السبت, 20 أبريل 2024

في يوم ذكرى إطلاقه الـ 83 .. قصة بئر الدمام (7) الذي حول المملكة إلى أكبر مصدر للنفط في العالم

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

يعد بئر الدمام (7) والذي يحل اليوم الثالث من مارس الذكرى السنوية لانطلاق الانتاج فيه، نقطة حاسمة في التاريخ النفطي للمملكة، ففي مثل هذا اليوم من العام 1938 أي قبل 83 عاما قاد هذا البئر المملكة لتكون من أكبر منتجي ومصدري النفط في العالم، وكان بمثابة البداية من نتائج هذا الحدث أيضًا إنشاء الشركة الوطنية التي يعرفها العالم اليوم باسم شركة أرامكو السعودية.

قصة بئر الدمام رقم (7) هي قصة دخول المملكة العربية السعودية مجال الصناعة النفطية، وبشارة بالخير العميم الذي بدأ عطاؤه يغمر البلاد وما عليها من عباد، الأمر الذي جعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، يأمر بإعادة تسمية هذا البئر في آخر زيارة له لموقعها، ليكون اسمها الجديد (بئر الخير).

وتعكس قصة بئر الدمام 7 وما سبقه من آبار اصرار وكفاح الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والذي قاد همم اجدادنا وآبائنا السعوديين لتحقيق الانطلاقة النفطية التي غيرت من ملامح ومستقبل هذا البلد العظيم، فالبداية كانت عندما تم اكتشاف النفط في دولة البحرين المجاورة وهو ما عزز آمال مؤسس المملكة الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ في العثور على هذا المورد الاقتصادي الحيوي في المملكة، وقد تُوِّجَت مساعيه في هذا الاتجاه بتوقيع اتفاقية الامتياز الأساس مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا «سوكال» في 4 صفر 1352هـ (29 مايو 1933م). وتوافد الجيولوجيون إلى المنطقة الصحراوية المحيطة بالدمام. وراحوا يدقون على الصخور ويجسون نبض الأرض لعلها تبوح بالسر الدفين الذي تخبئه بين طياتها.

اقرأ المزيد

استغرق العمل الشاق والبحث زهاء 5 سنوات للإجابة عن تساؤلات الجيولوجيين، فقد عُثر على الصخر- الذي يحمل في خباياه الذهب الأسود – في الطبقة التي منحها الجيولوجيون اسم (المنطقة الجيولوجية العربية)، حيث حط الجيولوجيون الأوائل في 23 سبتمبر 1933م رحالهم – أول الأمر – عند قرية الجبيل الساحلية الهادئة، التي تبعد نحو 105 كيلومترات شمال قبة الدمام.

وما أن التقطوا أنفاسهم، حتى امتطوا الإبل والسيارة في يوم وصولهم نفسه لكي يلقوا نظرة على «جبل البري» الذي يقع على بعد 11 كيلومترًا جنوب الجبيل. بعدها بأسبوع قاموا بالتوغل جنوبًا وإجراء فحص جيولوجي لتلال جبل الظهران، لتتواصل بعدها أعمال الفحص والاستكشاف والتنقيب التي لم تحقق أي نجاح ذو قيمة لمدة سنتين.

في 30 أبريل 1935م، تقرر بدء العمل في حفر بئر الدمام رقم (1) باستخدام جهاز الحفر الذي يعمل بالدق (الدقاق). وكان برج الحفر، الذي يشبه المسلة، أطول منشاة في المنطقة. وبعد سبعة أشهر من التأرجح بين الأمل واليأس، والاخفاق والنجاح، أنتجت البئر دفقة قوية من الغاز وبعض بشائر النفط، وذلك حينما وصل عمق الحفر إلى قرابة سبعمائة متر، ولكن عطلًا في المعدات أجبر طاقم الحفر على إيقاف تدفق البئر ثم سدّه بالإسمنت.

وكانت بئر الدمام رقم (2) أفضل حالًا. وقد بدأ العمل في حفرها في الوقت الذي أُغلقت فيه بئر الدمام (1)، أي في 8 فبراير 1936م. وما إن جاء يوم 11 مايو حتى كان فريق الحفر قد وصل إلى عمق 633 مترًا، وهو عمق الطبقة التي ظهر منها النفط في منطقة البحرين الجيولوجية. وحينما اختُبرت البئر في شهر يونيو 1936م، تدفق النفط منها بمعدل 335 برميلًا في اليوم، وحينما انقضى أسبوع على ذلك الاختبار، وبعد المعالجة بالحامض، بلغ إنتاج النفط المتدفق من البئر 3840 برميلًا يوميًا. شجّع ذلك على حفر آبار الدمام 3 و4 و5 و6، دون انتظار التأكد من أن الإنتاج سيكون بكميات تجارية أو التعرف على حجم الحقل المكتشف. ثم صدر قرار في شهر يوليو بإعداد بئر الدمام رقم (7) لتكون بئر اختبار عميقة.

كانت زيادة حجم العمل تعني المزيد من الرجال والعتاد والمواد، وأصبح موقع العمل غير قادر على استيعاب الزيادة في عدد العاملين. فمع نهاية عام 1936م، ارتفع عدد العاملين من السعوديين إلى 1076 بالإضافة إلى 62 عاملًا من غير السعوديين. وكان يفترض أن تسير الأمور بشكل طبيعي، لكن حدث في ذلك الوقت ما لم يكن متوقعًا، فقد أخفقت بئر الدمام رقم (1) بعد أن جرى حفرها إلى عمق يزيد على 975 مترًا. أما بئر الدمام رقم (2) فقد تبين أنها «رطبة» بمعنى أنها تنتج الماء بشكل رئيس، إذ كان إنتاجها منه يزيد بمقدار ثماني أو تسع مرات على حجم إنتاجها من النفط. ولم يزد إنتاج بئر الدمام (3) على 100 برميل من النفط الثقيل يوميًا، مع وجود الماء في هذا الإنتاج بنسبة 15 %. وبالنسبة لبئري الدمام رقمي (4) و(5) فقد اتضح أنهما جافتان، أي غير قادرتين على إنتاج أي سوائل. وكذلك الحال كان مع البئر رقم (6).
في السابع من ديسمبر 1936 بدأ أخصائيو حفر الآبار الاستكشافية بحفر بئر الاختبار العميقة رقم (7). وإذا كانت الآبار الأخرى مخيبة للآمال، فإن البئر رقم (7) لم تكن خالية من ذلك في البداية. فقد حدث تأخير في عملية الحفر، كما كانت هناك بعض التحديات، حيث انحشر أنبوب الحفر، وحدث كسر في جنزير الرحى، وسقطت مثاقيب الحفر في قاع البئر المحفورة، وكان لا بد من التقاطها، كما حدث انهيار لجدران البئر. ورغم وصول جهاز الحفر الرحوي، الذي يعمل بقوة البخار، إلى طبقة البحرين الجيولوجية فقد ظلت النتيجة واحدة وهي أنه : لا يوجد نفط !

بعد ذلك بعشرة أشهر، وبالتحديد في 16 أكتوبر 1937م، وعند عمق 1097 مترًا، شاهد الحفارون البشارة الأولى: 5,7 لترات من النفط في طين الحفر المخفف العائد من البئر، مع بعض الغاز. وفي آخر يوم في عام 1937م، حدث أن أخفقت معدات التحكم في السيطرة على البئر، وكان أن ثارت البئر قاذفة بما فيها من السوائل والغازات. وبعد الحفر إلى عمق 1382 مترًا، لم يجد فريق الحفر كمية تذكر من النفط.

وهكذا ذهب ذلك الإخفاق بمسحة التفاؤل التي سادت قبل ذلك لمدة عام ونصف العام، وبدأت الأسئلة الصعبة تُطرح حول مستقبل هذه المخاطرة الاستثمارية التي تكلفت الملايين. لكن سرعان ما تغيرت الأحوال. ففي الأسبوع الأول من مارس 1938م، حققت بئر الدمام رقم (7) الأمل المرجو، وكان ذلك عند مسافة 1440 مترًا تحت سطح الأرض، أي بزيادة تقل عن 60 مترًا عن العمق الذي كان الجيولوجيون يتوقعون وجود النفط عنده، فقد أنتجت في الرابع من مارس 1938م، 1585 برميلًا في اليوم، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 3690 برميلًا في السابع من مارس، وسجل إنتاج البئر 2130 برميلًا بعد ذلك بتسعة أيام، ثم 3732 برميلًا بعد خمسة أيام أخرى، ثم 3810 براميل في اليوم التالي مباشرة. وواصلت البئر عطاءها على هذا المنوال مما أكد نجاحها كبئر منتجة. وفي ذلك الوقت، كان قد تم تعميق بئري الدمام رقم (2) ورقم (4) حتى مستوى المنطقة الجيولوجية العربية. ولم تخيب هاتان البئران آمال الباحثين عن النفط، فقد أعطتا نتائج طيبة. وعمّ الفرح والسرور أرجاء مخيم العمل في الدمام.

وكان الملك عبد العزيز آل سعود – يرحمه الله – مهتمًا بتقديم كل مساعدة ممكنة للشركة. فقد مد لها يد العون، على أمل أن تسفر الجهود المبذولة في العثور على النفط. ولهذا ما إن أُعلِن رسميًا عن اكتشاف النفط بكميات تجارية (وكان ذلك عقب شهر أكتوبر 1938م) حتى بدأت الاستعدادات لزيارة جلالته للمنطقة الشرقية التي كانت تعرف آنذاك باسم منطقة الأحساء.

وفي ربيع 1939م، تحرك جلالة الملك عبدالعزيز والوفد المرافق له من الرياض باتجاه الشرق، في موكبٍ ضم 2000 شخص، واجتاز الركب صحراء الدهناء ذات الرمال الحمراء حتى وصل إلى مخيم الشركة الذي كان قد أُطلق عليه رسميًا اسم «الظهران». وقبل وصول جلالته بعشرة أسابيع، كانت قد أقيمت مدينة بالقرب من المخيم، قوامها 350 خيمة لتكون مركزًا للاحتفالات التي تضمّنت زيارة الآبار. وإقامة الولائم، واستقبال وفود المهنئين، والقيام بجولات بحرية في الخليج العربي.

وقد تزامن توقيت زيارة جلالة الملك عبدالعزيز مع اكتمال خط الأنابيب الذي امتد من حقل الدمام إلى ميناء رأس تنورة، بطول 69 كيلومترًا، حيث رست ناقلة النفط التي أدار الملك عبدالعزيز الصمام بيده لتعبئتها بأول شحنة من النفط السعودي. وهكذا، كانت هذه أول شحنة من النفط الخام تصدرها المملكة على متن ناقلة في 11 ربيع الأول 1358هـ الموافق للأول من مايو عام 1939م.

والآن كيف أصبح حال بئر الدمام رقم (7) بعد هذه السنين؟ لقد كان البداية صعبة كما ذكرنا، لكن سرعان ما استقرت حال البئر فأصبحت مثالًا حسنًا للآبار النفطية المنتجة حتى وصل إنتاجها من 15000 إلى 18000 برميل يوميًا، ولم يكن الحفارون الأوائل يتخيلون أن هذه البئر حتى بعد أن نجحت في إنتاج النفط بكميات تجارية، سوف تظل قادرة على مواصلة الإنتاج لعدة عقود من الزمن، وأنها سوف تنتج وحدها أكثر من 32 مليون برميل من النفط. وفي عام 1982م، استبعدت بئر الدمام رقم (7) من قائمة الآبار المنتجة لأسباب تشغيلية، وذلك بعد 45 سنة من الإنتاج المستمر. ولكن هذا الحدث لا يعني أنها نضبت، فما تزال قادرة على الإنتاج بالتدفق الطبيعي، أي كما كانت عليه في الماضي.

ذات صلة

المزيد