شهدت المدينة المنورة عدة مراحل من التحول الحضري تميزت بإنشاء تجمعات سكنية جديدة للنازحين من المنطقة المركزية ضمن نطاق النمو العمراني لعام 1450 على طول الطرق الدائرية الرئيسية الثلاثة.
واستعرض تقرير “مرونة المدينة المنورة نحو مستقبل صامد ضد المخاطر” الصادر مؤخراً عن هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة، التحديات الديموغرافية والاجتماعية الاقتصادية والبنية التحتية والبيئية التي تواجهها السلطات البلدية في المدينة المنورة عند سعيها لتحقيق القدرة على الصمود الحضري والتنمية المستدامة في المدينة، حيث شملت التحديات وجود أنماط نمو وتنمية حضرية غير متوازنة ملحوظة تتسم بكثافة عالية في الأحياء الفقيرة في المركز وكثافة منخفضة في أطراف المدينة، وتوافد منتظم للسكان من بلدان أخرى، ونسبة عالية من التجمعات السكنية غير المخططة والأحياء القديمة، خاصة في المناطق العرضة للكوارث.
وأشار التقرير إلى أن المدينة المنورة تتميز بصغر سن سكانها، حيث إن نصف سكانها تقل أعمارهم عن 25 عام، حيث لا يملك الأطفال والشباب عادةً الموارد أو الاستقلالية اللازمة للاستعداد للكوارث، لذلك فإنهم يتأثرون بشكل كبير بالكوارث، وبما أن عدم الاستقرار المناخي يؤدي إلى مزيد من الكوارث المرتبطة بالطقس، فإن المخاطر التي يتعرض لها أصغر أفراد المجتمعات ستستمر في الزيادة.
وأكد أن تضخم أعداد الشباب لا يشكل دائماً تحديات فالشباب المتعلمون يتمتعون أيضًا بمزايا نسبية كعائد ديموغرافي يمكن ترجمته إلى فرص اقتصادية واجتماعية، ومع ارتفاع نسبة النساء العاطلات عن العمل من إجمالي عدد السكان، فإن المدينة المنورة أكثر قابلية للتأثر بالمخاطر، إذ غالبًا ما تعتبر النساء خاصة غير المستقلات اقتصادياً من بين الفئات الأكثر قابلية للتأثر في أوقات الكوارث لأنهن يتعرضن لمزيد من المخاطر بسبب أدوارهن المتنوعة مثل رعاية الأطفال وأفراد الأسرة الأكبر سناً والأشخاص ذوي الإعاقة قبل وأثناء وبعد وقوع الكارثة، وفي الوقت ذاته فإن النساء يستجبن للكوارث الطبيعية بشكل مختلف مقارنة بالرجال.
وأوضح التقرير أن هناك عامل ديموغرافي آخر من عوامل القابلية للتأثر يتمثل في موجة العمال الوافدين الذين يمثلون أكثر من 41% من سكان المدينة، ونظرًا لانخفاض مواردهم الاقتصادية، يعيش معظم هؤلاء الوافدين في أحياء فقيرة قابلة للتأثر بالكوارث، مشير التقرير إلى أنه عند تصميم استراتيجيات القدرة الحضرية على الصمود في المناطق الحضرية يجب النظر بعناية في مكامن التأثر الخاصة بالوافدين.
وبيّن التقرير أيضاً أن المدينة تعاني من اختلال التوازن الاجتماعي البيئي والاقتصادي، حيث تتسم بارتفاع معدلات البطالة وانخفاض نسبة مشاركة القوى العاملة، خاصةً من النساء، وعدم المساواة بين الجنسين بشكل ملفت، بالإضافة إلى تفاوت الوضع الاجتماعي الاقتصادي بين الأحياء، وأشار التقرير إلى أنه يتسم الطلب واستخدام البنية التحتية والخدمات بالاستهلاك المفرط للمياه والطاقة، والاعتماد المفرط على مصدر واحد للمياه (محطات التحلية في ينبع)، وانخفاض استخدام الطاقة المتجددة ومياه الصرف الصحي المعالجة للأغراض المنزلية.
وأشار إلى أن التحضر السريع في المدينة أثر أيضاً على المعالم التاريخية والثقافية التراثية التي تستدعي الحفاظ عليها وصيانتها إلى جانب التنمية العمرانية المستقبلية، كما يتطلب تنامي أعداد الحجاج والمعتمرين الوافدين إلى المدينة ايجاد بيئة متداخلة مع سكان المدينة.
وفي السياق ذاته، نوه التقرير على ضرورة إيجاد أفضل السبل لتحقيق التوازن بين الأبعاد البيئية والاجتماعية للمدينة المنورة لضمان أن تكون شاملة وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة، حيث يقدم التحضر السريع في المدينة المنورة فرصًا لاقتصاديات الحجم والتكتل وكذلك الابتكار، لكنه سيتطلب أيضًا استثمارات كبيرة للاستجابة للطلب المتزايد على البنية التحتية والخدمات الحضرية القادرة على الصمود، من أجل حماية البيئة مع تحقيق النمو الاقتصادي.