المشكلة الأساسية في وضع الأنظمة المالية هي آثارها المتناقضة؛ فالضريبة على السلع المستوردة مثلاً تدعم المنتج المحلي، لكنَّها قد تضر بجاذبية الأسواق الوطنية بالنسبة للمستهلكين.
لذا، تُحاوِلُ الدول الاستقرار على منهجٍ ضريبيٍّ متوازنٍ يَحمِي الصناعة الوطنية ويُحافِظُ على مستوى من الجودة في السلع والخدمات بما يتوافَقُ مع المعايير التي يَطلُبُهَا المستهلك.
أمَّا في الموانئ والعابر الحدودية والمطارات، فإنَّ المسافرين في هذه الأماكن الانتقالية بين أقاليم الدول قد ينفقوا مبالغاً كبيرةً نتيجة احتياجاتِهِم لسلعٍ أو خدماتٍ ضروريةٍ، كما أنَّ المسافرون أغلبهم من الأجانب الذين يحمِلُون عملاتٍ أجنبيةٍ معهم، ممَّا يجعلهم أحد مصادر الاحتياطي النقدي للدولة.
وليس من المنطقي إخضاع مشتريات المسافرين في المنافذ لذات القواعد الضريبية التي يتمُّ تطبيقها في الإقليم الداخلي للدولة، والسبب أنَّ هذه المنافذ تُمثِّل مرحلة عبورٍ وليست سوقاً محليةً، كما أنَّ مُعَامَلَتِهَا بشكلٍ صارمٍ ضريبياً قد يَدفَعُ المسافرين إلى تأجيل مشتريَاتِهِم لغاية الوصول إلى معبر دولةٍ أخرى، وهكذا تخسر الدولة الأولى سوق العبور هذا.
بناءً عليه، فقد تعارَفت الدول على إنشاء أسواق حرة في مناطق العبور منها وإليها، بحيث تكون معفاةً تماماً أو جزئياً من القيود الضريبية والجمركية التقليدية المُطبقة في الأسواق المحلية.
وقد صَدَرَ مؤخَّراً من مجلس الوزراء القرار رقم (114) بتاريخ 10-2-1444 هـ الذي أعاد تنظيم مسألة إنشاء الأسواق الحرة في المملكة.
وقد جاءت أهم قواعد القرار الجديد بخصوص إنشاء الأسواق الحرة، ما يلي:
- سلطة إنشاء الأسواق الحرة: مَنَحَ التعديل الجديد تفويضَاً لوزير المالية من مجلس الوزراء بإنشاء أسواق حرة في المملكة؛ كون الوزير هو رئيس إدارة هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
- الإطار الجغرافي للأسواق الحرة: تكون هذه الأسواق في المنافذ البرية والجوية والبحرية، فلا يجوز إنشاؤها في أي منطقة داخل المملكة لا تحمل طبيعة المنفذ؛ والسبب أن الأسواق الحرة هي أسواق عبور.
- الإطار الاستهلاكي للأسواق الحرة: يتمُّ السماح بالبيع في المناطق الحرة للمسافرين حصراً، سواءً أكانوا من القادمين للمملكة أم المُغَادِرِين منها. فلا يجوز للشخص العادي أن يشتري من الأسواق الحرة حتى وإن كان وجوده مشروعاً فيها، كأن يكون موظفاً أو عاملاً وخلافه؛ والسبب أنَّ هذه الأسواق مُوَجَّهةٌ للشخص الذي سيُغادر المملكة أو سيدخل إقليمها لكن بصفة مسافرٍ.
- الإطار الجمركي للأسواق الحرة: يتمُّ تنظيم مسائل الجمارك والضرائب بموجب قرار وزير المالية بإنشاء السوق الحرة، لكن يجب أن يَتَقَيَّدُ القرار بنظام الجمارك الخليجي الموحد، فالنظام الخليجي يَحظَى بقوّة النظام بعد الموافقة عليه من المرسوم الملكي رقم (م/41) بتاريخ 3-11-1423 هـ.
- سلطة تسهيل ممارسة الأسواق لنشاطها: وهي عبارةٌ عن لجنةٍ دائمةٍ يتمُّ تشكيلها برئاسة هيئة الزكاة وعضوية وزارة النقل، والاستثمار، والتجارة، والهيئة العامة للطيران المدني، والهيئة العامة للموانئ، والمؤسّسة العامة لجسر الملك فهد، والمديرية العامة للجوازات، بحيث يكون الهدف الأساسي من هذه اللجنة توفير دعمٍ فوريٍّ لتجاوز أية عقباتٍ يمكن أن تُوَاجِهَ الأسواق الحرة؛ والسبب أنَّ هذه الأسواق هي أسواقٌ استثنائيةٌ تعمل وفق آلية مغايرة للأسواق العادية لذا فإنَّها قد تتطلَّب التدخُّل المرن لضمان استمرارها، وتسريع وتيرة عملها.
هذه القواعد وردت في القرار الجديد الذي يُنَظِّمُ بشكلٍ أساسيٍّ سلطة القرار في إنشاء السوق الحرة وحدودها وتسهيل عملها، أمَّا القواعد الجمركية فنَجِدُها في النظام الجمركي الخليجي الموحد كالتالي:
- الحركة الحرة للبضائع من وإلى الأسواق الحرة (م/78-أ): حيث إنَّ أهم ميزة تتمتَّع بها هذه الأسواق هو تَحَرُّرُهَا من الضرائب والرسوم الجمركية، فهذا من الغايات الأساسية للأسواق الحرة.
- البقاء الحر للبضائع في الأسواق الحرة (م/78-ج): وهذا يعني أنَّه لا يوجد سقفٌ زمنيٌّ أقصى لبقاء البضائع داخل الأسواق الحرة، طالما دخلت على أساس أنَّها بضائعٌ تخصُّ هذه الأسواق.
- يسري على هذه القواعد بعض المحظورات، مثل عدم جواز إعادة التصدير من خلال الأسواق الحرة إلاَّ وفق إجراءات الجمركية لإعادة التصدير (م/78-ب)، كما أنَّ القانون الخليجي حظر بيع بعض الممنوعات (م/80).
وبالمحصِّلة، تبدو السوق الحرة فرصةً ذهبيةً بالنسبة للمسافر الذي يُرِيدُ شراء بضائعٍ لاستخدامه الشخصي وفق شروط السوق لأن هذه البضائع ستكون أقل تكلفة عليه بسبب الإعفاء الضريبي، كما أنَّ هذه السوق تُساهِمُ في تحريك الطلب وزيادة مخزون الدولة من العملات الأجنبية، وهكذا يمكن اعتبار الأسواق الحرة من أدوات النمو المالي والاقتصادي.
لكن حتى لا تتحوَّل السوق الحرة إلى وسيلة للتهرُّب الضريبي، فيمكن اتِّخاذ ما يلي:
- تحديد عدد مرَّات الاستفادة من الأسواق الحرة وفق عدد مرات السفر من المملكة أو إليها.
- وضع مبلغ أقصى لاستفادة من إعفاءات السوق الحرة، وذلك بغرض التأكُّد من أنَّ الشراء يهدف للاستعمال الشخصي.
- وضع نسبٍ ضريبيةٍ مُتَدَرِّجَةٍ في حالة تجاوز عدد مرَّات الشراء القصوى المسموح بها، أو المبلغ الأقصى للشراء.