الخميس, 29 مايو 2025

خلال مشاركته في "القمة الأفريقية للبلوكشين" بتونس

رئيس “صندوق النقد العربي”: استخدام  تقنية “البلوكشين” ستحقق مكاسب اقتصادية عالمية تقدر بـ 3.1 تريليون دولار بحلول 2030

أشار الدكتور عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي إلى الاهتمام العالمي المتنامي بتقنية “البلوكشين”، تلك التقنية التي من المتوقع أن يؤدي استخدامها إلى تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تقدر بنحو 3.1 تريليون دولار بحلول عام 2030 وفق التقديرات الدولية في ظل اتساع نطاق استخدام تقنيات “البلوكشين” مؤخراً ليشمل ليس فقط قطاع الخدمات المالية، وإنما يمتد أيضاً إلى العديد من القطاعات الأخرى لعل أبرزها قطاع تقديم الخدمات الحكومية.

في “القمة الأفريقية للبلوكتشين” التي ينظمها البنك المركزي التونسي في الجمهورية التونسية يوم 14 مايو، كما ألقى الكلمة الافتتاحية للقمة. 

توجه الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي في بداية كلمته بخالص الشكر والتقدير إلى الدكتور مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي على دعوته الكريمة لإلقاء الكلمة الافتتاحية لهذه القمة التي تتناول موضوعاً حيوياً وعلى قدرٍ كبيرٍ من الأهمية بالنسبة للعديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. كما أعرب معاليه عن بالغ سعادته لتواجده في بلده العزيز تونس بما يُعرف عن أهله من كرم الضيافة وحسن الاستقبال.

اقرأ المزيد

كما ثمن الجهود التي يبذلها البنك المركزي التونسي لدعم جهود الإصلاح الاقتصادي والمالي التي تقوم بها الحكومة التونسية في مساعيها لمواجهة تحديات البطالة وتحقيق النمو الشامل والمستدام. هذا العمل الدؤوب الذي أسفر عن قيام البنك المركزي التونسي بتنفيذ العديد من الإصلاحات الجديرة بالاهتمام على صعيد تحديث أطر السياسة النقدية ودعم جهود الرقابة المصرفية وتعزيز الاستقرار والشمول المالي. 

أشار  الحميدي في كلمته إلى الاهتمام العالمي المتنامي بتقنية “البلوكشين”، تلك التقنية التي من المتوقع أن يؤدي استخدامها إلى تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تقدر بنحو 3.1 تريليون دولار بحلول عام 2030 وفق التقديرات الدولية في ظل اتساع نطاق استخدام تقنيات “البلوكشين” مؤخراً ليشمل ليس فقط قطاع الخدمات المالية، وإنما يمتد أيضاً إلى العديد من القطاعات الأخرى لعل أبرزها قطاع تقديم الخدمات الحكومية.

أوضح أن هذه التطورات تدعو المصارف المركزية إلى الوقوف عند الفرص التي يتيحها استخدام تقنية “البلوكشين” في صناعة الخدمات المالية خاصة المصرفية منها، حيث توفر هذه التقنية العديد من الفرص على جانبي العرض والطلب على الخدمات المالية. فمن جانب الطلب، توفر الوقت والتكلفة والتنوع وتزيد من مستويات الشفافية في التعاملات. أما من جانب العرض، فهي تزيد من كفاءة المعاملات المالية بتوافر عناصر السرعة والأمان والتتبع، وتسهيل المعاملات عابرة الحدود وتحسين البنية التحتية الالكترونية، إلى جانب تقديم عدد كبير من المنتجات يتناسب وحاجة العملاء، إضافةً إلى تخفيض تكاليف قواعد اعرف عميلك وتيسيرها، بتقديمها إلكترونياً، وإثرائها من خلال تحليل البيانات الكبيرة.

على ضوء ما سبق، يُتوقع أن تساهم تقنية “البلوكشين” في تخفيض التكاليف التشغيلية للمصارف العالمية بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 70 في المائة بحلول عام 2025 وفق التقديرات الدولية. كما تساهم تلك التقنيات كذلك في زيادة مستويات الشمول المالي وهو أمر على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للبلدان النامية. 

من جانب أخر، أكد معالي المدير العام رئيس صندوق النقد العربي على أن الأمر لا يتوقف فقط عند حد الفرص التي توفرها هذه التقنية، وإنما يتعين على السلطات الإِشرافية كذلك الوقوف على التحديات والمخاطر المرتبطة باستخدام تقنية “البلوكشين” في تقديم الخدمات المالية حتى لا يتسبب استخدامها بدون ضوابط محددة مسبقاً في ظهور مخاطر قد تعصف بالنظام المالي. فمن بين التحديات بالغة الأهمية طبيعة الصناعة المالية نفسها التي تخضع بشكل مكثف للعديد من الأطر والمتطلبات القانونية والتنظيمية والمؤسسية، لا سيما بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة. هذه الأطر تتطلب المزيد من الشفافية فيما يتعلق بتفاصيل البيانات والمعاملات الفردية. تلك الاعتبارات التي قد لا تتوافر في بعض تقنيات “البلوكشين”.
 
كذلك من بين التحديات الأخرى حداثة عمر هذه التقنيات التي لم يتم اختبارها بعد أو اعتمادها على نطاق واسع، وعدم التيقن من الأوضاع القانونية والتنظيمية المرتبطة بها وتفاوتاتها ما بين مختلف السلطات الإشرافية، إضافة إلى اعتبارات ضمان حماية البيانات والخصوصية، والتحوط ضد الهجمات الالكترونية. إضافة لما سبق، قد تحمل بعض تلك التقنيات مثل العملات الرقمية وفي بعض الحالات تهديدات لوضعية الاستقرار المالي من حيث مدى الالتزام بقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالأخص في المعاملات عابرة الحدود، كما قد تسبب أخطاراً ترتبط بالسياسة النقدية التي ينتهجها المصرف المركزي من حيث تأثيرها على حجم الودائع بالمصارف التجارية.

أشار في كلمته إلى أنه في خضم هذه التطورات المتلاحقة والتفاعل المتواصل ما بين ما يمكن أن توفره تقنية “البلوكشين” من فرص واعدة، وما يمكن أن تحمله من مخاطر متنامية، انتهج عدد من الدول العربية والأفريقية نهجاً حذراً واعياً حاولت بمقتضاه تعزيز فرص الاستفادة من هذه التقنيات دون المساس بالاستقرار المالي والنقدي، ففي هذا الصدد كانت الجمهورية التونسية من أوائل الدول على مستوى العالم، التي قامت بتصميم نظام مدفوعات حكومي إلكتروني مبني على تقنيات “البلوكشين”، إضافةً إلى خطة الدولة في طرح الدينار الالكتروني والتعاون الحالي مع شركات تقنيات “البلوكشين” لبناء بيئة متكاملة من المدفوعات الرقمية. كما أعلنت حكومة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة عن استراتيجيتها لرقمنة كافة الخدمات الحكومية عن طريق تقنيات “البلوكشين” بحلول عام 2020، وهو ما سيساعد على تحقيق وفر في تكلفة المعاملات يقدر بنحو 1.5 مليار دولار سنوياً.

في سياق كلمته، أكد الدكتور عبد الرحمن الحميدي أهمية تعزيز أطر التعاون والتنسيق الدولي ما بين السلطات الإشرافية على مستوى العالم وكذلك التعاون مع المؤسسات الدولية المعنية بهدف تبادل الخبرات في مجال التقنيات المالية وتقييم المخاطر بشكل دوري فيما يتعلق بوضع الأطر الرقابية والتنظيمية لخدمات وحلول التقنيات المالية الحديثة في ظل اختلاف القوانين والتشريعات وظهور التقنيات المختلفة مثل العقود الذكية والسجلات اللامركزية. كما أكد كذلك على أهمية تبادل الخبرات على المستوى الدولي للتعرف على نقاط القوة والضعف للتجارب الرائدة في مجال تنظيم وتشريع صناعة التقنيات المالية الحديثة.

كما تطرق المدير العام رئيس مجلس الإدارة في كلمته إلى دور صندوق النقد العربي في هذا الصدد، حيث يبذل الصندوق جهوداً كبيرة لإلقاء الضوء على الموضوع والمناقشة والتشاور حوله من خلال عدة قنوات، سواء فيما يتعلق ببرامج عمل اللجان وفرق العمل المنبثقة من مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، التي يتولى الصندوق أماناتها، كاللجنة العربية للرقابة المصرفية، وفريق الاستقرار المالي، والفريق الإقليمي للشمول المالي، واللجنة العربية للمعلومات الائتمانية، واللجنة العربية لنظم الدفع والتسوية، أو من خلال مختلف الاستبيانات أو أوراق العمل التي يعمل عليها الصندوق لتدارس هذا الأمر من العديد من الزوايا. 

كذلك يعمل صندوق النقد العربي بالتعاون مع هذه اللجان وفرق العمل ومع المؤسسات الإقليمية والدولية على إنشاء مجموعة عمل “التقنيات المالية الحديثة”، للتداول والتدارس وتبادل الأفكار والمعرفة، بما يساعد على تعزيز تطور ونمو صناعة التقنيات المالية الحديثة وتعظيم فرص الاستفادة منها في الدول العربية، ومناقشة كذلك التحديات الاشرافية والرقابية.

في ختام كلمته توجه معالي المدير العام رئيس مجلس الإدارة بالشكر والعرفان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر كل من صندوق النقد العربي وبرنامج تمويل التجارة العربية على توفيرها لكافة التسهيلات التي تساعد على تحقيق كل من الصندوق والبرنامج للأهداف المرجوة منهما. كما توجه كذلك بالشكر مرة أخرى إلى معالي الدكتور مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي على مبادرته الكريمة لعقد هذه القمة متمنياً كل النجاح والتوفيق لأعمالها.

كلمة المدير العام القمة الأفريقية للبلوكشين مايو 2018
حضرات السيدات والسادة الحضور

أسعد الله صباحكم بكل خير وسرور

في بداية كلمتي يسعدني ويشرفني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى الدكتور مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي على دعوته الكريمة لإلقاء الكلمة الافتتاحية لهذه القمة التي تتناول موضوعاً حيوياً وعلى قدرٍ كبيرٍ من الأهمية بالنسبة للعديد من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. كما أود أن أُعبر عن سعادتي لتواجدي ببلدي العزيز تونس بما عُرف عن أهله من كرم الضيافة وحسن الاستقبال. 

كما أنتهز هذه المناسبة لأثمن الجهود التي يبذلها البنك المركزي التونسي لدعم جهود الاصلاح الاقتصادي والمالي التي تقوم بها الحكومة التونسية في مساعيها لمواجهة تحديات البطالة وتحقيق النمو الشامل والمستدام. هذا العمل الدؤوب الذي أسفر عن قيام البنك المركزي التونسي بتنفيذ العديد من الإصلاحات الجديرة بالاهتمام على صعيد تحديث أطر السياسة النقدية ودعم جهود الرقابة المصرفية وتعزيز الاستقرار والشمول المالي. 

حضرات الأخوات والأخوة،

في بداية كلمتي أود أن اقتبس مقولتين شهيرتين الأولى لبوب جيرفيلد المدير التنفيذي لبورصة ناسداك يقول فيها: “إن تقنية “البلوكشين” مستمرة ليس فقط في إعادة تشكيل كيفية عمل قطاع أسواق الأوراق المالية، وإنما أيضاً في إعادة تشكيل آليات عمل الاقتصاد المالي العالمي ككل”. والثانية هي لجوزيف بورج رئيس جمعية مسؤولي إدارة الأوراق المالية في أمريكا الشمالية يقول فيها: “إن العملات المُشفرة والاستثمارات المرتبطة بها هي منتجات عالية المخاطر ذات سجل غير مثبت للتعاملات، تتسم بارتفاع مخاطر الاحتيال، وبالتالي فالتعامل بها ليس لضعاف القلوب”.

ما بين هاتين المقولتين تقف دول العالم بشكل عام والصناعة المالية بشكل خاص ربما حائرةً ما بين توجهين أساسين: فهل يتعين علينا انتهاز الفرص التي تتيحها مثل هذه التقنيات في خضم عالمٍ يتسم بالتسارع المتلاحق في التطورات التقنية حيث نقف فيه على أعتاب ثورة صناعية رابعة تلعب فيها قطاعات التكنولوجيا والمعرفة الدور الرئيسي في توليد القيمة المضافة؟ أم أن علينا التأني والتحوط من كم الأخطار التي قد تحدق بقطاعاتنا المصرفية وأنظمتنا المالية جراء تبني مثل هذه التقنيات؟

حضرات الأخوات والأخوة،

لن أحاول في هذه الكلمة أن أجيب على التساؤل الذي سوف تحاول بالتأكيد قمتنا المنعقدة اليوم الإجابة عليه. لكنني سوف أحاول في المقابل إلقاء الضوء على عدد من النقاط المهمة في هذا السياق، أولها الاهتمام العالمي المتنامي بتقنية “البلوكشين” تلك التقنية التي من المتوقع أن يؤدي استخدامها إلى تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تقدر بنحو 3.1 تريليون دولار بحلول عام 2030. كما أن التقديرات تشير إلى أن نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سوف يتم تخزينه عبر هذه التقنية في عام 2025، في ظل اتساع نطاق استخدام تقنيات “البلوكشين” مؤخراً ليشمل ليس فقط قطاع الخدمات المالية، وإنما امتد أيضاً إلى العديد من القطاعات الأخرى لعل أبرزها قطاع تقديم الخدمات الحكومية.

هذه التطورات تدعو المصارف المركزية إلى الوقوف عند الفرص التي يتيحها استخدام تقنية “البلوكشين” في صناعة الخدمات المالية خاصة المصرفية منها، حيث توفر هذه التقنية العديد من الفرص على جانبي العرض والطلب على الخدمات المالية. فمن جانب الطلب، توفر الوقت والتكلفة والتنوع وتزيد من مستويات الشفافية في التعاملات. أما من جانب العرض، فهي تزيد من كفاءة المعاملات المالية بتوافر عناصر السرعة والأمان والتتبع، وتسهيل المعاملات عابرة الحدود وتحسين البنية التحتية الالكترونية، إلى جانب تقديم عدد كبير من المنتجات يتناسب وحاجة العملاء، إضافة إلى تخفيض تكاليف قواعد اعرف عميلك وتيسيرها، بتقديمها الكترونياً، وإثرائها من خلال تحليل البيانات الكبيرة.

على ضوء ما سبق، يُتوقع أن تساهم تقنية “البلوكشين” في تخفيض التكاليف التشغيلية للمصارف العالمية بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 70 في المائة بحلول عام 2025 وفق التقديرات الدولية، ذلك بخلاف الوفورات التي يمكن أن يحققها استخدام هذه التقنية في تقديم عدد من الخدمات المالية الأخرى، حيث يتوقع أن تسهم في تنظيم كافة إجراءات عمليات تمويل التجارة بالشكل الذي يجعلها توفر من التكاليف ما يتراوح بين 30-40 مليار دولار سنوياً على مستوى العالم. كما سوف تساعد كذلك على خفض تكاليف التحويلات المالية وزيادة كفاءة نظم المدفوعات والتسوية. 

من جانب آخر، فإن تلك التقنيات تساعد بشكل كبير على زيادة مستويات الشمول المالي وهو أمر على جانب كبير من الأهمية بالنسبة للبلدان ذات الاقتصادات الناشئة والنامية. في هذا الصدد تشير التقديرات الدولية إلى أن تقديم الخدمات المالية عبر تقنيات “البلوكشين” والهاتف المحمول تمثل حلولاً واعدة لتقديم الخدمات المالية للملايين من الافراد الذين لا تتوفر لهم فرص النفاذ للخدمات المالية، ومن ثم فرص كبيرة لتعزيز مستويات الشمول المالي. مثل هذه التقنيات يمكن أن تساهم كذلك في زيادة مستويات ربحية القطاعات المصرفية جراء زيادة مستويات الشمول المالي حيث يتوقع أن تولد إيرادات مصرفية تبلغ حوالي 380 مليار دولار أمريكي في عام 2020 جراء تقديم الخدمات المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد غير المشمولين مالياً.

حضرات الأخوات والأخوة، 

إن الأمر لا يتوقف فقط عند حد الفرص التي توفرها هذه التقنية، وإنما يتعين على السلطات الإِشرافية كذلك الوقوف على التحديات والمخاطر المرتبطة باستخدام تقنية “البلوكشين” في تقديم الخدمات المالية حتى لا يتسبب استخدامها بدون ضوابط محددة مسبقاً في ظهور مخاطر قد تعصف بالنظام المالي. فمن بين التحديات بالغة الأهمية طبيعة الصناعة المالية نفسها التي تخضع بشكل مكثف للعديد من الأطر والمتطلبات القانونية والتنظيمية والمؤسسية، لا سيما بعد الأزمة المالية العالمية الاخيرة. هذه الأطر تتطلب المزيد من الشفافية فيما يتعلق بتفاصيل البيانات والمعاملات الفردية. تلك الاعتبارات التي قد لا تتوافر في بعض تقنيات “البلوكشين” التي تستند إلى مبدأ عدم الكشف عن الهوية ولا يُتوقع أن تفي بالضروريات القانونية والتنظيمية الحالية للسلطات الإِشرافية. 

كذلك من بين التحديات الأخرى حداثة عمر هذه التقنيات التي لم يتم اختبارها بعد أو اعتمادها على نطاق واسع، وعدم التيقن من الأوضاع القانونية والتنظيمية المرتبطة بها وتفاوتها ما بين مختلف السلطات الإشرافية، إضافة إلى اعتبارات ضمان حماية البيانات والخصوصية، والتحوط ضد الهجمات الالكترونية. كذلك يجب ألا ننسى أن بعض تلك التقنيات مثل العملات الرقمية قد تحمل في طياتها وفي بعض الأحيان تهديدات لوضعية الاستقرار المالي، وقد تسبب أخطاراً ترتبط بالسياسة النقدية التي ينتهجها المصرف المركزي من حيث تأثيرها على حجم كل من الأصول الموجودة بالمصرف المركزي والودائع بالمصارف التجارية، وكذلك تهديدها للاستقرار المالي في الدولة من حيث مدى الالتزام بقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالأخص في المعاملات عابرة الحدود.   

حضرات الأخوات والأخوة،

في خضم هذه التطورات المتلاحقة والتفاعل المتواصل ما بين ما يمكن أن توفره تقنية “البلوكشين” من فرص واعدة، وما يمكن أن تحمله من مخاطر متنامية، انتهج عدد من الدول العربية والأفريقية نهجاً حذراً واعياً حاولت بمقتضاه تعزيز فرص الاستفادة من هذه التقنيات دون المساس بالاستقرار المالي والنقدي، ففي هذا الصدد: كانت الجمهورية التونسية من أوائل الدول على مستوى العالم، التي قامت بتصميم نظام مدفوعات حكومي إلكتروني مبني على تقنيات “البلوكشين”، إضافةً إلى خطة الدولة في طرح الدينار الالكتروني والتعاون الحالي مع شركات تقنيات “البلوكشين” لبناء بيئة متكاملة من المدفوعات الرقمية. وأود أن انتهز هذه المناسبة لأهنئ الاخوة في بلدنا العزيز تونس على هذا الإنجاز المهم. 

كما أعلنت حكومة دبي بدولة الامارات العربية المتحدة عن استراتيجيتها لرقمنة كافة الخدمات الحكومية عن طريق تقنيات “البلوكشين” بحلول عام 2020، وهو ما سيساعد على تحقيق وفر في تكلفة المعاملات يقدر بنحو 1.5 مليار دولار سنوياً.
هذا بالإضافة إلى التعاون ما بين مصرف الامارات العربية المتحدة المركزي مع مؤسسة النقد العربي السعودي في إصدار عملة رقمية يتم استخدامها بين البنوك لتسوية المدفوعات عابرة الحدود بين الدولتين.

كذلك يشار إلى توفر منصات للتحويلات المالية القائمة على تقنية “البلوكشين” تُستخدم في عدد من البلدان الأفريقية وهو ما ساهم في تخفيض تكاليف التحويلات المالية الدولية بنسبة 75 بالمائة، ومتوسط التسوية الزمنية من 12 يومًا إلى ما يقرب من 12 ساعة.

في المقابل، وحرصاً منها على عدم المساس بوضعية الاستقرار المالي أعلنت دول عربية بوضوح عن رفضها لآليات العملات المُشفرة، مثل الإمارات ومصر والمغرب كونها غير مرتبطة أو مدعومة بأية أصول وغير معلوم مصدرها، ترتبط بقدر أكبر من المخاطر وبتذبذبات سعرية مرتفعة وغير مبررة.

حضرات الأخوات والأخوة، 

لا شك أنه بحكم تنامي صناعة التقنيات المالية، يتعين على السلطات الإشرافية وبالأخص المصارف المركزية على مستوى العالم، تعزيز أطر التعاون والتنسيق الدولي فيما بين بعضها البعض من جهة، وبينها وبين المؤسسات الدولية المعنية بهدف تبادل الخبرات في مجال التقنيات المالية وتقييم المخاطر بشكل دوري من أجل الوصول للأطر التشريعية الملائمة. فمن الأهمية بمكان تضافر هذه الجهود في مجالات بعينها مثل الأمن الالكتروني، من خلال تبادل المعلومات والتقارير حول الهجمات الإلكترونية وخطط الطوارئ لمواجهتها. إضافةً إلى التعاون فيما يتعلق بوضع الأطر الرقابية والتنظيمية لخدمات وحلول التقنيات المالية الحديثة في ظل اختلاف القوانين والتشريعات وظهور التقنيات المختلفة مثل العقود الذكية والسجلات اللامركزية. كما قد يكون من المناسب تبادل الخبرات على مستوى دولي للتعرف على نقاط القوة والضعف للتجارب الرائدة في مجال تنظيم وتشريع صناعة التقنيات المالية الحديثة.
 
كذلك ومن أجل تحقيق الاستفادة القصوى من تلك التقنيات الحديثة، يستوجب ذلك تضافر الجهود من أجل بناء قدرات العاملين في الجهات الرقابية والإشرافية والتشريعية لاستيعاب تلك التقنيات ووضع الأطر التنظيمية لمواجهة مخاطرها. 

حضرات الأخوات والأخوة،

إيماناً بأهمية موضوع التقنيات المالية، وما قد يسببه من تغيير على وجه صناعة الخدمات المالية، اسمحوا لي الآن أن أتطرق بعجالة إلى دور صندوق النقد العربي في هذا الصدد. يبذل صندوق النقد العربي جهود كبيرة لإلقاء الضوء على الموضوع والمناقشة والتشاور حوله من خلال عدة قنوات، سواء فيما يتعلق ببرامج عمل اللجان وفرق العمل المنبثقة من مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، التي يتولى الصندوق أماناتها، كاللجنة العربية للرقابة المصرفية، وفريق الاستقرار المالي، والفريق الإقليمي للشمول المالي، واللجنة العربية للمعلومات الائتمانية، واللجنة العربية لنظم الدفع والتسوية، أو من خلال مختلف الاستبيانات أو أوراق العمل التي يعمل عليها الصندوق لتدارس هذا الأمر من العديد من الزوايا. 
كما يعمل صندوق النقد العربي بالتعاون مع هذه اللجان وفرق العمل ومع المؤسسات الإقليمية والدولية على إنشاء مجموعة عمل “التقنيات المالية الحديثة”، للتداول والتدارس وتبادل الأفكار والمعرفة، بما يساعد على تعزيز تطور ونمو صناعة التقنيات المالية الحديثة وتعظيم فرص الاستفادة منها في الدول العربية، ومناقشة كذلك التحديات الاشرافية والرقابية.
حضرات الأخوات والأخوة،

إضافةً لما تقدم، تحظى مواضيع تطبيقات التقنيات المالية الحديثة بأهمية كبيرة في إطار أنشطة المبادرة الإقليمية لتعزيز الشمول المالي في الدول العربية (FIARI)، حيث تعمل المبادرة على توفير المشورة الفنية لتعظيم فرص الاستفادة من هذه التقنيات لدعم فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية. 

في السياق نفسه، يعمل صندوق النقد العربي في إطار جهوده لإنشاء نظام إقليمي لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية البينية، على الاستفادة من حلول التقنيات المالية الحديثة لدعم تسريع وخفض كلفة وتحسين كفاءة المعاملات المالية والاستثمارية العربية البينية، ومع الشركاء التجاريين الرئيسين للدول العربية.

في ختام كلمتي لا يفوتني أن أتوجه بالشكر والعرفان إلى دولة الإمارات العربية المتحدة دولة مقر كل من صندوق النقد العربي وبرنامج تمويل التجارة العربية على توفيرها لكافة التسهيلات التي تساعد على تحقيق كل من الصندوق والبرنامج للأهداف المرجوة منهما. كما لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر مرة أخرى إلى معالي الدكتور مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي على مبادرته الكريمة لعقد هذه القمة متمنياً كل النجاح والتوفيق لأعمالها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ذات صلة



المقالات