الثقة والمصداقية بين المواطن والمسؤول

تمر المجتمعات بتجارب سيئة، عندما تتراكم الوعود الزائفة، وتكثر الكلمات المضللة، والتصاريح الرنانة، وعندما تقصر الخدمات عن اشباع احتياجات المواطنين، وتتراخى الأجهزة الحكومية في تنفيذ تعهداتها؛ تظهر في المجتمع سوآت، وآثار موجعة من عدم الرضا، والخوف، والقلق، والتوتر، والإحباط، واليأس؛ تغذيها الضنون، والهواجس، والريبة، والشك؛ حتى تلقي بهم واحدا تلو الآخر في مهاوي تردي الثقة، وفقدان المصداقية بين المواطن، والمسؤول؛ وعندها تؤول الأمور إلى شروخ اجتماعية، تتدرج حتى يفقد خلالها المجتمع ترابطه، وفاعليته، وقدرته على الحركة والنماء.
إن تحصين المجتمع، ووقايته من الأخطار، وتحرير طاقاته؛ مسؤولية كبيرة تستلزم بناء، أو إعادة بناء الثقة، والمصداقية، ودعمها، وتعهدها بالرعاية، والعناية؛ فهي رأس مال اجتماعي، واقتصادي يربط أفراد المجتمع بمسؤوليهم، ويدفعهم إلى التعاون، والترابط، والصد المشترك ضد كل محاولات المتربصين به، والمتآمرين عليه؛ ويقودهم للعمل، والعطاء بروح الفريق الواحد؛ ويحفظ للدولة هيبتها، ومصداقيتها، وحبها في قلوب مواطنيها؛
ولذا فإن الإهتمام بالثقة، وتعزيز المصداقية يحتم ترسيخ مبادئ (الصدق والأمانة والإخلاص) في كل الجهات الحكومية عبر انتهاج الشفافية، والمصداقية، والجودة، وتفعيل وإرساء قواعد المساءلة، والحرص على حرية تداول، وإتاحة المعلومات الإيجابية، والسلبية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وإمكانية اللجوء إلى القضاء، والتحول من الأبوية البيروقراطية إلى مشاركة المجتمع، وقياس رضاهم، ورصد تفضيلاتهم، وسماع أصواتهم، وحل مشاكلهم، وتلمس احتياجاتهم، وتجنيبهم المخاطر، وحفظ حقوقهم، ودقة التعبير عند التصريح لهم…
وكل هذه الإجراءات، والأنظمة لن تغني من الأمر شيئا، وستظل ترواح مكانها إن لم تكللها منجزات حقيقية، وإنتاجية عالية بكفاءة، وجودة، وسرعة مناسبة؛ تلبي رغبات المواطن، وترفع شأو الوطن في كل المحافل؛ فلا تنتظر أيها المسؤول ثقةً تأتيك من مواطن يعايش البطالة، والفقر، والتضخم، والفساد، وقلة الرواتب، وسوء الخدمات، وتعثر المشاريع، وتأخر الإسكان؛ وهو يراك تكثر من صرف الكلمات، وإعطاء المسكنات بلا إقدام، ولا أفعال؛ ويرى بأم عينية كيف نجحت دول شتى في التغلب على مشاكلها، ومداواة أدوائها بسرعة فائقة، وإنجاز كبير؛ فاتق الله، واعمل بصدق، وأمانة، أو ترجل، واترك المكان لغيرك.