الخميس, 28 مارس 2024

رؤية 2030 .. انطلاقة استراتيجية نحو مستقبل واعد

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة من مراحل التنمية بعيدة المدى، متعددة المحاور والمرتكزات، واضحة الأهداف منذ الإعلان عن “رؤية المملكة 2030” التي أقرها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- والتي رفعها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة صاب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وذلك في 25 أبريل 2016م.

ورسمت هذه الرؤية في خطوطها العريضة خارطة طريق للتنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وتوسيع القاعدة الاقتصادية، بما يلبي احتياجات التنمية دون الاعتماد على سلعة رئيسية واحدة وهي النفط، التي ظلت العماد الرئيسي للاقتصاد الوطني منذ بدء تصدير النفط بكميات تجارية، ولتجنب مخاطر تقلبات سوق النفط التي ظهرت واضحة وجلية منذ نهاية القرن العشرين وحتى الآن، وما صاحب ذلك من تدني أسعار النفط، أو زيادة إنتاج النفط الصخري، وكذلك توسع دول العالم في استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، مع زيادة استهلاك السوق المحلي في المملكة للطاقة بكميات متزايدة سواء استهلاك المواطنين، أو زيادة متطلبات التنمية الصناعية والإنتاجية والخدمية، إضافة إلى الزيادة السكانية، وارتفاع معدل الشباب في المجتمع السعودي.

كل ذلك وغيره أدى إلى ظهور الحاجة إلى التحرك نحو المستقبل برؤية واضحة، ترتكز على المعلومات والبيانات الدقيقة التي تحدد الاحتياجات والمتطلبات، ومن ثم توفير مستلزماتها بطرق مدروسة ومحددة، وليس بالعشوائية والارتجالية، وتقف خلفها عزيمة ثابتة لا تلين من قيادة رشيدة تؤمن بضرورة التطوير واللحاق بركب العالم المتقدم.

اقرأ المزيد

وفرضت هذه المتطلبات أهمية تنويع القاعدة الاقتصادية؛ حيث أصبح تنويع مصادر الدخل الوطني ضرورة لتعظيم الإنتاج بالزيادة كمًّا ونوعًا، وبالتجويد والقدرة على المنافسة للمنتجات العالمية، مع ابتكار فرص استثمارية جديدة تستوعب العمالة الوطنية الصاعدة والقادمة إلى سوق العمل، وجذب الاستثمارات الجديدة، سواء كانت محلية أو أجنبية، التي تحقق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

وهذه الرؤية النابعة من متطلبات الوطن الحالية والمستقبلية أعدها خبراء من أبناء الوطن، دعمهم واحتضن أفكارهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- صاحب الخبرات العظيمة في التنمية والتطوير والبناء، ووقف -أيده الله- خلف تجربة بناء وتنمية مدينة الرياض عندما كان أميرًا لها، لذلك فهو رجل بناء ونماء وعطاء للوطن من أقصاه إلى أقصاه، وهو يؤمن -حفظه الله- بالعلم والتخطيط السليم لبناء الإنسان والمكان.

ويعاونه في ذلك عضده وساعده الأيمن وولي عهده، سمو الأمير الشاب المفعم بالحماس والرغبة في الارتقاء بالمملكة ونقلها إلى مصاف دول العالم الأول، صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وهنا التقت الخبرة مع الطموح؛ فجاءت رؤية 2030 متوازنة، واقعية، وطموحة، وهيأت خطط التنمية لبناء الإنسان والمكان في الحاضر ومتطلبات المستقبل، فاهتمت بالإنتاج، والخدمات، والفكر، والسياحة والترفيه، والحفاظ على إرث المملكة وهويتها، والمقدسات الإسلامية التي خص الله بها المملكة دون بقاع الأرض الأخرى، وكذلك راعت الرؤية متطلبات فئات الشباب، وتلبية احتياجات الأجيال القادمة، مع الحفاظ على بيئة سليمة ومستدامة.

ولعله من حُسن الطالع أن تأتي هذه الأيام مبادرة سمو ولي العهد، وفي 27 مارس 2021م، “السعودية الخضراء” و”مبادرة الشرق الأوسط الأخضر”، والمبادرة الأولى تستهدف زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، وإعادة تأهيل حوالي 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة بيئيًا، وزيادة المساحة المغطاة بالأشجار إلى 12 ضعفًا ، وإسهام المملكة بأكثر من 4% في تحقيق مستهدف المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي ، و1% من المستهدف العالمي لزراعة ترليون شجرة.

والنظرة المستقبلية لطبيعة اقتصادات المعرفة وأدوات الإنتاج الحديثة، ليس تنكرًا للاقتصاد بمعناه السابق، بل لكل مرحلة طبيعتها وتحدياتها، فنحن لا نقلل من أهمية ما حققه الاقتصاد السعودي في مرحلة الاعتماد على النفط، وأهمية دوره في بناء دولة عصرية حديثة حققت قفزات غير مسبوقة؛ ما جعلها تتبوأ مكانة مرموقة في التصنيف الاقتصادي الدولي، فهي واحدة من دول مجموعة العشرين الأغنى على مستوى العالم، واحتلت مكانة مرموقة في جميع المؤشرات الاقتصادية والتنموية، وقطعت أشواطًا من التنمية غير المسبوقة في منطقة الشرق الأوسط.

ومع كل ما وصلت إليه المملكة من مكانة اقتصادية مرموقة، تعمل القيادة الرشيدة على الاستفادة من الفرص المتاحة والممكنة؛ لتعظيم المردود الاقتصادي، وارتياد مجالات اقتصادية جديدة، قائمة على تكنولوجيا وتقنيات العصر؛ للِّحاق بالركب العالمي المتطور وعدم التخلف عنه، وإعداد العمالة الوطنية المؤهلة والمدربة للاضطلاع بدورها الوطني في تنمية الوطن بسواعد أبنائه.

وبقراءة ملامح وعناوين رؤية 2030، يتضح للوهلة الأولى الانتقال من الاقتصاد الريعي، إلى الاقتصاد الإنتاجي القائم على آليات وميكانيزمات وفق اقتصادات المعرفة، وإعطاء الدور المهم للقطاع الخاص، واستحداث روافد للاقتصاد الوطني من مشروعات عملاقة، ومدن صناعية ذكية توفر ملايين فرص العمل، وتستوعب استثمارات بالمليارات، إضافة إلى دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتقديم الدعم والرعاية للقطاع الخاص، بما في ذلك تعديل التشريعات والقوانين المنظمة للاستثمار، والتي تحقق تسهيلات للمستثمرين، وضمان حقوقهم، وتيسير إجراءات التملك والإدارة للمشروعات، مع تيسير سبل التقاضي لضمان الحقوق.

وعن مشروعات رؤية 2030 نستطيع اقتباس نماذج على سبيل المثال لا الحصر من هذه المشروعات التي تظهر ضخامتها وتنوعها وأهمية جدواها ومردودها، وتأتي في المقدمة “مدينة نيوم” التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، وسيتم إطلاقها اعتبارًا من عام 2025م، شمال المملكة على البحر الأحمر وخليج العقبة، وهي أكبر مدينة ذكية في العالم، ومن المقرر أن تضخ 100 مليار دولار في الناتج الوطني الإجمالي بحلول عام 2030م.

ومشروع “ذا لاين” الذي أطلقه سمو ولي العهد مطلع العام الجاري، وهو مدينة ذكية عملاقة معززة بكل عناصر الذكاء الاصطناعي، وخالية من الانبعاثات الكربونية، وبدون ضوضاء أو تلوث، أو حتى مركبات في الشوارع، وسوف يسهم هذا المشروع بإضافة 180 مليار ريال إلى الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر 380 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030م.

والمشروع السياحي الترفيهي المتكامل على البحر الأحمر، والذي يقام على حوالي 50 جزيرة، وعلى مساحة إجمالية 30 ألف كيلو متر مربع، تتكون من أرخبيل جزر، وهو الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، ويضم 8 آلاف غرفة فندقية.

والكلام يطول عن مشروعات رؤية 2030، وما تم ذكره هو غيض من فيض؛ نظرًا لتنوعها من حيث النوعية، والتخصص والهدف، وقيمة التكلفة، ومردودها الاقتصادي، وعائدها على الناتج المحلي الإجمالي.

هذه المشروعات العملاقة، التي أهداها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- لشعب المملكة، وبمتابعة وعزيمة وحسم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- تؤكد فلسفة القيادة في تحقيق النهضة الشاملة، والتطلع إلى مستقبل يليق بالمملكة بين أمم العالم المتحضرة، بشعبها الوفي الذي يستحق كل هذه المشروعات، والعيش في مستقبل أفضل، وأن ينعم بالمدن الذكية والمشروعات الإنتاجية التي تحقق له الرفاهية. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس مركز الخليج للأبحاث

ذات صلة

المزيد