3666 144 055
[email protected]
يقال ان “الازمات الاقتصادية والمالية ضررها على الدول أشد من ضرر اعتى الجيوش”. لذلك، لابد من الحديث في سلسلة من المقالات عن جذور الازمة الاقتصادية لعام 2008 والتي بدأ في سبتمبر 2008م، عندما قدم بنك ليمان برذرز القابضة عريضة في المحكمة الامريكية للإفلاس في جنوب مدينة نيويورك. بالطبع، إنه لحدث جلل، حيث ان قضية الإفلاس هذه تعتبر أكبر قضية إفلاس مرت في تاريخ أمريكا. وعندما اقول اكبر قضية إفلاس، فهذا نابع من كونها شركة مالية تبلغ من العمر ١٦٧ عام. تأسس في عام 1847 بعدد موظفين يتجاوز 25ألف موظف حول العالم، وكان رابع اكبر شركة مالية في أمريكا. كانت أعماله:متنوعة وتتمحور في مجال المصارف والاستثمار، فكان من أنشطته ممارسة الأعمال التجارية في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية ، الاكتتاب وحقوق الملكية وتداول الأوراق المالية، والسندات المالية خاصة سندات الخزانة الأمريكية، والبحوث المالية ، وإدارة الاستثمارات، وادارة الأسهم الخاصة ، والخدمات المصرفية الخاصة. فلنا أن نتخيل، افلاس شركة بهذا الحجم في، وبهذا التنوع في الانشطة يقدم عريضة إفلاس لدى المحكمة. فهذا يعني انهيار سوق مؤشر الداو جونز في سوق الأسهم الامريكية، وهذا يعني زعزعة الثقة في النظام المالي بسبب انعدام الثقة بالحكومة التي لم تستطيع إدارة الازمة. كما ان هذا الافلاس قاد الصناديق الاستثمارية ببيع اسهمها وسحب الأموال للحد من خسائر انهيار سوق الأسهم. ومن هنا بدأت الاصوات ترتفع، لتحديد سبب هذا الانهيار والدخول في مرحلة الازمة الاقتصادية.
تبدأ قصتنا من عهد الرئيس روزفلت عندما سعى الى اتخاذ تدابير اصلاحية تهدف إلى منع تكرار انهيار سوق الأسهم عام 1929 ومعالجة وموجة إخفاقات البنوك التجارية التي أعقبت ذلك. والتي جعلت الثقة في القطاع المصرفي الأمريكي تنهار مما شجع الناس آنذاك على الاحتفاظ باموالهم في منازلهم بدلا من البنوك، خشية تعرضهم للإفلاس نتيجة الممارسات المتهورة من القطاع المصرفي. في ذلك الوقت دخل الاقتصاد الأمريكي في مرحلة الكساد. بعد دراسة الوضع و تقييم اسباب اخفاق هذا القطاع، تم التشخيص بأن التدخل المفرط للبنوك التجارية في أسواق الأسهم هو السبب الرئيسي للانهيار المالي. كان يعتقد أن البنوك التجارية تجازف بأموال المودعين من دون أن يكون لديها مؤشرا واضحا من المخاطر. من هنا جاء قانون جلاس ستيجال. الموضوع الرئيسي لهذا القانون كان الفصل بين الخدمات المصرفية التجارية والخدمات الاستثمارية. بمعنى أن البنوك لا يجب أن تعمل في النشاط المصرفي والاستثماري معا. وانما يجب ان تفصل بين النشاطين. بمعنى أن يكون البنك عمله منصب على الأعمال المصرفية. ويمكن أن يتم تأسيس شركة اخرى ليكون نشاطها استثماري بحت. وبناء عليه، ركز القانون على اربعة موضوعات اساسية. هذه الموضوعات متمثلة في منع البنوك التجارية التي تملك عضوية في الاحتياطي الفيدرالي من:
– التعامل في الأوراق المالية غير الحكومية
– الاستثمار في الأوراق المالية لأنفسهم
– الاكتتاب و توزيع الأوراق المالية غير الحكومية
– العضوية (أو مشاركة الموظفين) مع الشركات المشاركة في مثل هذه الأنشطة المذكورة أعلاه.
وتم إعطاء البنوك فترة سنة بعد سريان القانون للاختيار بين أن تكون بنوك تجارية أو بنوك استثمارية. و كاستثناء في حالات محددة في النظام، يسمح للبنوك التجارية بضمان السندات الحكومية بنسبة لا تزيد عن 10% .
مهندس هذا القانون هنا اثنان، كارتر جلاس و باسكوم ستيجال. السناتور كارتر جلاس ، وزير الخزانة السابق ومؤسس نظام الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة ، كان هو القوة الأساسية وراء تمرير قانون جلاس ستيجال مع هنري باسكوم ستيجال. كان ستيجال عضوًا في مجلس النواب ورئيسًا للجنة البنوك والعملات في مجلس النواب. وافق Steagall على دعم القانون مع Glass بعد إضافة تعديل يسمح بالتأمين على الودائع المصرفية ، والذي كان مسؤولاً عن إنشاء مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC) .
السؤال الذي قد يتبادر الى ذهن القارئ، ماهو الفرق بين البنك الاستثماري و البنك التجاري. في الحقيقة، كلا النوعان لهما أنشطة متنوعة وتختلف عن الاخرى. البنوك التجارية تقدم مجموعة من الخدمات المتمحورة حول الإيداع و المحافظة على مدخرات العملاء والإقراض. ويتم تكوين دخل هذي البنوك الفوائد الناتجة عن هذه القروض التي يتم تقديمها للعملاء، أما تقديم القروض فهو من خلال استخدام الأموال التي يتم المحافظة عليها كودائع،. في حين أن البنوك الاستثمارية هي التي تتمحور خدماتها حول ادارة الاستثمار و تداول الأوراق المالية وخدمات الاكتتاب في الأوراق المالية وتقديم خدمات في الأنشطة التجارية الرئيسية كالاندماج و الاستحواذ و التصفية. كما أن البنوك الاستثمارية يحتفظون باستثمارات صناديق التحوط و صناديق الاستثمار ورواتب التقاعد. وبمجرد ايداعها في البنك الاستثماري، يتعهد البنك باستثمار هذه الأموال في أسهم ذات عوائد ربحية عالية، أوراق مالية وأدوات استثمارية اخرى بهدف زيادة المبالغ التي يحتفظ به البنك.
ومن هنا أتت فكرة قانون جلاس ستيجال. أن أموال الودائع و أموال الناس التي يتم وضعها في حساباتهم للحفاظ عليها، يجب ان لا يتم المخاطرة بها ولا استثمارها في سوق الاسهم والاوراق المالية او اي سوق استثماري. وبالتالي رفع مستوى الثقة في القطاع المصرفي. لأن هدف العميل لدى البنك التجاري هو المحافظة على أمواله. في حين ان هدف العميل لدى البنك الاستثماري هو استثمار أمواله لتحقيق عائد مالي كبير في مدة زمنية قصيرة مع تحمل العميل مع البنك مخاطرة عالية بشأن عدم تحقيق الربح.
هذا القانون ساهم بشكل كبير في تقوية القطاع المالي الأمريكي، ورفع معدل الثقة في القطاع المصرفي، حتى عام 1999. عندما اتى الرئيس بيل كلينتون ليلغي التعامل مع أهم بنود القانون والتي تعني بالفصل بين البنك التجاري و البنك الاستثماري. وهنا أصبح البنك تجاري واستثماري في آن واحد. هذا الإلغاء، كان هو بوابة الدخول لمرحلة الأزمة الاقتصادية لعام 2008، والتي سنلقي الضوء عليها في مقال الأسبوع القادم.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734