الأحد, 4 أغسطس 2024

الحياد الكربوني الصفري .. مؤسسات بحثية تفند تناقضات وكالة الطاقة الدولية

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

كشف تقرير صادر عن مؤسسة بحوث سياسات الطاقة ” “EPRF، عدم صحة افتراضات الوكالة الدولية للطاقة، التي أوردتها في تقريرها الذي حمل عنوان “الحياد الصفري بحلول عام 2050″، متجاهلة الجهود الكبيرة التي تبذلها العديد من الدول وفي مقدمتها المملكة في الحد من الانبعاث الكربوني وآثاره على التغير المناخي بتحقيق صافي انبعثات صفري بحلول العام 2060.

فوفقا لتصريحات سابقة للأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، توجد ثلاثة ثوابت لسياسة المملكة في مجال الطاقة، وهي؛ ضمان أمن الطاقة، والاستمرار في تطوير الاقتصاد، ومواجهة التغير المناخي.

 وشددت المملكة مراراً، على ضرورة أن تكون بيانات الوكالة الدولية للطاقة، أو غيرها من الجهات ذات العلاقة، في هذا الخصوص، مبنية على أسس علمية محايدة، تحقق مصالح الإنسانية في كل مكان، ويمكن تطبيقها مع الأخذ في الاعتبار الظروف الوطنية لكل دولة من المنتجين والمستهلكين.

اقرأ المزيد

وأظهر تقرير مؤسسة بحوث سياسات الطاقة التبعات والتكاليف البيئية والاقتصادية والسياسية والتنموية التي ستترتب على التحول المتعجل وغير المدروس الذي دعت إليه الوكالة في تقريرها، وأوضح التحليل أن الوكالة الدولية للطاقة اعتمدت على عوامل ظرفية، غير جوهرية، وقابلة للتغير أو حتى عدم الحدوث، في بناء توقعها لسرعة التحول في مجال الطاقة.

يأتي هذا في الوقت الذي من المفترض فيه أن تقود وكالة الطاقة الدولية الجهود العالمية في قضايا خفض الانبعاثات الكربونية ومواجهة آثاره على التغير المناخي والوصول إلى الحياد الكربوني الصفري في أسرع وقت زمني ممكن، فقد مثل تقرير وكالة الطاقة الدولية احباطا لكافة الجهود التي تبذلها الدول التي تشعر بالمسؤولية وفي مقدمتها المملكة.

ومنذ إطلاق رؤية الملكة 2030 تضع القيادة الرشيدة، في المملكة قضايا خفض الانبعاثات الضارة، وحماية البيئة، والاستدامة، ومواجهة آثار التغيُّر المناخي، في مقدمة أهدافها المتعلقة بالطاقة. وقد كانت المملكة سباقة، بين الدول الرائدة في إنتاج البترول التي أعلنت استهدافها الوصول إلى الحياد الصفري بحلول العام 2060، من خلال مبادرات متكاملة من بينها “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر” و”استراتيجية الاقتصاد الدائري للكربون” و”استراتيجية إنتاج الهيدروجين”.

ويرى المحللون أنه من المُفترض ان تُقدّم وكالة الطاقة الدولية تحليل سنوي لاتجاهات العرض والطلب على الطاقة وما تعنيه لأمن الطاقة العالمي وحماية البيئة والتنمية الاقتصادية، كما يُفترض من الوكالة تقديم مشورة حيادية للحكومات وصانعي قرار الاستثمار بشأن سياسات ومستقبل الطاقة مع تقديم الحلول لأزمات الطاقة العالمية والحد من فقر الطاقة.

وأشار تقرير مؤسسة بحوث سياسات الطاقة إلى أن من شأن الظروف التي بنت الوكالة عليها توقعاتها، غير المنطقية وغير العملية، أن تبدد موارد الدول، وتقلص الاستثمارات في مجال الطاقة، بل ربما قضت عليها، وتحدث تأثيرات بيئية مدمرة، بسبب التنقيب والإنتاج المتسارعين للمعادن النادرة، وبسبب زيادة الاعتماد على إمدادات الطاقة الرخيصة، كالفحم، لإنتاج ألواح شمسية، وتوربينات رياح، وبطاريات، ستكون، في نهاية المطاف، عاجزة عن توفير بدائل للطاقة يمكن الاعتماد عليها.

وأوضح ان تقرير الوكالة الدولية للطاقة يتناقض مع بعض القواعد الاقتصادية الراسخة، كما يشير إلى أن من أخطر ما فيه أنه يعتمد، لبناء توقعاته، على افتراضات تعتمد هي بدورها على افتراضات أخرى، ومن ذلك القول في التقرير إن الوصول إلى الحياد الصفري يعتمد على افتراض تزايد انتشار استخدام الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهذا الافتراض مبني على افتراض أن تكلفة هذه الطاقة سائرة إلى انخفاض، وإذا عرفنا أن الافتراض الثاني تعرض لهزات كبرى في ألمانيا وفي غيرها من دول أوروبا، أدركنا هشاشة الافتراضات كلها، والتوقعات المبنية عليها.

ووفقا لتقرير مؤسسة بحوث الطاقة فإن التقرير “فشل” في أخذ عديد من العوامل الفنية الجوهرية في الاعتبار عند بناء افتراضاته وتوقعاته التي وصفها بأنها “وهمية”، ومن ذلك ضرورة وجود خطوط نقل إضافية، عالية الجهد، لربط مولدات الطاقة المتجددة بمراكز الطلب البعيدة، والتكاليف الباهظة لبطاريات التخزين، التي لا تزال تعاني عدم كفاية سعة التخزين، التي يجب أن تتوافر على مدى اتساع الشبكات، والطبيعة المتقطعة لإمدادات الطاقة المتجددة بسبب أحوال الطقس، والحاجة الماسة إلى الموازنة المستمرة بين تقطع إمدادات هذه الطاقة وتوفير الطاقة القابلة للتوزيع من مولدات تعتمد على الفحم والغاز الطبيعي.

وبين تحليل المؤسسة أن من عيوب تصورات الوكالة أنه أغفل حاجة العالم إلى استخراج كميات هائلة من المعادن المهمة التي تستخدم في صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والبطاريات وشبكات الكهرباء، إذ ترى الدراسة أن حاجة العالم إلى هذه المعادن، خاصة الليثيوم والجرافيت والكوبالت والنيكل، ستصل إلى 1800 في المائة على الأقل بحلول عام 2040، مع ما يتبع هذا التزايد في استخراج وإنتاج هذه المعادن من آثار بيئية واحتياج لمصادر للطاقة للقيام به.

ومن المؤكد أنه سيكون للتوقعات غير المدروسة، أو المبنية على افتراضات غير دقيقة أو مبتسرة، في مجال تحولات الطاقة، مثلما ورد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة، نتائج عكسية سلبية تهز الثقة بمبادئ الاستدامة عالميا، وقد ظهر هذا بوضوح، أخيرا، في ارتفاع أسعار الكهرباء للمنازل في 28 دولة أوروبية، وفي قرار حكومات أوروبية، مثل السويد، الشروع في بناء محطات نووية جديدة، وفقدان 88 في المائة من سكان ألمانيا ثقتهم بإمكان تحقيق ما يسمى “الطاقة الخضراء”. ومن أهم النتائج السلبية للافتراضات والتوقعات التي تتبناها الوكالة في تقريرها هو جعل مجال الطاقة طاردا للاستثمارات في أنشطته الحيوية، ومن المعروف أن هذه الاستثمارات تمثل عنصرا جوهريا في فاعلية واستدامة وموثوقية إمدادات الطاقة للعالم ككل، وللدول الأكثر احتياجا على وجه الخصوص.

وسبق للمملكة أن حذرت، مرارا وتكرارا، من أي توجهات قد تؤدي إلى الحد من الاستثمارات في قطاعات الطاقة المختلفة، وقد أثبتت التجارب السابقة التي شهدها العالم قبل فترات غير بعيدة، الآثار السلبية الجسيمة لعدم توفر الاستثمارات اللازمة في مجال الطاقة، عند الحاجة إليها، وصعوبة استعادة الأوضاع الطبيعية بعد انهيارها.

وأكدت هذه الأمثلة والتجارب التي مر بها العالم أخيرا، أن الوصول إلى الحياد الصفري في منظومة الطاقة، بحلول عام 2050، إذا كان ممكنا، لا بد أن يتم مع ضمان إمدادات طاقة مستقرة وموثوق بها، وبأسعار معقولة، مع تمكين كل المجتمعات من الوصول إلى الطاقة التي تحتاجها، إضافة إلى ضرورة تمكين نمو اقتصادي قوي، وكل هذا يحتاج إلى بناء واتباع مسار واقعي وعملي وفاعل واقتصادي من حيث التطبيق والتكلفة والموارد.

ويكمن الضرر كل الضرر، للعالم كله، ولاقتصاده، ولجهود مواجهة التغير المناخي وحماية البيئة التي يسعى إليها، في البناء على افتراضات يمكن ألا تحدث، وقد تخدم دولا ومجتمعات معينة ولا تخدم، بل قد تضر، مجتمعات أخرى، كما قد تترتب عليها نتائج قصيرة المدى تبدو إيجابية، فيما هي تخفي كما هائلا من السلبية فيها على المدى المتوسط والطويل، كتلك التي تتبناها الوكالة في تقريرها.

وتؤمن السعودية بأن التحدي الهائل، المتمثل في التحولات التي يشهدها مجال الطاقة العالمي، يتيح فرصة عظيمة لدول العالم وللاقتصاد العالمي على المدى البعيد، لكنه يحتاج إلى تعاون عالمي حقيقي، وتفهم متبادل بين الدول لاحتياجات بعضها بعضا، وإدراك التكاليف الكبيرة التي يتحملها اقتصاد كل دولة جراء تطبيق خطط وتوجهات هذا التحول.

وتعد السعودية جادة في التوجه نحو تحقيق التحول في مجال الطاقة، لكن بأسلوب وفكر عقلاني وعملي ومتزن، يمكن من تحقيق الأهداف المرجوة، مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ويعزز من قدرة المملكة على الوفاء بالتزاماتها، والإسهام في جهود العالم تجاه مواجهة التغير المناخي وحماية البيئة، كما يدعم تبني المملكة لمبادرات مجموعة العشرين لتيسير الوصول إلى الطاقة وتمكين الطهي النظيف للمجتمعات الأكثر احتياجا لذلك.

وفي هذا الإطار، أطلقت المملكة مشاريع عديدة لاستغلال الطاقة المتجددة، وهي تعمل حاليا لتحقيق الريادة عالميا في مجال تصنيع الهيدروجين وتصديره، كما تعمل على إنشاء مرافق هائلة القدرة لالتقاط واحتجاز وتخزين الكربون وإعادة استخدامه، كما أنها تطبق بتوسع مستمر نهج الاقتصاد الدائري للكربون، الذي طرحته إبان رئاستها مجموعة العشرين 2020، وتبنته قيادات المجموعة. كما ستواصل المملكة تشجيع الابتكار والعمل للوصول إلى الحياد الصفري، عالميا، لكن باعتماد تقنيات موثوقة علميا.

ذات صلة

المزيد