الثلاثاء, 29 أبريل 2025

المؤسسات المالية التنموية .. ورقة رابحة لخلق اقتصاد مستدام

زادت الأزمات والأحداث الطارئة الأخيرة مثل جائحة كوفيد-19 والأزمة الأوكرانية والتقلبّات المناخية مثل الجفاف وشح الموارد المائية وحرائق الغابات والركود ببعض الاقتصادات من حاجة دول العالم إلى اتباع نماذج اقتصادية مبتكرة قائمة على الاستدامة والتنوع والصمود.

وتحتاج الحكومات لبناء هذه النماذج الاقتصادية القادرة على مواجهة التحديات وتعزيز التماسك الاجتماعي والرفاه إلى مؤسسات تستطيع تحريك عجلة الاستثمار المُنتِج وتوجيهه إلى القطاعات ذات الأولوية وضمان انسجام المشاريع الاستثمارية وعمليات التمويل مع خطط وفلسفة التنمية داخل الدولة وضمن رؤاها طويلة الأمد.

تحظى المؤسسات المالية التنموية (DFIs)، بمكانة الصدارة ضمن مساعي الدول الرامية إلى خلق اقتصاد متنوع ومستدام باعتبارها قاطرة للنمو في العديد من الدول، لا سيّما الدول النامية. فبينما تركز المؤسسات المالية التقليدية، مثل البنوك والصناديق الاستثمارية، في تقديمها التمويل والقروض على تحقيق العائدات، خاصة قصيرة الأجل، نجد المؤسسات المالية التنموية تركز على التنمية، فتموّل المشروعات طويلة الأمد، والأفكار التي تخدم أهدافاً وطنية مثل خلق فرص العمل والتوطين المحلي وزيادة الإنتاجية المحلية وتعزيز الاستدامة وتقليل البصمة الكربونية، وغيرها.

اقرأ المزيد

كما تتميز المؤسسات المالية التنموية عن المؤسسات المالية التقليدية، بتحمل مستوى أكبر من المخاطر التجارية، مما يوفر خياراً إضافياً للشركات أو القطاعات لتمويل نموّها وتطويرها من خلال مجموعة كاملة من المنتجات المالية.

إذ تعمد المؤسسات المالية التنموية إلى سد فجوات التمويل، خاصةً ضمن المشروعات الوطنية التي تتطلب ميزانيات ضخمة يصعب على البنوك تلبيتها. وبدوره، يشجع هذا الدعم المالي الذي يقدّم للمشاريع عالية المخاطر على حشد مشاركة مصادر أخرى لرأس المال الخاص مثل البنوك التجارية وصناديق الاستثمار وأسواق رأس المال الدولية والشركات الخاصة.

وتقدم هذه المؤسسات مجموعة واسعة من البرامج والمبادرات والقروض وتمنحها للعديد من الأطراف الفاعلة في الاقتصاد، بداية من الأسر والشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى الشركات الخاصة الأكبر حجماً التي لا تستطيع البنوك تلبية احتياجاتها المالية بدرجة كافية. فنجد المؤسسات المالية التنموية تموّل القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد، مثل الزراعة والتجارة الدولية والإسكان والسياحة والبنية التحتية والصناعات الخضراء.

وهذه الأدوار تضع المؤسسات في قلب الرؤى الكبرى للدول، وهذا ما حدث مع المملكة العربية السعودية، حينما انتقلت إلى نموذج اقتصادي جديد في عام 2016، مع إطلاق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء  رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الوطني رؤية السعودية 2030 التي تعد بمثابة نقطة تحول مفصلية، تُضاف إلى رؤى المملكة العربية السعودية الطموحة التي تدفعها دائماً إلى مركز متقدم في السباق بين الدول، إذ تهدف إلى تطويع قوة السعودية الاستثمارية لخلق اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة.

وكانت الإنجازات الكبرى التي حققتها برامج الرؤية خلال السنوات الأولى من وضعها خير دليلٍ على جديّة القيادة السعودية في تنفيذ تلك الرؤية. فعلى سبيل المثال، بلغ الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية 1.1 تريليون دولار بنهاية عام 2022 ليتصدر قائمة أقوى خمس اقتصادات عربية وفقاً لأرقام صندوق النقد الدولي.

وعلى الرغم من هذه الإنجازات الضخمة، ما زال هناك الكثير مما يتعين القيام به للوصول إلى أهداف رؤية السعودية الطموحة، وهنا يظهر دور المؤسسات المالية التنموية بالمملكة والتي لعبت دوراً أساسياً في تحقيق هذه الأهداف. إذ كانت السعودية قد ضمت صناديق تنمية مختلفة تستثمر في قطاعات حيوية مثل الغذاء والسكن والصناعة مثل صندوق التنمية الزراعية وصندوق التنمية العقارية وصندوق التنمية الصناعية السعودي، وفي 2017 وصل عددها إلى ستة صناديق، وقد تم إنشاء ستة صناديق أخرى منذ ذلك الحين.

ولكن، مع تغيّر النموذج الاقتصادي للمملكة العربية السعودية، ظهرت الحاجة إلى هيئة إشرافية لتمكين كل واحد من هذه الصناديق من تعظيم قدراته، وتنسيق أنشطتهم بشكل تام، ليظهر هنا دور صندوق التنمية الوطني، الذي تم تأسيسه عام 2017، كركيزة أساسية إلى جانب صندوق الاستثمارات العامة لدعم تحقيق رؤية السعودية 2030، وصار يشرف على هذه الصناديق والبنوك المختلفة منذ ذلك الحين.

ويعد صندوق التنمية الوطني واحداً من أكبر الصناديق المالية التنموية من حيث نسبة الأصول إلى الناتج المحلي الإجمالي في مجموعة اقتصاديات دول العشرين، إذ تبلغ أصوله نحو 496 مليار ريال سعودي، ما يمثل حوالي 17% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

وكحال العديد من المؤسسات المالية التنموية، واجه صندوق التنمية الوطني عدة تحديات، إذ كانت لا تزال هناك ممارسات تمويلية قديمة تضعف الاستدامة المالية، وهناك حاجة إلى فهم أفضل للمستفيدين من التمويل، وبنية تحتية تمويلية أفضل، ما دفع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء  رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الوطني إلى إطلاق استراتيجية الصندوق بهدف تحويله إلى ممكّن للأهداف الاقتصادية والاجتماعية لرؤية السعودية 2030، من خلال العمل على مواجهة التحديات القائمة بما يتماشى مع أفضل الممارسات، وتعزيز دوره في منظومة التمويل التنموي.

ووفقاً للاستراتيجية، يستهدف الصندوق من خلال الصناديق والبنوك التنموية التابعة له تحفيز مساهمة القطاع الخاص بما يزيد على ثلاثة أضعاف من التأثير التنموي في اقتصاد المملكة بحلول عام 2030، وضخ أكثر من 570 مليار ريال سعودي بحلول عام 2030 لتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ومضاعفة حصة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بأكثر من ثلاثة أضعاف ليصل إلى 605 مليارات ريال سعودي بحلول عام 2030.

ويلتزم صندوق التنمية الوطني بعدد من المبادئ في عملياته من بينها توظيف رأس مال كبير من خلال مجموعة واسعة من الأدوات الموجهة لدعم نشاط القطاع الخاص في مجموعة من القطاعات والمناطق الجغرافية، والحفاظ على محفظة عالية الجودة لتمويل مشروعات ذات أهداف متوافقة مع أهداف الدولة وتوجهاتها.

كما يلتزم بممارسات بيئية وأخلاقية خلال عملياته، ويتحقق من أن موارد الحكومة والقطاع الخاص منسقة بشكل صحيح، وتعمل على نفس الأهداف، ويتأكد من وجود حوكمة قوية وشفافية في السياسات والعمليات، وتطوير رأس المال البشري باعتباره الممكّن الرئيسي للتنمية.

والآن، مع عمل المؤسسات الرئيسية في البلاد على مستويات أعلى بكثير مما كانت عليه قبل خمس سنوات، يمكننا جميعاً أن نكون على ثقة من أن القطاع الخاص سيأخذ المزيد من الخطوات للأمام، وسيتمكن مواطنونا من التمتع بالازدهار وجودة الحياة التي تضعها الرؤية على رأس أولوياتها، وستحصل المملكة العربية السعودية على التقدير الذي تستحقه لمثل هذا التحول على الساحة العالمية.

 

ذات صلة



المقالات