الخميس, 18 أبريل 2024

صندوق النقد الدولي: شراء البنوك المركزية للأصول في الأسواق الصاعدة قد يكون أداة فعالة لكنها لا تخلو من المخاطر

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

اكد صندوق النقد الدولي على ان برامج شراء الأصول يمكن أن تكون أداة فعالة، غير أنه من الضروري تقليل ما يصاحبها من مخاطر على استقلالية البنك المركزي واستقرار الأسعار.

واضاف على مدار العقدين الماضيين، حققت البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة تقدما ملحوظا في إرساء المصداقية اللازمة لإدارة سياسة نقدية معاكسة لاتجاه الدورة الاقتصادية. وأثناء أزمة كوفيد-19، لم يقف الكثير من هذه البنوك عند إجراء خفض حاد في أسعار الفائدة وحسب، بل استخدمت أيضا مجموعة من الأدوات لاستعادة سير العمل في السوق، ومنها برامج شراء الأصول. وبينما تنظر بعض هذه البنوك حاليا في اللجوء إلى تشديد أكبر لموقف السياسة النقدية، فإن الاستخدام المرجح لأدوات السياسة النقدية هذه مجددا في المستقبل هو أمر يستحق نظرة أعمق.

وفي السنوات السابقة، كان الطبيعي هو أن يكون شراء الدين الحكومي عملا من أعمال البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة بشكل أساسي. ولكن للمرة الأولى على نطاق واسع، دخلت البنوك المركزية في بلدان مثل جنوب إفريقيا وبولندا وتايلند مجالا غير مطروق من خلال استخدام برامج شراء الأصول لمكافحة الخلل في عمل السوق.

اقرأ المزيد

وبينما نجحت الإجراءات التي اتخذتها هذه الاقتصادات في تخفيف ضغوط السوق، فإن صناع السياسات لديها ولدى غيرها من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية يتعين عليهم النظر في اعتبارات مهمة أخرى وهم يشقون طريقا إلى المستقبل.

ومن الاعتبارات الرئيسية في هذا الصدد ما إذا كان ينبغي لنظر إلى برامج شراء الأصول باعتبارها استجابة استثنائية إزاء أزمة كوفيد-19، أم إضافة أكثر دواما إلى أدوات سياستها النقدية. وفي الوقت ذاته، ينبغي اجتياز مخاطر تتراوح بين هيمنة المالية العامة وتسييل الدين الحكومي من ناحية والإفراط في المخاطرة من ناحية أخرى.

وترد مناقشة مفصلة حول هذه القضايا وغيرها في دراسة أعدها خبراء الصندوق* مؤخرا. ونلخص فيما يلي استنتاجات هذه الدراسة ونطرح بعض الإرشادات الأولية بشأن فحواها.

برامج شراء الأصول – أدوات مفيدة تقترن بمخاطر
كان هناك عزوف من جانب البنوك المركزية في كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عن استخدام برامج شراء الأصول في الأزمات السابقة خشية حدوث رد فعل عنيف من جانب السوق. وقد تبين أن شراء الأصول على نحو موجه في هذه البلدان أثناء أزمة كوفيد-19 ساعد على تخفيف الضغوط في الأسواق المالية، دون التعجيل بخروج تدفقات كبيرة من رأس المال أو فرض ضغوط على سعر الصرف.

وتشير هذه التجربة الإيجابية بوجه عام إلى أن هذه البنوك المركزية ستنظر أيضا في إجراء عمليات شراء للأصول في فترات الاضطراب السوقي المستقبلية، كما نتناول بالنقاش في إصدار نُشِر مؤخرا من تقرير الاستقرار المالي العالمي.

غير أنه رغم المساعدة التي يمكن لبرامج شراء الأصول تقديمها للبنوك المركزية في تحقيق الأهداف المنوطة بها، فإنها تفرض أيضا مخاطر كبيرة.

ومن المخاطر الواضحة في هذا السياق ما تتعرض له الميزانية العمومية للبنوك المركزية ذاتها. فالبنوك المركزية يمكن أن تخسر أموالا إذا اشترت سندات دين سيادي أو دين شركات وقت انخفاض أسعار الفائدة عبر مختلف آجال الاستحقاق، ثم ارتفعت أسعار الفائدة الأساسية بدرجة حادة. وقد يتسبب ضعف الميزانية العمومية في جعل البنك المركزي أقل رغبة أو قدرة على تحقيق الأهداف المنوطة به عندما يكون تشديد السياسة النقدية مطلوبا بسبب المخاوف من احتمال إضرار الإجراءات اللازمة على مستوى السياسات بمركزه المالي.

وهناك مخاطرة أخرى وهي “هيمنة المالية العامة”، حيث تفرض الحكومة ضغوطا على البنك المركزي لكي يعمل على تحقيق أهدافها. وبالتالي، فبينما قد يشرع البنك المركزي في عمليات لشراء الأصول – وفقا للأهداف المنوطة به – قد يجد صعوبة في وقف العمل بها. وهناك احتمال كبير بأن تعتاد الحكومة الحصول على تمويل زهيد التكلفة من خلال إجراءات البنك المركزي فتمارس ضغطا عليه للاستمرار فيها، حتى وإن ارتفع التضخم وكان تحقيق هدف الاستقرار السعري يستلزم وضع نهاية لعمليات الشراء هذه. وبالتالي، تصبح الثقة مفقودة في قدرة البنك المركزي على إبقاء التضخم منخفضا ومستقرا، مما يمكن أن يعجل بفترات من التضخم المرتفع والمتقلب.

وفي اجتماع مائدة مستديرة نظمه الصندوق مؤخرا لمناقشة الأدوات الجديدة للسياسة النقدية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية*، شدد كل من ليسيتيا غانياغو (محافظ بنك الاحتياطي بجنوب إفريقيا)، وإلفيرا نابيولينا (محافظة البنك المركزي الروسي)، وكارمن راينهارت (رئيسة الخبراء الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي)، على المخاطر التي تتعرض لها الميزانيات العمومية للبنوك المركزية ومخاطر هيمنة المالية العامة، ولكنهم لفتوا الانتباه أيضا إلى آثار جانبية أخرى غير مرغوب فيها. وعلى وجه التحديد، بينما يمكن لعمليات شراء الأصول أن تتسبب في مخاطر متطرفة، فإن هذه السياسات يمكن أن تتسبب في آثار غير مقصودة مثل تشجيع الإفراط في المخاطرة وتآكل الانضباط السوقي. ومن شأن اضطلاع البنك المركزي بدور أكثر نشاطا في صنع السوق أن يكبح تطور الأسواق المالية.

مبادئ لعمليات شراء الأصول
نقدم في تقريرنا الصادر مؤخرا بعنوان برامج شراء الأصول والتمويل المباشر* بعض المبادئ الإرشادية الرامية إلى الاستفادة من المزايا التي يحققها شراء الأصول مع احتواء المخاطر في الوقت نفسه. وبينما نرى مجالا لاستخدام هذه الأدوات من جانب البنوك المركزية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية – بما في ذلك استخدامها للمساعدة على تخفيف حدة نوبات العسر في الأسواق المالية – فإن وجود إطار للسياسة يتسم بالقوة والمصداقية يشكل ركيزة ضرورية.

ومن المبادئ الأساسية أن تتوفر للبنك المركزي مساحة كافية لتعديل سعر الفائدة الأساسي حسب الحاجة لتحقيق الأهداف المنوطة به، وهو مبدأ ضروري. وتدفع البنوك المركزية مقابل مشترياتها من الأصول عن طريق إصدار احتياطيات. ويمكن أن تفرز هذه الاحتياطيات الإضافية ضغوطا تضخمية كبيرة ما لم يكن باستطاعة البنك المركزي أن يحيد أثر الاحتياطيات عن طريق رفع سعر فائدة سياسته النقدية إلى مستوى يتسق مع تحقيق استقرار الأسعار.

ومن المبادئ وثيقة الصلة بذلك أن تأتي أي عمليات شراء من جانب البنك المركزي بناء على مبادرة منه، وأن تحقق الأهداف المنوطة به (وليس أهداف الحكومة). وينبغي أن يكون حجم عمليات شراء الأصول ومدتها متسقين مع تلك الأهداف: فيتعين أن تكون المشتريات الرامية إلى تحقيق الاستقرار المالي محدودة النطاق وأن تتوقف عندما تخف الضغوط المالية، بينما يجوز أن تكون المشتريات التي تستهدف تحفيز الاقتصاد الكلي أكبر حجما وأكثر استمرارية.

والطريقة المثلى لتحقيق هذا الهدف هو ضمان قيام البنك المركزي بعمليات شراء الأصول في السوق الثانوية، وليس “بشكل مباشر” من خلال السوق الأولية أو آلية السحب على المكشوف. ويتيح التمويل المباشر طريقا ميسورا للحكومة كي تحدد حجم الميزانية العمومية للبنك المركزي وكذلك سعر الفائدة الذي ستقوم بدفعه، مما يتسبب غالبا في إضعاف الانضباط السوقي ويزيد من مخاطر تسييل الدين.

ومن الأمور الحيوية أيضا الإفصاح الواضح عن أهداف برامج شراء الأصول والمنطق وراء الدخول فيها والخروج منها.

وأخيرا، تركز دراستنا على أهمية المركز المالي القوي. وعلى وجه التحديد، يتعين أن تكون الحكومة قادرة على تقديم مساندة مالية لتغطية أي خسائر قد تقع بالفعل. وهذه المساندة مطلوبة للحفاظ على الاستقلالية المالية للبنك المركزي، كما أنها تسمح له باتخاذ قرارات على مستوى السياسة لتحقيق الأهداف المنوطة به – لا اتخاذها على أساس شعورة بالقلق إزاء مركزه (أو مركز الحكومة) المالي. وبالإضافة إلى ذلك، فالأرجح أن تقاوم السلطة المالية الميل نحو التمويل زهيد التكلفة من البنك المركزي إذا كان مركزها المالي قويا.

وبينما قد تكون برامج شراء الأصول مجالا جديدا نسبيا بالنسبة للبنوك المركزية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فإن من شأن هذه المبادئ أن تساعد على إرساء أساس قوي.

 

ذات صلة

المزيد