الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قد يتبادر الى الاذهان، كيف ان يكون للنظريات الاقتصادية علاقة بالنظريات القانونية الخاصة بالتشريع القانوني. او بعبارة اخرى، كيف يمكن لنا ان نستخدم نظرية مرتبطة تماما بالأرقام والرياضيات لتكون مرتبطة بالأحداث التي يترتب عليها سن القوانين. على سبيل المثال، عند كتابة قانون ما، لابد من التساؤل ما الذي يجعل الأفراد يمتثلون لنصوصه، وماهو مقدار الخسارة والربح التي ستترتب عليهم في حالة اختراق القانون، وهذا ينعكس ايضا على قوة التطبيق العملي للانظمة على أفراد المجتمع.
اذا ماهو الرابط بين القانون والاقتصاد؟ نستطيع استنتاج الاجابة من قصة دائما يتداولها الاقتصاديون وهي سفينة غرقت في المحيط ونجى منها 3 علماء “فيزيائي، كيميائي، واقتصادي” حيث اوصلهم ركام السفينة الى جزيرة مهجورة، بعد عدة أيام وجدوا علبة فاصوليا على شاطئ الجزيرة، والآن المعضلة هي كيف يمكن لهم فتح هذه العلبة؟
قال الفيزيائي: يجب علينا رمي العلبة من على ارتفاع 183قدم على صخرة حتى يمكن جمع الفاصوليا بعد كسر العلبة.
رد الكيميائي: رمي العلبة من على ارتفاع عالي فيه مخاطره حيث اننا لانعلم ماهو الارتفاع الي يحتاجه فتح العلبة، لذلك من الأفضل تعريض علبة الفاصوليا للحرارة لثلاث دقائق و ٣٧ ثانية مما يفك لحام العلبة. هذه الطريقة من وجهة نظره اقل خطورة حيث انه بامكانهم أبعاد العلبة عن النار في حالة وجود بوادر لانفجارها قبل المدة المحددة.
رد الاقتصادي عليهم: طريقتكما صحيحة، لكنها معقدة ونحن بحاجة الى طريقة أكثر بساطة وأقل خطوره الا وهي فلنفترض ان لدينا فتاحة علب، كيف ستعمل لفتح هذه العلبة بأقل المخاطر” ويقصد بذلك لنرى طريقة عمل الفتاحه وصنع مثلها لفتح العلبة بأقل خسائر ممكنة.
اذا الرابط بين القانون و الاقتصاد هو “فن الفرضيات” فهي التي تساعدنا على اكتشاف الحلول للمشاكل القانونية. لذلك فالتحليل الاقتصادي للقانون هدفه الإجابة على التساؤلات المتعلقة بالقواعد القانونية؟ مثلا، ماهو اثر القاعدة القانونية على تصرفات الأفراد الذين تشملهم القاعدة القانونية؟ هل بإمكان القاعدة القانونية ان تغير تصرفات الافراد؟ اذا كانت الاجابة لا، اذا ما الذي يساعد تطبيق القاعدة القانونية بنجاح بشكل يؤثر على تغير المجتمع؟ هل يحتاج المشرع إلى استخدام القوة الناعمة، ام قوة القانون الصارمة؟ هل فعلا المجتمع بحاجة لهذه القاعدة القانونية او هل هذه القاعدة تلبي احتياجات المجتمع؟ وغيرها من التساؤلات التي تعتمد على طبيعة القواعد القانونية التي تسن.
ربما يتبادر هنا الى ذهن القارئ فكرة مفادها، انه القاعدة القانونية هدفها تنظيم السلوك الاجتماعي، وبالتالي ليس من المهم التفكير في أثرها ولكن الواقع عكس ذلك. على سبيل المثال، في قضية Escola v. Coca Cola Bottling Co والتي كان موضوعها انفجار علبة الكوكاكولا بيد نادل المطعم مما تسبب عليه بجروح عميقة في يده، والذي رفع بدوره دعوى على شركة كوكاكولا للمطالبة بالتعويضات المالية، حكمت فيها المحكمة العليا بكاليفورنيا بالاغلبية بان شركة كوكاكولا غير مسئولة عن الذي أصاب النادل لانه بالنهاية لم يكن هناك إهمال واضح من الشركة في صنع العلب وذلك تطبيقا للمبدأ القانوني Res Ipsa Loquitor.
لكن اختلف معهم احد قضاة المحكمة العليا آنذاك “Justice Traynor” حيث وضع افتراضات اخرى قد تؤدي الى تغيير الحكم، وقد تؤدي كذلك الى تطوير القوانين. فمن ضمن تساؤلاته هل فعلا شركة كوكاكولا اختبرت العلب بشكل يضمن عدم انفجارها؟ هل راعت فعلا ان يكون شكل العلب و المواد التي تم استخدامها في التصنيع تبعد عنها المسئولية عن الأضرار المترتبة على الاستخدام؟ ولنفرض انها بالفعل قامت بذلك، السياسة العامة تهدف على حماية المصلحة العامة، ويكون ذلك عن طريق تقليل المخاطر التي قد تتزامن مع استخدام هذه العلب، مما يترتب عليه ان تكون شركة كوكاكولا مسؤولة قانونيا… الخ.
على الرغم من انها كانت فرضيات مبسطه، ولكنها بداية استخدام النظريات الاقتصادية في امريكا في التشريع القانوني من حيث كفاءته وعدالته، فالقاضي هنا كان ينظر من زاوية مختلفة، الا وهي ان النظام يجب ان يفرض على كوكاكولا ان تراعي المعايير لحماية الصحة العامة في منتجاتها، وان الاعتماد فقط على قاعدة قانونية مبسطة عن المسئولية التقصيرية لا ينفي اهمال الشركة في تطوير منتجها لمنع الحوادث المماثلة، وان فرض غرامة عليها في مثل هذه القضية يحفز الشركة على تطوير منتجها لتفادي مثل تلك الحوادث مستقبلا. لذلك تحليل التشريع من زاوية النظريات الاقتصادية مهم لكل قانوني مختص في مجال الترافع امام المحاكم، او مختص بقوانين التأمين، العقود بكافة اشكالها تجارية او ادارية، انظمة المسئولية التقصيرية …الخ. لذلك فاستخدام الاقتصاد في تحليل النصوص القانونية لايعني اثر القانون على الاقتصاد. وانما يعني تحليل القاعدة من خلال التساؤل مالذي يجعل الافراد يمتثلون للقاعده وماحجم الخسارة التي ستترتب على الفرد في حال كسر القاعده وهو تطبيقا لمبدأ اقتصادي على القانون cost and benefit calculation. والتي تعني ان الفرد يحتسب الفوائد والثمن الذي سيناله الفرد في حال تطبيقه للقانون او كسره.
على سبيل المثال، شخص سرق 10ملايين ريال واخفاها في الصحراء، بعد ذلك تم القبض عليه وحكم عليه بالسجن 10سنوات بسبب السرقه وعدم قدرته لرد المال. السارق هنا يكون لديه عدة خيارات، اما ان يرد المال ويسجن لمده سنة ويستمتع بحريته ولكنه لن يجني 10 ملايين خلال 10سنوات من الحرية، بينما لو تم سجنه 10سنوات وبعدها تم اطلاق سراحه واخرج المال من مخبأه في الصحراء، فالسارق هنا يرى ان المكسب من اختراق القانون اعلى من الامتثال له، وهذا يطبق على اي اختراق للقانون. فمثلا تطبيق مبدأ cost and benefit calculation على مكافحة الفساد فتكون المعادلة لتعديل الانظمة وملئ الفراغ النظامي وتقوية الجهاز القانوني على هذا الشكل:
نسبة الفساد = سلطة تقديرية + احتكار المنافع – المسائلة
فعندما يكون لدى الموظف صلاحية عالية من دون رقابة او عرضة للمسائلة مما يترتب عليه فقدان وظيفته وسمعته بالاضافه الى الغرامه التي قد يضطر لدفعها، ففي هذه الحال سوف يحتكر الكثير من الصلاحيات لمنفعته الخاصة سواء كانت هذه المنفعه مادية كالحصول على مال او عمل او ترقية او مركز مرموق او معنوية كالاحترام الاجتماعي والتواصل الاسري .. الخ من الترسبات الثقافية. كذلك قد تكون المعادلة بانعدام الخوف من كسر القانون، وبالتالي اختراق القاعده القانونية يكون امر اعتيادي لان الرقابة والمسائلة ضعيفة جدا مما يجعل الفائدة من اختراق النظام محققة بنسبة 95% وبالتالي باستطاعة الجميع عدم الامتثال لسلطة التشريع.
لذلك من اجل تطويرالقوانين في المملكة وسد الثغرات التي تتزامن مع اصدار اي قانون لابد من قراءة القانون قراءة اقتصادية، بحيث يتم طرح تساؤل هل التشريعات وتطبيقاته قوية كفاية ليترتب عليها خساره فادحه على من يخترقها بشكل اعلى من الفوائد؟ ام ان عدم احترام القاعدة القانونية سيترتب عليه فوائد ومنافع على من لم يمتثل لها؟ والخساره هنا تشمل الخساره المادية والخسارة المعنوية. استخدام مثل هذه النظريات مهمة جدا وطريقة حديثة يتم استخدامها الان في الولايات المتحدة الامريكية وغير من الدوله المتقدمة قانونيا، فمن المهم للمشرع السعودي الالتفات الى هذا العلم خصوصا انه لازال لدينا فراغ قانوني في مجالات عدة والتي لازالت تحتاج الى سن قوانين لملئ هذا الفراغ.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال