الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
هل تُهيئ الولايات المتحدة نفسها للانضمام الى “أوبك+”؟ لماذا الآن تعترفون بجهود توازن السوق يا جمهوريون؟
في عام 2012، نشر – بغبطة عالية – محرر بلومبرغ الاقتصادي “بيتر كوي” وزميلته مقالة حول إعلان وكالة الطاقة الدولية (IEA)بأن الولايات المتحدة ستتعدى السعودية في أرقام إنتاج النفط بحلول عام 2020 كنتيجة للتفوق الأمريكي في استخدام التكنولوجيا المتقدمة جدا (التكسير الهيدروليكي). والذي لم يكن ليرى النور لولا صعود الأسعار فوق 100 دولار مما ساهم في ظهور تقنيات لإنتاج النفط الصخري والذي حوّل الولايات المتحدة من مستورد إلى مُصدّر للنفط. العديد من الكُتّاب والمحللين الاقتصاديين في الولايات المتحدة – في تلك الفترة – تحدثوا بنشوة أن الولايات المتحدة ستكون المُصدّر الأكبر للنفط الخام.
اليوم نحن في 2020 .. ماذا حصل؟
تقدم 13 من النواب الجمهوريون من أعضاء مجلس الشيوخ الامريكي، بقيادة السيناتور دان سوليفان والسيناتور كيفن كريمر الى مقام سمو ولي العهد السعودي بخطاب – مؤرخ في 16 مارس 2020 – يطمحون من خلاله بأن تقوم المملكة بمراجعة حراكها الأخير الذي هز العالم بخصوص تعزيز طاقة إنتاجها من النفط الخام ورفعه الى 13 مليون برميل في اليوم. جاء ذلك مؤاتيا للهبوط الحاد في اسواق الأوراق المالية خاصة في الولايات المتحدة جراء مخاوف تفشي فيروس كورونا وأثره السلبي على الاقتصاد العالمي مما أدى إلى هبوط حاد في اسعار النفط إلى اقل مستوياتها منذ عام 2003. حيث أن الآثار الغير متوقعة لهذا الوباء أصبحت واقع الاقتصاد العالمي الذي لطالما أعتمد على جهود المملكة لاستقراره بفضل جهودها في توازن السوق. ويكاد يكون مؤلم جدا عندما تعاملت المملكة مع السوق من منطلق التنافسية الحُرّة الذي يفضله المُنتـِج الأمريكي ويتغنى به المُنتِج الروسي.
بالرغم من أن الخطاب لم يأتي بخطة عمل أو خارطة طريق أو حلول لاتفاق منتجي النفط على آلية للتعاون، الا أن هناك نقطتان في غاية الأهمية حوله:
النقطة الأولى هي أن الخطاب – وان كنا لا نعلم على وجه الدقة إذا كان يعكس ارادة الادارة الامريكية – أتى من 13 عضو جمهوري وليس ديموقراطي. ومعروف ان الجمهوريين هم من يملكون شركات انتاج النفط الصخري التي تقلصت ميزانياتها منذ انخفاض أسعار النفط عند متوسط خام برنت 64 دولار العام الماضي. فكيف عند هبوط خام برنت تحت حاجز 30 دولار مؤخرا. كما أن الخطاب يجعلنا نطرح أسئلة كثيرة ونستذكر تهديدات قانون جاستا وشعار “لا للأوبك”
Producing and Exporting Cartels Act (NOPEC) الذي يُجرّم منظمة أوبك وفي نفس الوقت يُهدّد لأمن الطاقة العالمي. فلماذا جاء التعاون في هذا الوقت بينما قبل عام كان هناك من يُجرّم جهود منظمة أوبك؟
أما النقطة الثانية فهي توقيت الخطاب الذي – غالباً – لم يأتي بسبب ما حصل بين المملكة وروسيا حول عدم الاتفاق على تعميق اتفاقية تخفيض الإنتاج بعد تعنّت الموقف الروسي. وأيضاً لم يأتي عندما وصل الإنتاج الأمريكي الى مستوى قياسي تاريخي عند 13 مليون برميل يوميا، ولكن أتى عندما قررت المملكة رفع انتاجها الى 13 مليون برميل يوميا هي أيضاً.
هنا لابد أن نذكر أن قوة المملكة لا تكمن في الانتاج اليومي الضخم لها فقط ولكن في أنها تُصّدِر ما مجمله 10 مليون برميل يوميا (الأعلى تاريخيا) وفي عقود طويلة الاجل (Crude Oil Sales Agreements) بينما لا تستطيع الولايات المتحدة تصدير أكثر من متوسط 3.6 مليون برميل يوميا من النفط الصخري الذي لا يأتي ضمن قائمة النفط المفضل لمصافي التكرير. ولا تدخل هذه الكميات المُصدّرة في عقود طويلة الاجل كالنفط العربي السعودي ولكن يباع من خلال عقود فورية وتحت رحمة المتداولين وتجار النفط. كما أن النفط السعودي هو المعتمد الأول في مصافي التكرير العالمية وليس النفط الصخري الأمريكي (Based Load Crude Oil) بمعنى أنه يأتي في أولوية مصافي التكرير المتطورة لتعظيم هوامش الربح في مصافي التكرير. وبمعنى أكثر دقة، لا يمكن منافسة النفط السعودي في الأسواق العالمية.
ولكن يظل في طيّات خطاب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي أربع إشارات هامة يمكن من خلالها استقراء شيء ما:
أولا:
بالرغم من شراسة هجوم بعض الإعلام الأمريكي الذي حصل على المملكة ومحاولة النيل من شخص سمو ولي العهد من خلال قصص واهية وادعاءات باطلة من بعض الأعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي سابقا، إلا أن هؤلاء الأعضاء الجمهوريون استوعبوا جيدا دور المملكة كصمام أمان للسوق. كما أن ثقتهم في سموه كبيرة جدا لأنه يُجسّد توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظهما الله. هذه الإشارة تُبيّن أن لا مكان ولا دور للإعلام المُغرض والغث في الأوقات المفصلية للولايات المتحدة.
ثانيا:
في خطابهم المذكور، أكّد الأعضاء على أهمية العلاقة الاستراتيجية مع المملكة. وهي مسألة بالنسبة للولايات المتحدة لا يمكن المساس بها. فالمملكة معروف عنها العمل الجاد على تهدئة الأزمات الاقتصادية العالمية نتيجة ديمومة مصداقية قيادتها والتزامها باستقرار الاقتصاد العالمي.
ثالثا:
مجمل الخطاب هو المطالبة بالعمل المشترك بين المملكة والولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار الذي هو في مصلحة الجميع. وهذا واضح مما ذكره الأعضاء بأنهم يتطلعون الى اجتماع عاجل مع سفيرة خادم الحرمين في العاصمة الأمريكية. وهي إشارة جيدة تفيد بالاستعداد – من حيث المبدأ على الأقل – للجلوس لمناقشة المسائل الحيوية والوصول الى نتائج مرضية للجميع. خاصة أن الأعضاء يقومون – في نفس الوقت – باتصالات مكثفة مع مسؤولي الحكومة الامريكية والسفير الأمريكي لدى المملكة لتعزيز موقفهم لتحقيق مشاركة سعودية أمريكية حقيقية لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط.
رابعا:
ذكروا الأعضاء في خطابهم كلمة “استقرار”. وهذه إشارة الى أن تعريف “السعر الممكن” الذي قدمه سمو وزير الطاقة – أثناء مؤتمر الرؤساء التنفيذين السعودي الروسي في أكتوبر 2019 – ربما يفي بالغرض لاستقرار الأسواق. خاصة أن سمو وزير الطاقة – وقتها – أشار بأن المملكة ستواصل دائما فعل كل ما بمقدورها فيما يخص الاستقرار في الأسعار وفي مستويات الإنتاج.
هذا الاستقرار – الذي سيكون واقع من خلال السعر الممكن – سيدعم الاستثمار في أعمال المنبع وتطوير التقنية المصاحبة لصناعة النفط والغاز ليكون أكثر كفاءة وصديق للبيئة. خاصة في مجال انتاج النفط الصخري. كما أنه يدعم أبحاث وتطوير وسائل الطاقة المتجددة. وعلى مستوى المستهلك، فالاستقرار الذي سيخلقه السعر الممكن لا يشكل عبئ عليه. لأن المستهلك سيكون على علم مسبق بالسعر والضريبة المضافة ومن ثم يستطيع أن يُكيّف ميزانيته عليها لمدة ليست بالقصيرة. إذا، الأسعار الممكنة لا تشكل عبئ لا على المستهلك ولا المنتج. بل على العكس، ستقي الاقتصاد العالمي من التقلبات الحادة في أسعار النفط.
العالم يتغير في ظل تطور الحياة والتي تزداد تعقيدا بحكم التشابك العميق بين المصالح. ربما حان الوقت لكي تتزين منظومة “أوبك+” بانضمام شريك النجاح الأمريكي التي ستكون مشاركته ذات قيمة لمستقبلها ومستقبل العالم من خلال التنسيق المشترك والمباشر. إضافة، من خلال “أوبك+” ستخف الضغوط على صانع القرار الامريكي. وأيضا تستطيع شركات النفط الصخري الأمريكي أن تتزن في خططها المستقبلية وخططها التجارية وضمان إيجاد وظائف مجزية ومستدامة. وهذا سينعكس إيجابا على الاقتصاد الأمريكي بشكل عام.
بالرغم من الاجندات الضيقة والمشبوهة لبعض الأسماء اللامعة في الاعلام النفطي العالمي – أفراد أو مؤسسات – والمهووسة بالإثارة، الا أن من يضع سياسات الطاقة لضمان استقرار اقتصاد عالمي هي الدول الكبرى فقط. والمملكة أهم هذه الدول.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال