الجمعة, 19 يوليو 2024

(تقرير) .. الاستراتيجية الوطنية للصناعة آمال وتطلعات تدعمها الوقائع .. “مال” ترصد المؤشرات الاقتصادية بالاستراتيجية مقارنة بما تم إنجازه

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

كما يقولون “في نار الأزمات يتبين الذهب من النحاس” هذا المثل الدارج ينطبق تماما على حال الدول، ففي وقت الأزمات تظهر الدول المبنية اقتصادها على أسس قوية والأخرى الهشة التي تم بناؤها من الخارج فقط أو بالاعتماد على أمور غير واقعية، وكانت “جائحة كورونا خير شاهد”، وفي هذا الوقت الذي بدأت تتوالى فيه الأزمات على الدول كان لابد من استباقة للعمل على تفادي السيئ المتوقع وهو ما يظهر جليا في الاستراتيجية الوطنية للصناعة، فالصناعة هي الأساس الحقيقي الذي يساند الدول في وقت الأزمات، ويحمي شعوبها من البطالة والتضخم اللذان من الواضح أنهما سيكونان آفة المستقبل القريب خاصة مع بدء ظهور علامات قوية تشير إلى ذلك في الكثير من الدول، إلا أنهما لا زالا بعيدين عن المملكة بشكل كبير.

ولكن على الرغم من ذلك ربما يرى البعض أن ما تم الإعلان عنه في الاستراتيجية الوطنية للصناعة مجرد آمال وتطلعات ربما تكون بعيدة عن الواقع أو لا يوجد ما يدعمها من الوقائع، إلا أنه وبالنظر إلى ما تم إنجازه في المملكة على أرض الواقع يؤكد أن من وضعوا الاستراتيجية وضعوها على أساس متحفظ وليس حتى على أساس متفائل وأن تلك الاستراتيجية لم تكن وليدة اللحظة وإنما تم الإعداد لها والاستعداد لما تم الإعلان عنه فيها من سنوات سابقة، وبعد أن تم التأكد من أن الدولة تمتلك مقومات نجاح الاستراتيجية تم الإعلان عنها، وهو ما يتفق مع أسس التخطيط السليم، حيث لابد من دراسة الإمكانات والتأكد من القدرة على التنفيذ قبل الإعلان عن المشروع.

في السطور التالية سنقوم باستعراض ما تم الإعلان عنه من توقعات في الاستراتيجية الوطنية للصناعة مع مقارنته بما تم إنجازه على أرض الواقع مع توضيح كيف تم التخطيط لهذه المشروعات في وقت سابق.

اقرأ المزيد

طموحات مبنية على أساس واضح
جاءت الاستراتيجية الوطنية للصناعة بأهداف واضحة منها مضاعفة الناتج المحلي الصناعي من 331 مليار ريال في 2020 إلى 895 مليار ريال في العام 2030 (أي خلال 10 سنوات) وبنسبة نمو 170%، وأظهرت البيانات الرسمية نمو الناتج المحلي الصناعي في نهاية الربع الثاني من العام الحالي إلى 385.77 مليار ريال بنمو سنوي نسبته 19.5% (أعلى وتيرة نمو له على الإطلاق).

كما اشتملت أهداف الاستراتيجية على مضاعفة قيمة الصادرات الصناعية إلى 557 مليار ريال في 2030 مقارنة بـ 169 مليار في 2020 وبنسبة 230%، فيما بلغ حجم الصادرات الصناعية بنهاية الربع الثاني من العام الحالي 254 مليار ريال أي قرابة نصف المستهدف بعد 8 سنوات ونصف.

كذلك تستهدف الاستراتيجية وصول مجموع قيمة الاستثمارات الإضافية في القطاع الصناعي إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة حجم الصادرات التقنية بنحو 6 أضعاف، وهو ما سيسهم بدوره في خلق عشرات الآلاف من الوظائف النوعية للمواطنين وغيرهم من المقيمين بالمملكة.

وتهدف الاستراتيجية إلى أن يوفر القطاع الصناعي وبحلول 2030 نحو 2.1 فرصة وظيفية مقارنة بـ 0.9 مليون وظيفة في العام 2020، ووفقا للنشرة الشهرية للصناعة والتعدين الصادرة عن وزارة الصناعة والثروة المعدنية فقد بلغ عدد العمالة المرخصة في القطاع وحتى شهر يوليو الماضي 1.05 مليون عامل.

وتستهدف الاستراتيجية الوصول بعدد المصانع إلى 36 ألف مصنع وإنتاج 800 ألف طن من الكيماويات المتخصصة، وخلال السنوات القليلة الماضية وتحديدا منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 في 2016 ارتفع عدد المصانع من 7,206 مصانع تم إنشاؤها حتى إطلاق الرؤية (خلال حوالي 42 عاما) إلى 10,707 في شهر أغسطس 2022 أي أنها زادت بما بقارب النصف، وذلك خلال سنوات التأسيس وقبل الانطلاق. وفي نفس السياق تُعد المملكة رابع أكبر مُصنع للبتروكيماويات في العالم.

ومما يدعم ذلك كله ما تم الإعلان عنه من تخصيص الاستراتيجية ميزانية تصل إلى 68 مليار ريال لتطوير القطاع الصناعي (وهو أحد الأركان الأربعة في مربع مقومات النهوض بالصناعة كما سيأتي ذكره)، بل وتم الإعلان عن أن 51 مليار ريال من تلك الأموال سيتم تخصيصه لتطوير البنية الصناعية مما يضمن نهضة صناعية مستدامة وليست وقتية.

جذور راسخة وقرارات جريئة أهلت المملكة لإطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة:
عندما تكون القرارات الشابة التي تمتاز بالجرأة والقوة والإقدام غير مدعومة بجذور راسخة ترتكن إليها، ربما تتحول تلك القرارات إلى الجانب السلبي، ولكن عندما تكون لها أسس تعتمد عليها تكون مصدرا للانطلاق ويمكن الحكم عليها بالنجاح من وقت صدورها، لأن لها ما يدعمها، وجاء قرار إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة مدعوما بأسس وجذور راسخة وقرارات شابة جريئة.

جذور راسخة:
في عام 1974 تم إنشاء صندوق التنمية الصناعية السعودي وذلك لتمويل ودعم وتنمية القطاع الصناعي عن طريق تقديم قروض متوسطة أو طويلة الأجل لتأسيس مصانع جديدة، أو تطوير وتحديث وتوسعة مصانع قائمة، إضافة إلى تقديم المشورة في المجالات الإدارية والمالية والفنية والتسويقية للمنشآت الصناعية بالمملكة.

في عام 1975م تم تحويل المشاريع الصناعية والبتروكيماوية إلى وزارة الصناعة والكهرباء حينها، وفي العام نفسه تم إنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع والتي تُعنى بتطوير مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين لتكونا شاهدتين على نهضة صناعية وتحول كبير في القطاع.

في عام 1976م، تم إنشاء شركة سابك وكان من أهدافها تبنّي المشروعات الصناعية الضخمة، والعمل على دعم وتنمية الصناعات السعودية، وأصبحت الشركة حالياً شركة رائدة عالميّاً في مجال صناعة البتروكيماويات.

في عــام 2001 أنشئت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)، لتتولى أعمــال تنميــة الأراضي الصناعيـة والبنيـة التحتية المتكاملة والإشراف عليها وقد ازداد عدد المدن الصناعية التي تديرها الهيئة ليصل إلى 36 مدينــة بحلول عام 2020 بإجمالي استثمارات بلغت 370 مليار ريال سعودي.

قرارات جريئة:
في عام 2016 تم ضمّ قطاع الصناعة إلى الطاقة والثروة المعدنية، حيث صدر أمر ملكي بتعديل اسم وزارة البترول والثروة المعدنية لتصبح (وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية).

في عام 2017 أُطلق برنامج التحول الوطني، سعيا لتحقيق التميز في الأداء الحكومي وتأسيس البنية التحتية اللازمة لتحسين عوامل التمكين الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة من خلال أبعاده الاستراتيجية.

في الربع الرابع من عام 2017 أُطلق برنامج صندوق الاستثمارات العامة، بهدف تعزيز دور الصندوق كونه المحرك الفاعل خلف تنوع الاقتصاد في المملكة، وتطوير قطاعات استراتيجية محددة من خلال تنمية وتعظيم أثر استثمارات الصندوق، وفي سعي لجعله من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، فضلاً عن تأسيس شراكات اقتصادية وطيدة تسهم في تعميق أثر ودور المملكة في المشهد الإقليمي والعالمي.

في عام 2019 تم إنشاء وزارة مستقلة باسم (وزارة الصناعة والثروة والمعدنية)، ليعكس مدى الاهتمام بتطوير الصناعة وتوطينها لتشكّل حجر الأساس في تنويع مصادر الدخل كما ورد في رؤية 2030، ومن ثمار ذلك تجاوز عدد المصانع في المملكة الـ 10 آلاف مصنع في عام 2021.

في عام 2019 أُطلق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، إيماناً من القيادة بأهمية قطاعات البرنامج الأربعة (الطاقة ، التعدين، الصناعة، والخدمات اللوجستية) وتكاملها لتحقيق قيمة مضافة وتعظيم الأثر الاقتصادي وتنويعه وخلق بيئة استثمارية جاذبة.

ويهدف البرنامج إلى تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية عبر تعظيم القيمة المتحققة من قطاعي التعدين والطاقة والتركيز على محوري المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة، ليساهم البرنامج بشكل كبير في تعظيم الأثر الاقتصادي وتنويعه للقطاعات المستهدفة، واستدامة نمو تلك القطاعات وتحقيق ريادتها، وخلق بيئة استثمارية جاذبة فيها.

الصورة

في عام 2020 تبنّت الاستراتيجية الوطنية للصناعة المعتمدة من قبل مجلس الوزراء شعار: (نحو صناعة منافسة واقتصاد قائم على المعرفة) والتي تهدف إلى تنويع القاعدة الصناعية والاقتصادية، وحماية الاقتصاد الوطني من التقلّبات العالمية في أسعار وعائدات النفط، بما يضمن استقراراً ونمواً متوازناً لكافة المؤشّرات الاقتصادية، وهو ما أكّدته رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني عبر شراكات مع القطاع الخاص.

في 2020 تمت الموافقة على تحويل البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية إلى مركز باسم “المركز الوطني للتنمية الصناعية “، والموافقة على تنظيمه. والتجمعات الصناعية: مجموعة من الصناعات الأساسية والصناعات المساندة والصناعات اللاحقة من سلاسل الإمداد التي تعمل في صناعة معينة، تترابط وتتكامل فيما بينها في إنتاج مجموعة من منتجات أو خدمات هذه الصناعة.

في عام 2021 تم إنشاء برنامج تنمية القدرات البشرية كأحد البرامج المستحدثة لرؤية المملكة 2030، سعياً لتطوير قدرات جميع مواطني المملكة، حيث يسعى البرنامج إلى أن يمتلك المواطن قدراتٍ تمكنه من المنافسة عالمياً، من خلال تعزيز القيم، وتطوير المهارات الأساسية ومهارات المستقبل، وتنمية المعارف. ويركز البرنامج على تطوير أساس تعليمي متين للجميع يسهم في غرس القيم منذ سن مبكرة، وتحضير الشباب لسوق العمل المستقبلي المحلي والعالمي.

في العام 2022 تم تتويج كل الجهود السابقة بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة، الهادفة للوصول إلى اقتصاد صناعي جاذب للاستثمار يسهم في تحقيق التنوع الاقتصادي، وتنمية الناتج المحلي والصادرات غير النفطية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، وهو ما يؤكد أن الاستراتيجية لم تكن وليدة اللحظة ولا فكرة دون تخطيط، وإنما فكرة تم الإعداد لها واختبار أركانها قبل إطلاقها.

وفي النهاية نذكر بأن المقصود بالصناعة هو جعل المواد الخام أكثر ملاءمة لمتطلبات الإنسان واحتياجاته، أي تحويل المواد من شكلها الخام إلى أشكال يستطيع الإنسان أن يستخدمها في حياته، وبالتالي يدعم ذلك رفاهيته ويرفع من مستواه المعيشي وقبل ذلك توفر آلاف بل ربما ملايين من فرص العمل، كذلك هذه المصنوعات تسهم في ازدهار أنشطة أخرى مثل الزراعة والتجارة، وينعكس ذلك كله بالإيجاب على الدخل القومي ومن ثم على القطاعات الخدمية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية التي تصب كلها في الأخير في صالح المواطن الفرد.

ومن أهم مقومات الصناعة، والتي تضمن استطاعة الدول النهوض بالصناعات فيها، توافر رأس المال وبشكل كافي وتوافر المواد الخام، كذلك توافر مصادر الطاقة التي تعمل بها تلك المصانع وتوافر الأيدي العاملة التي تقوم بإدارة السلسلة السابقة، وكلها وبحمد الله متوافرة في المملكة أو في مناطق قريبة جدا منها، فالعالم العربي به كل أنواع المواد الخام بلا استثناء، كذلك به الأيدي العاملة والماهرة، ومع ذلك فإن رأس المال ومصادر الطاقة ومعظم المواد الخام هي أمور متوفرة بالمملكة وبكثرة وهو الأهم.

ذات صلة

المزيد