3666 144 055
[email protected]
كانت الأزمة المالية لعام 2008 بمثابة نقطة تحول للصناعة المصرفية حيث كشفت عن جوانب للنظام المصرفي تتطلب إصلاحات وشددت على الحاجة إلى لوائح أقوى لضمان استقرار النظام المصرفي وحماية المودعين. وتركز جُلَّ اهتمام المنظمين على الأنظمة المتعلقة بالسيولة والودائع، والتي أصبحت ذات أهمية متزايدة في السنوات التي تلت الأزمة، وبالتالي أصدر المنظمون في جميع أنحاء العالم مجموعة من اللوائح الجديدة لتعزيز السيولة وحماية الودائع في النظام المصرفي.
وكان أحد أهم جوانب هذه التغييرات هي القواعد المتعلقة بالسيولة وتحديداً معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR)، مما أدت هذه التغييرات إلى تأثيراً واضحاً على عملية إدارة البنوك للسيولة والودائع. ظهرت قواعد (NSFR) و (LCR) كجزء من الإطار التنظيمي الدولي لاتفاقية بازل 3 (Basel III) المطور من قبل لجنة بازل للرقابة المصرفية استجابة للأزمة المالية لعام 2008. وصمم الإطار التنظيمي لتعزيز استقرار ومرونة النظام المصرفي من خلال زيادة متطلبات رأس المال ومعايير السيولة للبنوك، وهي مقسمة إلى ثلاث ركائز رئيسية يعالج كل منها جزء مختلف من التنظيم المصرفي.
تتمثل الركيزة الأولى من الإطار التنظيمي لاتفاقية بازل 3 الحد الأدنى لمتطلبات رأس المال التنظيمي التي يجب على البنوك الوفاء بها، ويعد معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR) جزء من هذه الركيزة. ويقصد بمعيار صافي التمويل المستقر (NSFR) المعيار الذي يهدف إلى رقابة السيولة طويلة الآجل للتأكد من تلبية احتياجاتها التمويلية على مدى سنة قادمة، ويتم احتساب المعيار بقسمة التمويل المستقر المتاح للبنك على تمويله المستقر المطلوب. والتمويل المستقر المتاح هو مصادر التمويل على جانبي حقوق الملكية والمطلوبات لكل بنك، بينما التمويل المستقر المطلوب هو الجزء من الأصول داخل الميزانية وخارجها، ويؤكد معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) بالمحافظة على نسبة 100% كحد أدنى، وذلك بأن البنك لديه تمويل ثابت وكافٍ لتلبية احتياجاته التمويلية طويلة الأجل. علماً بأن معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) يعزز متانة البنك على المدى الطويل في ضوء توافق استحقاقات الأصول داخل الميزانية وخارجها.
من ناحية أخرى، يهدف معيار تغطية السيولة (LCR) إلى رقابة السيولة قصيرة الأجل والتي تقيس قدرة البنك على تلبية احتياجات السيولة للتأكد من الوفاء بالتزاماته على مدى 30 يوم قادمة، ويتم احتسابه بقسمة الأصول السائلة عالية الجودة للبنك على صافي التدفقات النقدية الخارجة على مدار 30 يوم قادمة، ويؤكد معيار تغطية السيولة (LCR) بالمحافظة على نسبة 100% كحد أدنى، وذلك بأن البنك لديه ما يكفي من الأصول السائلة عالية الجودة لتغطية صافي التدفقات النقدية الخارجة على مدار 30 يوم قادمة. ويعزز معيار تغطية السيولة (LCR) لدى البنك مرونة إدارة مخاطر السيولة من خلال ضمان كفاية الأصول السائلة عالية الجودة لتخطي أزمات السيولة على مدار 30 يوم قادمة.
مع العلم بأن إدخال معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR) له تأثير كبير على البنوك، حيث كان عليها تعديل عملياتها لضمان الامتثال للقواعد الجديدة. على سبيل المثال، كان على البنوك مراجعة هياكل التمويل الخاصة بها وتعديل ميزانيتها العمومية لزيادة حجم التمويل المستقر والأصول السائلة عالية الجودة التي تمتلكها. وفي تقرير بعنوان ” Basel III Monitoring Report” نشر من قبل بنك التسويات الدولية (BIS) في عام 2019، ألقى الضوء على نسب معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR) للبنوك في دول مجموعة العشرين (G20). وأشار التقرير بأن نسب صافي التمويل المستقرة زادت من 91% في عام 2009 إلى 109% في عام 2019، مما يعني تمكن البنوك من التكيف مع القواعد الجديدة والحفاظ على وضع تمويلي مستقر.
ومع ذلك، قد يتساءل البعض لماذا انهار بنك سيليكون فالي (SVB) بالرغم من قوة تشريعات السيولة والودائع المستحدثة بعد الأزمة المالية لعام 2008؟
تأسس بنك سيليكون فالي (SVB) عام 1983 ويحتل المرتبة السادس عشر بين البنوك الأمريكية من ناحية حجم الأصول قبل الانهيار. ويركز البنك على خدمة الشركات الناشئة والشركات عالية النمو والتي تعد محفوفة بالمخاطر، وغالباً ما تحتاج هذه الشركات إلى تمويلات عالية وقد لا تحقق أرباحاً لعدة سنوات، وبذلك يكون الحفاظ على السيولة الكافية تحدياً للبنك. مما يجعل من الضروري للبنوك مثل SVB الامتثال للقواعد الخاصة بالسيولة للتأكد من أن لديها أموالاً كافية لمواصلة العمل أثناء الأوقات الاقتصادية الصعبة، تجنباً لفقدان ثقة العملاء وعدم الاستقرار المالي، كما رأينا في حالة بنك سيليكون فالي (SVB).
على الرغم من أن قواعد السيولة التي تم شرحها مسبقا تحمي البنوك في الأوقات الاقتصادية الصعبة، إلا أن SVB لم يكن خاضعاً لقواعد السيولة وذلك وفق التقرير السنوي للسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر 2022 وجاء فيه “نظراً لأن البنك من الفئة الرابعة مع أقل من 250 مليار دولار في متوسط إجمالي الأصول الموحدة، فنحن حالياً لا نخضع للمجلس الاحتياطي الفيدرالي فيما يتعلق بمتطلبات معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR)، إما على أساس كامل أو منخفض”، علماً بأن المجلس الاحتياطي الفيدرالي جعل معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR) محصور على البنوك الكبيرة وذلك في بيان سابق بعنوان “إصدار القاعدة النهائية لتعزيز مرونة البنوك الكبيرة” في عام 2020.
ومن الأسباب الرئيسية لانهيار بنك سيليكون فالي (SVB) الافتقار إلى التنويع والتشغيل المصرفي التقليدي. وتجاهلهم بالتنويع في المحفظة الاستثمارية للبنك، حيث أستثمر البنك ما يقارب 91 مليار دولار من الودائع في سندات طويلة الأجل. وعندما ارتفعت أسعار الفائدة، انخفضت قيمة هذه السندات، مما تسبب في انخفاض المحفظة الاستثمارية للبنك. وكذلك العامل الآخر الذي ساهم في انهيار البنك هو تدافع العديد من العملاء بسحب ودائعهم في وقت واحد بسبب مخاوف من الملاءة المالية للبنك، حيث كان العديد من المودعين في SVB من الشركات الناشئة والشركات عالية النمو التي أودعت مبالغ نقدية عالية تتجاوز التغطية التأمينية على الودائع بمقدار 250 ألف دولار للمؤسسة الفيدرالية للتأمين (FDIC)، علماً بأن 2.7% من الحسابات في SVB تمتلك 250 ألف دولار وأقل، أي أن 97.3% من الحسابات في البنك تتجاوز التغطية التأمينية في حال انهيار البنك. ولم يكن لدى SVB السيولة النقدية الكافية لتغطية سحب المودعين لأنها كانت مقيدة قي استثمارات طويلة الأجل.
ختاماً، بعد هذه الأزمة من الواضح أن الامتثال للإطار التنظيمي الدولي لاتفاقية بازل 3 (Basel III) كقواعد معيار صافي التمويل المستقر (NSFR) ومعيار تغطية السيولة (LCR) أمر بالغ الأهمية لسلامة واستقرار القطاع المصرفي. من المهم أيضا التذكر بأن اللوائح والقواعد وحدها لا يمكن أن تمنع مثل هذا الانهيار. ويتطلب الأمر مزيجاً من اللوائح والقواعد والممارسات المصرفية المسؤولة وقراءة سليمة للمخاطر لضمان استقرار النظام المصرفي، وبذلك سوف يستمر القطاع المصرفي في التطور والتكيف مع الظروف الاقتصادية المتغيرة من خلال تطوير المنظمين للأنظمة واللوائح لتفادي حدوث أزمة مالية أخرى.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734