الأحد, 25 أغسطس 2024

د. عبدالرحمن التويجري في “مسرى العمر” .. وثيقةٌ اقتصادية ودليلٌ إرشادي للنجاح والتحدي

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

تُحظى كتب السير الذاتية بأعلى معدّلات القراءة عالمياً، وذلك لما فيها من التجربة الفردية والتفاصيل الهامشية التي تصنع الفرق والجمال الآسر في خصوصية التجربة الإنسانية بين كاتبٍ وآخر، فكيف إذا كان كتاب السيرة الذاتية هذا قد كتبه واحدٌ من أهم الأسماء الاقتصادية في المملكة، ورجلٌ مخضرمُ عايش معظم مراحل التقدم والازدهار؟.

يكتب الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز التويجري كتابه “مسرى العمر” مدوناً مسيرة حياته المهنية الغنية والمشرفة، بعنوان فرعي “سيرة في دروب الاقتصاد”، إلا أنه؛ وبصنعةٍ كتابيةٍ رفيعة، يشرح من خلال الشخصي والخاص المناخ العام وينقل الأحداث المحيطة ويسقطها على مسيرته المهنية ومضيه قدماً في قطاع الاقتصاد الذي أصبح أحد أهم صناع القرار فيه على مدى سنوات طوال.

إن سيرة الكاتب الممتدة تحتاج كتباً لتحيط بها، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الذي لا يوثق للتويجري وحسب، بل يؤرخ لمرحلة زمنية طويلة عاشتها المملكة في طريقها نحو الرسوخ الاقتصادي وتأهيل رجالات من أبنائها في كل القطاعات، فقد درس عبدالرحمن التويجري في جامعة الملك سعود ونال الدكتوراة من جامعة آيوا عام 1985، ليعود إلى المملكة ويحاضر في جامعته الأولى، وقد تبوأ بعدها منصب ممثل المملكة في صندوق النقد الدولي، والمدير التنفيذي، كما تسنم التويجري منصب رئيس مجلس هيئة السوق المالية السعودية بمرتبة وزير بين 2006 و2013، إلى جانب كونه عضو مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية وأمين عام المجلس الاقتصادي الأعلى من 1999 إلى 2009، هذا إضافة إلى العديد من العضويات والمناصب الأخرى التي وضعته على سدّة الأسماء الاقتصادية الوطنية في المملكة وخارجها.

اقرأ المزيد

من المجمعة إلى العالم
بسحرٍ أدبيٍ بالغ، يصف عبدالرحمن التويجري السنوات الأولى في مدينة المجمعة، حيث ولد، معرجاً على سيرة والده عبدالعزيز رحمه الله، والذي كان من المعلمين الروّاد في المجمعة، ويلفت نظر قرّاءه – بلطفٍ بالغ – فضل العلم وأثر الإرادة والعائلة في التكوين العلمي الصلب.

ويلفت الكاتب إلى قوة تأثير البدايات، حيث يقول بعد أن جاب العالم ورآه بأن أول رحلة كانت وتظل هي أهم رحلة قام بها، وكانت إلى مدينة “رحيمة” في المنطقة الشرقية، حيث يعمل عمّه في أرامكو، وحيث رأى السينما لأول مرة، ووسط اشتباك هذه الأحداث الشخصية ينتقل منها الكاتب بحصافة إلى أهمية أرامكو وبدايات الرسوخ الاقتصادي للمملكة، ويمرّ على فضل المتعلمين الأول والوطنيين الذين ساهموا في نهضة المملكة.

في الأجزاء الأولى من الكتاب نقرأ نموذجاً رائعاً لتفسير العام من خلال الخاص، وشرحاً وافياً لأثر الحياة الأولى على بقية المكتسبات اللاحقة.

من البعثة إلى هيئة السوق المالية
بعد السنوات الأولى التي يرويها الكاتب بعناية واقتدار ممهداً للمسيرة المهنية ومشيراً إلى أولى تلك الإشارات التي دفعت به إلى اتخاذ الاقتصاد كتخصص أول، يحكي التويجري كيف عمل كسائق أجرة في أيام العطل إلى جانب دراسته التي ظل بها متفوقاً لا يعطلها شيء، وإصراره على نيل شهادة الدكتوراة، فيأخذنا معه في رحلة قصيرة إلى لندن قبل أن نذهب معه إلى الولايات المتحدة بعد سنة الإعادة في الجامعة وتفوقه الذي ميزه في كل المراحل، ويعيش معه القارئ لذة التفاصيل في الغربة والكفاح والإصرار الملهم.

وفي تفاصيل استلامه لرئاسة هيئة السوق المالية الكثير من لحظات الفخر والحماسة التي ينقلها الكاتب بدقة وصدق، حيث يروي تفاصيل اتصال الديوان الملكي به ومن ثم خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينها، فهنأه وأوصاه بإعطاء هذه المهمة حقها من الاهتمام والالتزام. ووصف كيف أعد البيان الصحفي إذ لم يكن مستعداً ولا متوقعاً لمثل هذا المنصب.

ختاماً؛ إن كتاب مسرى العمر ليس سيرة ذاتية فحسب، بل إنه وثيقة أدبية وتاريخية واقتصادية لسنوات طوال مرّت على المملكة وشكلت فارقاً في ما نراه اليوم، كما يُعدّ الكتاب دليلاً إرشادياً للطامحين ومحبي النجاح والتحدي.

ذات صلة

المزيد