الأحد, 4 أغسطس 2024

أنسنة المدينة .. جودة تخدم الإنسان وتحافظ على الهوية العمرانية والحضارية للمنطقة

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

عززت رؤية 2030 تطبيق مفهوم أنسنة المدن وأهمية دور المواطن في ذلك، حيث تبذل المملكة جهوداً كبيرة في تحقيق التوازن البيئي لكي تنمو المدن بشكل متزن إنسانياً وبصورة تحافظ على الهوية العمرانية والحضارية للبلاد.

وتحظى المدينة المنورة بالعناية الفائقة التي يوليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، في إطار رعايتهما للمدينة المقدسة التي تحتضن المسجد النبوي الشريف، وحرص حكومة المملكة على رعاية المنطقة وتطويرها بشكل يحافظ على هويتها وتاريخها العظيم.

برنامج أنسنة المدينة هو أحد المبادرات الحضارية لتنمية وتعزيز البُعد الإنساني في المنطقة مع التطور العمراني، ويهدف إلى رفع مستوى جودة الحياة بالمدينة المنورة بتطوير وتحسين الأحياء السكنية القديمة، وذلك لتحسين الصورة البصرية للمباني بأقل التكاليف وإضافة الخدمات الترفيهية والتعليمية والصحية والفراغات والمساحات المفتوحة للأحياء بالاستفادة بالمساحات الموجودة ودون الحاجة إلى الاستملاك إلا في أضيق الحدود وذلك للمحافظة على أصالة المدينة واحترام تراثها لتعزيز التلاحم والتواصل بين أفراد المجتمع وتعظيم الفائدة والعائد الاقتصادي والاجتماعي والصحي للسكان.

اقرأ المزيد

الأحياء العشوائية القديمة في المدينة المنورة عاشت سنوات طويلة تفتقد العديد من المقومات الخدمية لساكنيها بسبب قدمها ومبانيها الشعبية المتهالكة.

ولذلك، كان لزاماً إطلاق مبادرة “أنسنة المدينة المنورة”؛ لتعزيز البعد الإنساني في المنطقة وتحسين الأحياء القديمة، وتقديم مختلف الخدمات، حماية لأصالة المكان وتنمية العمران وجودة خدمة الإنسان.

وتتمثل فكرة الأنسنة في إيجاد وتأكيد البعد الانساني في التطور والتنمية العمرانية لكافة شرائح المجتمع وذلك بتحسين الهوية البصرية ودعم وتشجيع البرامج الثقافية والترويجية والفنية وإقامة الساحات العمرانية والمناطق المفتوحة والساحات الخضراء.

وبدأت ملامح التغيير تظهر بالفعل على عدد من الأحياء فكانت باكورة المواقع التي نجحت الهيئة في تطويرها، التجربة التي شهدها الحي النموذجي في حمراء الأسد والذي سيظل شاهداً على إمكانية تحقيق تطلعات الإنسان في التحسين المستمر في بيئته المحيطة، ليكون أول الأهداف الاستراتيجية التي تحققت في هذا المشروع الذي تعيشه أحياء أخرى في الوقت الحالي بالمدينة المنورة.

منظومة التطوير والتأهيل شواهد التجربة السابقة ساهمت في وضع التصور الكامل لبرنامج “أنسنة المدينة”، لتبدأ هيئة تطوير المدينة المنورة مرحلة جديدة في منظومة التطوير والتأهيل لاستكمال المشروع في موقعٍ آخر وكان حي سيد الشهداء المحطة الثانية لهذا البرنامج التنموي، ومن ثم انتقلت مراحل البرنامج إلى حي تلعة الهبوب ليصل أخيراً إلى طريق قباء الذي يُعد الحلقة الرابطة بين المسجد النبوي الشريف ومسجد قباء على امتداد 2.8 كيلومتر في كلا الاتجاهين؛ ليتحول هذا المكان إلى تحفة معمارية ومنطقة آمنة للمشاة وتتصدر قائمة جائزة التميز السياحي في فئة المواقع السياحية الأكثر جذباً في المملكة لعام 2018

وحقق برنامج أنسنة المدينة نجاحاً كبيراً في تعزيز القيم الإسلامية والحضارية للمنطقة ضمن المخطط العام للبرنامج، ليساهم في تقريب المواقع وربطها لتسهل للزائر إمكانية زيارة المواقع المرتبطة بالسيرة في وقت قصير، بداية من المسجد النبوي والتنقل شمالاً أو جنوباً عبر الجادتين اللتين أنشأتهما هيئة تطوير المدينة المنورة وأمانة المنطقة، وذلك بربط مسجد قباء بالمسجد النبوي عن طريق جادة قباء، مروراً بعدد من المساجد والمصليات التاريخية، في حين ربط المسجد النبوي بميدان سيد الشهداء وجبل أحد من خلال جادة أحد في شمال المسجد النبوي، والتي يمكن للزائر التنقل بينها في مسافة لا تتجاوز 6 كيلومترات، وتربط معالم متنوعة في المنطقة.

كما ساهمت أنسنة المدينة في تسهيل حركة المشاة وتمكين الزائرين والمصلين وأهالي المنطقة من زيارة تلك المواقع دون الحاجة إلى وسائل المواصلات الحديثة، مع الاكتفاء بالمشي والتنقل بالوسائل الصديقة للبيئة من خلال المسارات المرتبطة بتلك المواقع ضمن مشاريع أنسنة المدن.

البُعد الإنساني لبرنامج أنسنة المدينة يُعد واحداً من أكبر المكاسب، حيث نجح البرنامج في تحسين المواقع الحيوية في المنطقة وجعلها صديقة للبيئة، وخصوصاً في المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف، كانت أحد المسارات الرئيسة التي ارتكزت عليها رؤية هيئة تطوير المدينة المنورة من خلال البرنامج الذي يشرع في تحسين كافة الأوضاع السكنية ومستويات الخدمة فيها دون الحاجة إلى إزالتها وهو ما أسهم في إحداث نقلة نوعية حقيقة ذات بُعد إنساني يعكس مدى رعاية القيادة بالإنسان قبل المكان.

وحققت أنسنة المدينة مستويات عالية من النظافة وارتقت بالجوانب الصحية للمواطنين في المنطقة، وتحققت التوأمة بين الإنسان ومدينته وجعلت من الأحياء المُستهدفة في البرنامج مواقعاً آمنة للحياة تتناسب مع المتطلبات البيئية الصحية والاجتماعية.

وشهدت البنية التحتية في المدينة المنورة تطوراً كبيراً على كافة المستويات بداية من تأهيل واجهات المباني السكنية بما يرفع من مستوى الرؤية البصرية ويحقق الارتقاء البيئي بالمنطقة، فضلاً عن وضع تصورات تسهم في إيجاد مواقع مخصصة لتنفيذ مشروعات للحدائق العامة بما يُسهم في رفع مساحة الغطاء النباتي، إلى جانب تخصيص مواقع أخرى لإنشاء ملاعب رياضية تساهم في تعزيز النشاط بين الأفراد وتخلق متنفساً ترفيهياً للأهالي.

ويُشكل برنامج أنسنة المدينة إضافة سياحية وتاريخية كبيرة للأهالي وزوار المنطقة، فضلاً عن تحويل المدينة المنورة إلى حاضنة جاذبة للاستثمارات، بهدف رفع مستوى البنية التحتية وتطوير الواجهات وتعزيز الهوية العمرانية، واستثمار مقومات الجذب السياحي وتحويل المنطقة إلى واجهة متكاملة، إضافة إلى إبراز المعالم التاريخية للزوار.

يذكر أنه تم إطلاق مشاريع تأهيل مواقع التاريخ الإسلامي بالمنطقة، التي تنفذ في أكثر من 100 موقع مرتبط بالسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، فيما يتولى مكتب تنمية الوجهة السياحية بهيئة تطوير المنطقة متابعة إنجاز المشاريع وفق الخطة الزمنية المعتمدة حتى عام 2025.

من أبرز إنجازات برنامج أنسنة المدينة: تطوير طريق وجادة قباء، تطوير حي حمراء الأسد وشوارعه، تطوير حي وميدان سيد الشهداء، تأهيل المباني في الأحياء المُطلة على المنطقة المركزية، تطوير حي تلعة الهبوب المجاور لجبل أحد، تحويل حي المخاليف من حي عشوائي إلى حي نموذجي، وتحويل حي المغيسلة إلى منظومة مرتبة تتمتع بالتناسق اللوني والبصري الهائل.

وهكذا نجحت خطة أنسنة المدينة في تحويل المنطقة إلى مجتمع منظم ومتطور عمرانياً وحضارياً، وأصبحت المدينة المنورة مؤهلة إلى استضافة الزائرين من كل مكان وإبراز الجانب المُشرق للمنطقة أمام العالم، هذا بالإضافة إلى رفع كفاءة المنطقة اقتصادياً وزيادة نسبة مساهمتها في اقتصاد المملكة بما يتواكب مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030.

ذات صلة

المزيد