير من الرواد الابتكار داخل منظمات كبيرة، وهذا ما جعل اقتصادات الدانمارك والسويد وبريطانيا تحافظ على حيويتها رغم انخفاض مستويات الأعمال الناشئة.

ويعتمد التقرير على بيانات مؤشر التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إضافة إلى بيانات المرصد العالمي لريادة الأعمال (GEM) لتحليل الارتباط بين القدرة التنافسية لاقتصادات الدول الأوروبية وأنواع ريادة الأعمال البارزة. كما يسلط التقرير الضوء على أنشطة ريادة الأعمال، وكيف غيرت الصورة العامة عن ريادة الأعمال في أوروبا. أظهرت البيانات أن العديد من الاقتصادات الأوروبية لا تفتقر إلى الأنشطة الريادية. ولكن نظراً إلى المخاطر والفرص القائمة في الاقتصادات الأوروبية، فإن رواد الأعمال الأفراد في أوروبا يختارون العمل على منتجات جديدة وهم يعملون في شركات أو منظمات، بدلاً من البدء في مشاريعهم الخاصة. كما لوحظ تحول في ريادة الأعمال نحو ما يسمى: “النشاط الريادي للموظف”.

النشاط الريادي للموظف ليس ظاهرة واسعة الانتشار، فعينة الدراسة تُظهِر أن 4% فقط من السكان ضمن سن العمل ينخرطون في هذا النشاط. وبحسب التقرير، يُقصَد بـ “النشاط الريادي للموظف”: نسبة السكان ضمن سن العمل (18 – 64 سنة) الذين يشاركون بفاعلية ويلعبون دوراً ريادياً في تطوير فكرة، أو إعداد وتنفيذ نشاط جديد لصاحب العمل مثل: تطوير وإطلاق منتجات وخدمات جديدة أو إنشاء وحدة أعمال جديدة أو فرعية. يختلف انتشار هذا النوع من الأنشطة بين بلد وآخر ما بين الصفر و 10%، إلا أن هذا لا يجعل من أوروبا قائدة العالم في ريادة الأعمال، إذ أن دولاً عديدة حول العالم لديها معدلات أعلى من الأعمال الناشئة. ورغم ذلك، يساعد النشاط الريادي للموظف بعض الاقتصادات الأوروبية في تضييق الفجوة مع الدول الأخرى. يميل هذا النوع من الأنشطة إلى تقديم أعمال ذات جودة عالية تزيد من فرص النمو، وهذا ما يفسر سبب بقاء أوروبا منطقة منافسة رغم انخفاض معدلات الأعمال الناشئة.

وقد خلصت نتائج التقرير إلى ما يلي:
أولاً: يعزز هذا التقرير فكرة مهمة مفادها أنه يمكن التعبير عن ريادة الأعمال بعدة معاني، ويمكن أن تظهر في جميع مراحل الدورات الاقتصادية، سواءً في القطاع الحكومي أو الخاص، في جميع بلدان العالم. وتُظهِر النتائج بوضوح أن العديد من الاقتصادات الأوروبية لا تخلو من رواد الأعمال على عكس ما هو متوقع. لكن بدلاً من إنشاء عمل جديد، يعمد أولئك الرياديون إلى العمل في شركات أو منظمات قائمة ويقومون بالابتكار داخلها. ومقارنة بالموظفين الآخرين، فإن الموظفين الرياديين لديهم احتمال أكبر لاستكشاف الفرص الريادية، ويُعتَقَد أن لهم قدرة أكبر على بناء أعمال تجارية في المستقبل، كما أنهم أقل عرضة للخوف من الفشل الذي عادةً ما يقف حائلاً دون البدء في العمل التجاري.

ومع ذلك، فإن النتائج تكشف أيضاً نواحي أخرى من الاختلاف بين الموظفين المبادرين من جهة والمبادرين الأفراد الذين يمتلكون أعمالاً خاصة من جهة أخرى. على سبيل المثال: عادةً ما يكون الموظفون الرياديون أقل تعرضاً للمخاطر المالية الشخصية، كما أن لديهم القدرة على الوصول إلى موارد الشركة أو المنظمة التي يعملون بها، ناهيك عن تلقي الدعم والتشجيع من أرباب العمل. من هذه الناحية، يمكن القول بأن نشاط الموظف الريادي هو نوع خاص من ريادة الأعمال.

وكما ورد في التقرير، فإن أنشطة الموظفين الريادية تكون سائدة في الاقتصادات ذات التنافسية العالية. إن نمط النشاط الريادي للموظف عبر مراحل التنمية الاقتصادية، يأتي معاكساً لنمط الأعمال الناشئة الخاصة في مراحلها الأولية والتي تميل إلى الانخفاض في مرحلة التنمية الاقتصادية. لذا، استنتجت البيانات أن لريادة الأعمال معنى يفوق مجرد كونها البدء في مشروع، والعديد من الاقتصادات الأوروبية لها السبق في مجال الأنشطة الريادية للموظفين. يمكن للحكومات أيضاً أن تستفيد بشكل كبير من البناء على هذه الميزة ودعم هكذا أنشطة بقدر الإمكان.

بالنسبة لصانعي السياسات، هذا يعني ضرورة فهم الآثار المترتبة على كلا النوعين من الأنشطة الريادية على مستوى البيئات المؤسسية والتنظيمية، ووضع السياسة المناسبة وفقاً لذلك. تعطي هذه النتيجة مقترحات هامة منها: تكثيف إدراج الأنشطة التعليمية (البرامج، أساليب التعلّم والتعليم) المرتبطة بتطوير الكفاءات الريادية والمبادرة، وعدم تقييد هذا النوع من التعليم بالجوانب الفنية لبدء الأعمال التجارية الجديدة. على المستوى القُطْري، تشير هذه الأنماط إلى أن ريادة الأعمال في المنظمات قد تكون بديلة لأنشطة ريادة الأعمال الفردية.

ثانياً: بينما ينبع “النشاط الريادي للموظفين” و “النشاط الريادي في المراحل الأولى للمشروع” من منبع واحد وهو الرياديون الأفراد، إلا أن من الخطأ الافتراض أن أحدهما ينافس الآخر. على العكس من ذلك، فإن وجودهما يوفر فرصاً لـ “الابتكار التعاوني” حيث تقوم الشركات الصغيرة والشركات الناشئة بالتشارك في مصادر مكملة وتوحيد الجهود لدعم الأفكار المبتكرة. يمكن لذلك الأمر أن يخلق قيمة كبيرة لكلا الطرفين، وقيمة مضافة إلى الاقتصادات التي يحدث فيها هذا التعاون. ونظراً للتحديات التي تواجه الرياديين الأوروبيين الذين يسعون إلى التوسع في الأسواق المجزأة ويعانون من محدودية فرص الحصول على تمويل من رؤوس الأموال المغامرة، فإن هناك فرصة كبيرة لأن تساهم هذه الشراكة في تعزيز الابتكار والنمو في الشركات والاقتصادات الأوروبية. بالتالي، ينبغي على صانعي السياسات تشجيع الابتكار التعاوني وتطوير السياسات التي تحفزه بقدر المستطاع.

ثالثاً: أظهر التحليل إمكانية احتلال مرتبة عالية في مقاييس كلا النوعين من ريادة الأعمال: “النشاط الريادي للموظف” و “الأعمال الناشئة في مراحلها الأولى”، كما هو الحال مع هولندا على سبيل المثال، إلا أن هناك عوامل هيكلية وتنظيمية وثقافية تدفع أصحاب الأفكار الريادية نحو الميل إلى أحد هذين النوعين. بالنسبة لصانعي السياسات، خصوصاً في مجالات التعليم والضمان الاجتماعي والعمل، فإن هذه النتيجة تسلط الضوء على أهمية تقدير البعد الزمني للتدخل في القيم الاجتماعية والثقافية. 

إن سياسة ريادة الأعمال في استهداف تغيير المواقف مهمة للغاية وهي من المساعي طويلة المدى. لكن هذه المواقف تعكس أيضاً التصورات الحالية عن الاقتصاد، وإذا ما كانت المؤسسات ضعيفة، فإن مرونة المجتمع تجاه الصدمات الاقتصادية ستكون ضعيفة أيضاً.

جزء من الأداء الضعيف لكتلة جنوب أوروبا، على سبيل المثال، يبدو مدفوعاً بغياب ثقافة ريادة الأعمال. يتم التعبير عن ذلك من خلال: الخوف الكبير من الفشل، وغياب الإيمان في القدرات الريادية، وانخفاض القدرة على اكتشاف الفرص الريادية. يعود سبب ذلك إلى التأثر بالركود الذي طال أمده وعانت منه هذه الدول، حيث أدى ضعف المرونة المؤسسية إلى انخفاض مستوى الثقة الذي لم يبدأ في التحسن إلا مؤخراً. لذا، يجب على صانعي السياسات تقييم نقاط القوة والضعف في اقتصادات بلدانهم عند تصميم سياسات ريادة الأعمال، وأن يأخذوا في الاعتبار الخصائص الفريدة للاقتصاد بدلاً محاولة تكرار نجاح دول أخرى. فمثلاً، سيكون من الصعب على ألمانيا أن تستنسخ سياسات إستونيا ثم تتوقع نتائج مماثلة.

رابعاً: يرى التقرير أن كلاً من “النشاط الريادي للموظف” و “الأعمال الناشئة في مراحلها الأولى” يمكن تحسينها من خلال السياسات الوطنية. وهذه بعض الأمثلة على التدخلات الحكومية التي يمكن أن تدعم هذين النوعين من ريادة الأعمال:
الاعتراف بأهمية كلا هذين النوعين من الأنشطة الريادية، وإدراك مدى اعتمادهما على جودة البيئة المؤسسية والتنظيمية.
التركيز على تحسين تنافسية الاقتصاد من أجل زيادة فرص المشاريع الريادية.

مساعدة الشركات الناشئة في أن تصبح أكثر ابتكاراً وأكثر انفتاحاً على النشاط الريادي للموظف، من خلال تحفيز الشركات على البحث والتطوير، وتسهيل سبل التعاون بين الجامعات والصناعة.

ذات صلة



المقالات