الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ALMESSNID@
تعتبر الوظائف الصناعية أحد العوامل التي ساهمت في صعود المشاعر الشعبية في الولايات المتحدة تجاه الاقتصاد، حيث انخفضت أعداد الوظائف الصناعية من 17 مليون وظيفة في عام 2000 إلى 11 مليون وظيفة في عام 2010، مع ارتداد بسيط منذ ذلك الحين. جاء الرئيس المنتخب دونالد ترامب بوعوده لإعادة التوظيف في القطاع الصناعي، إلا أن هناك ثلاث اتجاهات اقتصادية ينبغي إبقائها في الحسبان.
الأول: التغير التكنولوجي. وهو من أهم العوامل التي أدت إلى فقدان الوظائف الصناعية، وليس التجارة. لقد بقيت حصة الصناعة من الناتج الأمريكي مستقرة، إلا أن حصتها من حجم العمل انخفضت بمعدل ثابت لأن نمو الإنتاجية في القطاع الصناعي أكبر منه في قطاع الخدمات. يمكن ملاحظة هذا الاتجاه في جميع الاقتصادات المتقدمة بما في ذلك ألمانيا التي تتمتع بفائض تجاري كبير. فقد انخفضت نسبة العمالة في القطاع الصناعي الألماني بما مقداره 15.5% خلال الفترة 1973 – 2010 وهذا يشبه إلى حد كبير حالة الولايات المتحدة الأمريكية التي تبلغ نسبة الانخفاض فيها 14.7%. لو تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق فائض تجاري كما فعلت ألمانيا، لكان هناك احتمال أن تحقق مكسباً لمرة واحدة في التوظيف بالقطاع الصناعي لكن المنحنى سيعود إلى النزول مرة أخرى. في حال وجود فائض تجاري، سيقلل الأمريكيون من استهلاكهم (أغلب الاستهلاك في جانب الخدمات) وستزيد الصادرات الأمريكية (أغلبها صادرات صناعية). بالتالي سيكون هناك انتقال لمرة واحدة لعنصري رأس المال والعمل من قطاع الخدمات إلى القطاع الصناعي. ثم سيستمر منحنى العمل في القطاع الصناعي بالنزول طالما أن نمو الإنتاجية فيه أسرع من نمو الإنتاجية في القطاع الخدمي. إذا ما استمرت الإنتاجية في النمو من خلال التقدم التكنولوجي، فإن الولايات المتحدة ستحتاج إلى سياسات تساهم في إعادة تدريب العاملين وتساعدهم على التكيف مع التغيرات التي طرأت في سوق العمل.
الثاني: الحساب الجاري. ويعتبر أوسع مقاييس الميزان التجاري، وهو عبارة عن الادخار مطروحاً منه الاستثمار. الدول ذات العجز التجاري، مثل الولايات المتحدة، تقترض من بقية العالم لتدعم الاستثمار. هناك اتفاق على حاجة الولايات المتحدة إلى المزيد من الاستثمار العام والخاص في البنية التحتية لتحفيز النمو. ليس من السهولة معرفة حزمة السياسات التي سيمررها الكونجرس والإدارة الجديدة، إلا أن هناك خطط قيد النقاش حول خفض الضرائب والإنفاق على البنية التحتية من المرجح أن تزيد حجم الاستثمار في الولايات المتحدة. في المقابل، لا يمكن التنبؤ بتأثيرات ذلك على جانب الادخار، فالمدخرات الخاصة قد ترتفع للحصول على عوائد استثمارية أفضل، لكن وجود عجز مالي كبير سيعني انخفاض الادخار الحكومي. لذا، من المعقول جداً أن يكون الأثر الصافي هو زيادة العجز التجاري بسبب تغلب جانب الاستثمار على جانب الادخار. سبق وأن وصف أحد المستثمرين خطة الخفض الضريبي بأنها “تحويل الولايات المتحدة إلى إيرلندا جديدة”. من المحتمل أن تحقق الولايات المتحدة تدفقات صافية كبيرة لرأس المال تؤدي إلى رفع قيمة الدولار وبالتالي زيادة العجز التجاري. ليس بالضرورة أن يكون هذا سيئاً إن كان الاستثمار مثمراً للغاية. لكن، إذا أرادت الولايات المتحدة زيادة الاستثمار وخفض العجز التجاري في الوقت نفسه فإنها ستحتاج إلى سياسات تشجع على المزيد من الادخار. واحدة من هذه السياسات هي فرض ضريبة عالية على الكربون يمكن استخدام جزء من عوائدها لتمويل البنية التحتية والجزء الآخر للحد من العجز المالي. خفض العجز المالي، مع بقاء العوامل الأخرى على حالها، سيخفض من سعر الفائدة وبالتالي ستنخفض قيمة الدولار مما يؤدي إلى زيادة الصادرات الصناعية ودعم القطاع الصناعي.
الثالث: القيود المفروضة على الواردات. غالباً لن تقلل هذه القيود من العجز التجاري. يبدو من الوهلة الأولى أن أسهل حل لمشكلة العمالة في القطاع الصناعي أن تُفرَض ضرائب أو قيود على الواردات بحيث يتم تصنيع تلك السلع داخل الولايات المتحدة. مع ذلك، تقول القوانين الاقتصادية أن ضريبة الاستيراد مساوية لضريبة التصدير. حماية الصناعات المحلية المنافسة للواردات ستقود بشكل غير مباشر إلى الإضرار بالصناعات التصديرية وأبرز أمثلتها: صناعة الطائرات. إن القيود المفروضة على الاستيراد تؤدي إلى رفع قيمة العملة وبالتالي الإضرار بالصادرات، بصرف النظر عن ردود فعل الشركاء التجاريين. في العالم الواقعي، من المحتمل أن ينتقم الشركاء التجاريين من قيود الاستيراد التي تُفرَض على سلعهم. لذا، فإن واردات وصادرات الجميع ستتقلص وسيتضرر الكل. من الصعب تقدير الأثر الصافي على الميزان التجاري في هذه الحالات المعقدة، لذلك لا بد من إبقاء النقطة الثانية في الاعتبار. إذا أرادت الولايات المتحدة المزيد من الاستثمارات، فإنها لن تتمكن من خفض العجز التجاري إلا بزيادة المدخرات الوطنية. هل يمكن الاعتقاد بأن الحرب التجارية، في ظل وجود صناعات رابحة وخاسرة، ستقود إلى ارتفاع الادخار؟ هذا غير محتمل.
خلاصة القول، من غير المرجح أن تعكس السياسات الأمريكية الاتجاه طويل الأجل لانخفاض نسبة الوظائف الصناعية من قوة العمل، ومن هنا تأتي أهمية إقرار سياسات لدعم التدريب والتكيف مع تطورات سوق العمل. إضافة لذلك، يمكن الحصول على زيادة لمرة واحدة في العمالة الصناعية من خلال انخفاض كبير في العجر التجاري، لكن من الصعب القيام بذلك إذا صاحبه ارتفاع في الاستثمار في الوقت نفسه، وهو ما يتطلب إجراء تدابير لزيادة كبيرة في المدخرات. الحمائية التجارية تجعل الولايات المتحدة وغيرها من البلدان ضعيفة وغير قادرة على رفع المدخرات الإجمالية. “الحمائية” كلمة مختارة بعناية لأنها تهدف إلى إبقاء الهيكل الصناعي القديم، بدلاً من مساعدة العمال والمجتمعات المحلية على التكيف مع التغيرات التي لا مفر منها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال