الجمعة, 9 أغسطس 2024

مميزات جغرافية وممكنات استراتيجية وتسهيلات مالية تضع “المدينة المنورة” في مصاف المناطق الأكثر جذباً للاستثمار عالمياً

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

تتمتع منطقة المدينة المنورة بعدد من المميزات تجعلها واحدة من أكثر المناطق على مستوى العالم في التنافسية على جذب الاستثمارات وبكل أنواعها، فهي إحدى نوافذ المملكة على البحر الأحمر وبالتالي على العالم كله عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، وبها عدد من المنافذ البحرية التي تتوافر فيها عدد من المميزات قلما تجتمع لغيرها، وهي منطقة تاريخية مقدسة عند أكثر من خُمس سكان العالم، وكذلك بها العديد من المناجم والمساحات الزراعية والأماكن التاريخية، أضف إلى ذلك الوفرة في عدد السكان الذين هم في سن العمل وغير ذلك من المقومات التي تجعلها بالفعل منطقة متفردة ليس على مستوى المملكة فحسب بل وعلى مستوى العالم كله.

وجاءت رؤية المملكة 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أبريل 2016 لتغير دفة الاستثمارات والتوسعات في منطقة المدينة المنورة والتي كانت ولفترة ليست بالقصيرة تتسم بالعشوائية وعدم التخطيط وإنما كانت التنمية تأتي وفقا لما تمليه الظروف، وهو ما تغير بنسبة 100% بعد إطلاق مشروع الرؤية.

حول المميزات الطبيعية والجغرافية لمنطقة المدينة المنورة، والمقومات الديمغرافية واللوجستية، والمقومات الرئيسية في القطاعات الاستثمارية في المنطقة، والتسهيلات المالية والإجرائية المقدمة من الحكومة للاستثمار بالمدينة، وأخيراً كيف غيرت رؤية المملكة 2030 وجهة الاستثمار بالمدينة المنورة سنقوم برصد وسرد عدد من الحقائق التي توضح ذلك في السطور التالية.

اقرأ المزيد

المميزات الطبيعية والجغرافية لمنطقة المدينة المنورة:
تقع منطقة المدينة المنورة في شمال غرب المملكة على ساحل البحر الأحمر وتحيط بها كل من تبوك والقصيم والرياض ومكة المكرمة، وبالتالي تُعد بذلك بمثابة واسطة العقد بالنسبة للمدن في المملكة، وفي الوقت ذاته هي ثالث أكبر منطقة في المملكة بمساحة تُقدر بـ 150 ألف كيلو متر مربع، وتتمتع بمناخ دافئ إلى معتدل طوال العام، وتتراوح دراجات الحرارة بها بين 15 و43 درجة مئوية.

تشرف منطقة المدينة المنورة على 8 مدن، وهى: ينبع والعلا والمهد وبدر وخيبر والحناكية ووادي الفرع، والعيص بالإضافة إلى مقر الإماراة أو ما يمكن أن نطلق عليه عاصمة المحافظة وهي تحمل اسم المنطقة نفسه “المدينة المنورة”، ويتم سرد هذه البيانات لتوضيح ما تتمتع به المنطقة من إمكانات جغرافية تؤهلها لأن تكون محط أنظار الساعين للاستثمار بالداخل والخارج.

ولكل مدينة في منطقة المدينة المنورة ما يميزها، فالمدينة المنورة وينبع تُعدان الأبرز حتى الآن في المنطقة، حيث المدينة المنورة هي ثاني أهم مدينة مقدسة في العالم الإسلامي بعد مكة المكرمة، وهي إحدى أقدس البقاع الإسلامية في العالم ومركزا لأحد أكبر التجمعات الحضرية، في حين تشتهر مدينة ينبع كعاصمة صناعية بالمنطقة وهي معروفة بمحطات تكرير النفط.

في حين تضم كل من مناطق العلا وخيبر والحناكية أصولا ومواقع ثقافية وطبيعة تعود إلى آلاف السنين مما جعلها وبالأخص مدينة العلا محط أنظار الحكومة وذلك لما تمتلكه من طبيعة عجيبة وآثار تعود لأكثر من 7 آلاف عام، وتمتد على مساحة 22 ألف كيلومترً مربع، إلا أنها جديدة على خارطة السياحة العالمية، وهي التي تم اعتمادها كأحد الاثار الإنسانية العالمية من قبل منظمة اليونيسكو، وذلك وفقا لموقع “روح السعودية”.

أما مدن العيص ووادي الفرع فتتمتع بمواردها الزراعية، وتتمتع مدينة المهد أو كما تسمى “مهد الذهب” بالثروات التعدينية، وعليه تضم مدن منطقة المدينة المنورة كلا من المقومات السياحية والصناعية والزراعية والتعدينية، مما يجعلها وكأنها دولة مصغرة، وذلك إذا ما أضفنا لذلك ما تتمتع به المنطقة بشكل عام من مقومات بشرية وبنية تحتية لوجستية تدعم التوسع في أي من تلك المجالات وغيرها.

المقومات الديمغرافية واللوجستية

يبلغ عدد سكان المدينة المنورة 2.29 مليون نسمة بحسب إحصائيات عام 2020، أكثر من 58% منهم تحت سن 35 عاماً، وبلغ معدل النمو السكاني في المنطقة 10% خلال الفترة من 2016 إلى 2020، وبالنظر إلى التقسيم الديمغرافي للسكان حسب الفئات العمرية نجد أن النسبة الأكبر من السكان في سن العمل (25 – 65)، حيث تبلغ نسبتهم 63% من السكان، مما يؤشر إلى توفر فرصة للنمو الاقتصادي المتسارع، فيما يسمى “العائد الديمغرافي” وفي ظل ذلك يمكن للجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أن تعزز هذه الاتجاهات، وأن تؤدي إلى زيادة الفرص المتاحة.

أما عن المقومات اللوجستية ففي المدينة المنورة 3 مطارات، وهي مطار الأمير محمد بن عبد العزيز، ومطار الأمير عبد المحسن بن عبد العزيز، ومطار العلا الدولي (تنقل مجتمعة أكثر من 9.14 مليون راكب، عبر حوالي 69.13 ألف رحلة سنوياً)، بالإضافة إلى ميناء ينبع التجاري، وميناء الملك فهد الصناعي بينبع (بهما 12 محطة وتبلغ السعة الاستيعابية لهما 223.5 مليون طن، وتبلغ مساحتهما 11 مليون متر مربع، وبهما 46 رصيفاً).

وتضم المنطقة أكبر ميناء لتحميل النفط الخام والمنتجات المكررة والبتروكيماويات على ساحل البحر الأحمر وهو ميناء الملك فهد الصناعي بينبع والذي يقع في وسط الخط التجاري الأمريكي الأوروبي عبر قناة السويس وخط التجارة في الشرق الأقصى عبر مضيق باب المندب.

وتوجد بالمنطقة مدينتين صناعيتين (مدينة ينبع الصناعية، والمدينة الصناعية في المدينة المنورة)، ومدينة المعرفة الاقتصادية، ومن الصناعات التي تستهدفها المدن الثلاثة تصنيع البتروكيماويات التي تصبح مواد أولية لمؤسسات التصنيع النهائية، بالإضافة إلى المعادن بما في ذلك خام الحديد والفوسفات والجبس والنحاس، كذلك المنتجات الغذائية وعقود الخدمات والمشروبات والمواد والمنتجات الكيميائية والمنتجات المطاطية والبلاستيكية والمنتجات المعدنية الأخرى اللافلزية والمنتجات المعدنية المصنعة (باستثناء الآلات والمعدات) والمعدات الكهربائية وغيرها الكثير.

وبشكل عام تم تنفيذ عدة مشاريع بنية تحتية مهمة في المدينة المنورة خلال العقد الماضي، بما في ذلك تخصيص مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي، الذي جمع 4.1 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات الخاصة ووصل إلى هدفه المتمثل في خدمة 8 ملايين راكب بحلول عام 2021 وقبل عامين مما كان متوقعاً.

أيضاً تتمتع المنطقة ببنية تحتية قوية للاتصالات وتقنية المعلومات، والتي تم تحسينها بشكل أكبر خلال مشروع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات لتوسيع الشبكة لخدمة الحجاج. وكجزء من هذه المبادرة، تم توسيع القدرة الكلية للشبكة بنسبة 10% باستخدام أكثر من 13 ألف برج للهاتف الجوال، مع 37 موقعاً يدعم تقنيات الجيل الخامس في الحرمين الشريفين وفي المشاعر المقدسة.

القطاعات الاستثمارية الرئيسية في المدينة
تتركز أبرز القطاعات الاستثمارية بالمدينة المنورة في التعدين والبتروكيماويات والسياحة، أما عن المقومات التعدينية فيوجد بالمنطقة ثلاثة مناجم، وهى منجم البلغة ومنجم الفهد ومنجم النحاس تحت الأرض في جبل صايد، ويعد قطاع التعدين من أكبر القطاعات المساهمة في النشاط الاقتصادي في المنطقة، وتُعد المدينة المنورة غنية بالعديد من الموارد المعدنية الطبيعية والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والنحاس والتيتانيوم، وتشكل هذه المعادن المواد الخام لقطاع التصنيع في المنطقة، كما تمتلك المملكة ما قيمته 1.3 تريليون دولار أمريكي من الاحتياطات المعدنية غير المستغلة.

أما عن القطاع الثاني من القطاعات الاستثمارية في منطقة المدينة المنورة وهو قطاع البتروكيماويات فتعد صناعة البتروكيماويات في المدينة المنورة من بين القطاعات الاستراتيجية الرئيسية في المملكة، وذلك نظراً لقرب المنطقة من إمدادات النفط والغاز من خلال خطوط الأنابيب الشرقية الغربية وسهولة اتصالها بها.

وتعتبر مدينة ينبع الصناعية متخصصة في البتروكيماويات ويقع فيها ميناء الملك فهد الصناعي، والذي يعتبر أكبر مجمع لشحن النفط على البحر الأحمر ويعمل منذ عام 1982م. إضافة إلى ذلك، يتم تصدير أكثر من 80% من منتجات منطقة المدينة المنورة معظمها من الوقود السائل أو البتروكيماويات.

وتُعد المملكة العربية السعودية ثاني أكبر سوق في الشرق الأوسط من حيث المواد الكيماوية الأساسية والفرص المتاحة نظراً للطلب الدولي القوي، ومن المتوقع أن ينمو الطلب على البتروكيماويات في جميع أنحاء العالم مع زيادة احتياجات البلاستيك والأسمدة والمنتجات الأخرى مثل التعبئة والتغليف والملابس والأجهزة والإطارات والمنظفات وغيرها.

أما عن القطاع الثالث وهو قطاع السياحة فتعد المدينة المنورة وجهة عالمية للمسلمين حول العالم لوجود المسجد النبوي والعديد من المساجد والمواقع التاريخية والأثرية فيها. كما أن المنطقة غنية بالإرث التاريخي والثقافي الممتد لآلاف السنين.

حيث تشكل محافظة العلا معلماً ثقافياً فريداً يجعلها مركزاً للثقافة والسياحة والفنون، والتي تجذب أعداداً متزايدة من الزوار المهتمين بالثقافة والتراث، وتعرف محافظة الحناكية بوجود الجبال والنقوش الأثرية، ومحافظة خيبر بالآثار مثل حصن خيبر وكهف أم جرسان وهو أطول كهف في الشرق الأوسط. وبفضل هذه الميزات الفريدة احتلت المدينة المنورة المرتبة الثالثة ضمن أفضل وجهات شعبية في العالم.

واستقبلت منطقة المدينة المنورة أكثر من 12 ملايين زائر حاليا ويتوقع ان يرتفع الرقم الى 30 مليون زائر بحلول العام 2030، والملاحظ انه في العام 2019 زار المدينة 7 ملايين زائر ونتج عن ذلك إنفاقهم أكثر من 6 مليار ريال.

بعض التسهيلات التي تقدمها الحكومة للمستثمرين بالمنطقة

تقدم المنطقة إيجاراً بأسعار تنافسية لشركات تصنيع المعادن، والتي تعتبر من أحد الجهود المقدمة للمساهمة في دعم ونمو القطاع، إذ تقدم المدن الصناعية في الهيئة مثل مدينة ينبع الصناعية أسعار إيجار رمزية تبلغ 1.2 دولار أمريكي للمتر المربع سنوياً مقابل 12 دولار أمريكي للمتر المربع للمستثمرين الذين ليس لديهم تراخيص صناعية في مناطق الصناعات الخفية.

هناك دعم حكومي قوي للقطاع كجزء من رؤية السعودية 2030 وعملية سلسة للحصول على تراخيص التعدين مع زيادة عدد الطلبات المقدمة خلال السنوات الماضية.

وتوفر المنطقة بيئةً تنافسية لعمليات التعدين نظراً لتوافر المواد الخام والبنية التحتية المتطورة وروابط النقل، فضلاً عن إمكانية الوصول إلى موارد الطاقة المتوفرة بكثرة. كما يعزز موقع المنطقة الجغرافي التكامل مع سلاسل التوريد الكبيرة في الأسواق النامية في الشرق الأوسط وآسيا، ولذا تعد تجربة الصناعات الاستخراجية في المملكة تجربة متكاملة لوجود عوامل دعم مثل البنية التحتية والإمكانات التجارية ووفرة الطاقة.

يحظى تطوير قطاع البتروكيماويات في المدينة المنورة بدعم من الهيئة الملكية للجبيل وينبع التي تدير مدينة ينبع الصناعية وتعزز فرص الاستثمار في المدينة، وتقدم الهيئة حوافز في البنية التحتية ذات المستوى العالمي، ووفرة المواد الخام، ومعدل إيجار تنافسي يبلغ 1.2 دولار أمريكي للمتر المربع سنويا للأرض الصناعية، وإعفاء من الإيجار لمدة عام واحد لمرحلة التصميم، وعقود طويلة الأجل تصل إلى 30 سنة.

كما يمكن لشركات البتروكيماويات التي تسعى إلى الاستثمار في المملكة أن تستفيد من عدد من الحوافز المالية الأخرى بما في ذلك الإعفاءات على المعدات والآلات، إضافة إلى انخفاض معدل الضريبة على أرباح الشركات الأجنبية الأقل بين دول مجموعة العشرين، وتبلغ حوالي 20%، وبرامج الحوافز الأخرى مثل برنامج شريك وبرنامج تمويل التجارة العربية وبرنامج الصادرات السعودية وغيرها.

وفي القطاع السياحي تساعد مبادرات صندوق التنمية السياحي وصندوق التنمية الثقافي وبرنامج التأشيرات الجديد في المملكة في تمكين النمو المستمر وتسهيل الاستثمار في قطاع السياحة في منطقة المدينة المنورة، كما يحظى هذا القطاع بدعم برنامج ضيوف الرحمن لرؤية 2030 الذي يركز على تحسين تجربة الزوار في مواقع الحج الرئيسية وفي المعامل الثقافية والسياحية الرئيسية.

تأثير رؤية 2030
ذكرت دراسة تم نشرها في 2008 بعنوان “الخدمات الرئيسية بالمدينة المنورة .. دراسة في جغرافية المدن” للدكتور يوسف بن أحمد حوالة وآخرون، أن المدينة المنورة شهدت خلال القرن الحالي نمواً حضرياً مما أدى إلى اتساع مسطحها العمراني، إلا أن الدراسة أشارت إلى أن هذا الاتساع لم يكن مصحوبا بعملية تخطيط للخدمات به، مما أثر سلبا على هذه الخدمات وتوزيعها على النطاق العمراني للمدينة المنورة، في حين وجدنا أنه وبعد الإعلان عن رؤية 2030 قامت الحكومة باستغلال المميزات الطبيعية والمقومات الديمغرافية لتوزيع الأنشطة الاستثمارية على كافة مناطق المدينة المنورة كل بما يتناسب مع إمكانيات كل منطقة.

ذات صلة

المزيد