الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشكل مصطلح “عدم اليقين” العنوان الأبرز لوصف المشهد الاقتصادي العالمي، وهو ما انعكس أيضًا على منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، استضاف صندوق النقد الدولي، ممثلًا بمكتب الرياض، جلسة بعنوان “التطورات والآفاق الاقتصادية العالمية والإقليمية” لمناقشة هذه التحديات واستشراف المستقبل الاقتصادي لدول الخليج والمنطقة.
وقال عبدالمحسن الخلف، نائب وزير المالية، خلال مشاركته بالجلسة: إن هناك عددًا من المتغيرات والعوامل المتداخلة التي تؤكد أن الاقتصاد العالمي يواجه تحديات كبيرة، يأتي في مقدمتها حالة عدم اليقين، التي أثّرت بالفعل على ثقة المستثمرين والأوضاع المالية.
وأضاف الخلف أن من المهم بل من الضروري أن تتبنى دول المنطقة إصلاحات هيكلية جادة في هذه المرحلة، لما لها من دور في تعزيز الإيرادات وإتاحة مساحة للتعامل مع الصدمات الخارجية، ووضع الاقتصادات على مسار التنمية المستدامة. وأكد أن هذا المسار لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إصلاحات شاملة تدعم الاقتصادات وسط هذه الظروف المعقدة.
وأشار إلى أن المملكة، ومنذ إطلاق رؤية 2030، نفذت حزمة واسعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية والهيكلية لتنويع مصادر الدخل والابتعاد عن الاعتماد على النفط، حيث وصلت مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 52% من الناتج المحلي، كما شهدت الإيرادات غير النفطية نموًا ملحوظًا.
وبيّن أن هذه الإصلاحات عززت قدرة المملكة على الصمود، وأنها اليوم تواجه الصدمات الخارجية من موقع قوة، مؤكّدًا أن المملكة تمتلك الأدوات والخيارات السياسية اللازمة للتفاعل مع التحديات.
من جانبه، قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي استفادت من جهود التنويع، وحققت نموًا مستدامًا خلال السنوات الأخيرة يتراوح بين 3% و4%، ويصل إلى 5% في بعض الحالات، رغم التمديد المتكرر لاتفاق “أوبك بلس”.
وأضاف أزعور أن هذا المنتدى يعكس رؤية المملكة لأهمية التعددية، مشيرًا إلى أن مكتب الرياض يلعب دورًا متعدد الأبعاد في دعم دول المنطقة، وفي خلق منصة للحوار وتبادل الآراء حول القضايا الاقتصادية والديمقراطية، وهو ما يعكس الدور الدولي المتنامي للمملكة.
وأوضح أزعور أن العرض الذي قدّمه كان سيتغير لو قُدم قبل أسبوعين أو ثلاثة فقط، في ظل تسارع الأحداث الاقتصادية. وأشار إلى أن ذروة “عدم اليقين” سُجّلت في بداية أبريل، لكنها بدأت بالانخفاض تدريجيًا. كما لفت إلى ارتفاع الرسوم الجمركية، خصوصًا في الولايات المتحدة، من أقل من 5% إلى 30% خلال فترة قصيرة.
وأكد أن هذه التغيرات تؤثر مباشرة على اقتصادات العالم والمنطقة، لافتًا إلى أن الجغرافيا السياسية أيضًا تمثل مصدرًا أساسيًا لعدم اليقين، حيث عانت دول مثل لبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة من خسائر اقتصادية قد تصل إلى 60% من الناتج المحلي.
بدوره، قال بندر محمد الحمالي، الرئيس التنفيذي لصندوق “جدا”، إن أحد النماذج الناجحة كان انتقال شركة إلى المملكة عبر مشروع مشترك أدى إلى تأسيس أربع شركات جديدة، وساهم في نقل التكنولوجيا بدلاً من استيرادها.
وأشار إلى أن هناك توجهًا آخر يتمثل في تصدير التكنولوجيا، مستشهدًا بشركة “أسس” السعودية التي استُثمر فيها عبر أحد مديري الصناديق، حيث طورت البنية الرقمية لمترو الرياض، وتوسعت إلى الهند وجنوب شرق آسيا، وطورت خدمة الجيل الخامس في مطار بنغالور، ما يعكس توجه المملكة لتوسيع قاعدة صادراتها التقنية.
وفي السياق ذاته، قال جمال الكشي، الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في دويتشه بنك، إن هناك تكتلًا اقتصاديًا محتملًا في المنطقة يضم دولًا مثل مصر وتركيا وإيران والعراق ودول الخليج ولبنان وسوريا واليمن، ويملك عدد سكان يوازي ضعفي بعض الاقتصادات الكبرى، وأغلبهم من الشباب المتصلين رقميًا والطموحين.
وأكد الكشي أن هذه الطاقات إذا تم تنظيمها ضمن تكتل إقليمي تقوده المملكة برؤية استراتيجية، فإن المنطقة يمكن أن تتحول إلى محرك رئيسي للنمو العالمي لعقود مقبلة، خصوصًا مع تنويع الموارد وتفعيل القطاع الخاص.
وتحدّث الكشي أيضًا عن تحفظ قطاع الخدمات المالية في المنطقة تجاه الذكاء الاصطناعي، بسبب الاستثمارات السابقة في البنى التحتية التقنية. وقال إن البنوك تتردد في تبني الذكاء الاصطناعي خشية التقليل من قيمة أصولها التقنية الحالية، مؤكدًا أن هذا التحدي قصير الأمد، وأن التوجه نحو الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه على المدى الطويل.
وشدد على ضرورة توسيع وتعميق أسواق رأس المال المحلية وتسهيل الوصول إلى رؤوس الأموال العالمية، مؤكدًا أن المملكة، بما لديها من طموحات كبرى، تحتاج إلى تنوع مصادر التمويل، وأن هناك ثروات تبحث عن فرص طويلة الأجل يمكن توجيهها بشكل فعّال.
وأكد أيضًا أن الجهات التنظيمية في المملكة، سواء البنك المركزي أو هيئة السوق المالية، تتمتع بمستوى عالمي، وأن من الحكمة تعزيز أدوات الرقابة الاستباقية لمراقبة السيولة ونقاط الضعف المحتملة في ظل حالة عدم اليقين.
واختتمت الجلسة التي جمعت عددًا من صناع السياسات وقادة الأعمال والدبلوماسيين والأكاديميين، بالتأكيد على أهمية تعزيز السياسات الداعمة للنمو والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لمواجهة التحديات العالمية الراهنة بثقة واستباقية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال