الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أوردت صحيفة «الاقتصادية» في عددها الصادر يوم الخميس الثاني من رجب عام 1435هـ، خبراً عن خلو القطاع الخاص ومن ضمنه الشركات العائلية من الفساد، وذلك كما جاء في تصريح رئيس هيئة مكافحة الفساد عن عدم رصد “نزاهة” لحالات فساد في القطاع الخاص والشركات العائلية. وقد يوحي هذا التصريح بوجود حصانة للقطاع الخاص والشركات العائلية من الفساد، ولا يوجد في أي بلد من بلدان العالم حصانة لأي قطاع أو شخص أو مؤسسة من الفساد. ولا يعني عدم اكتشاف الهيئة لفساد في هذا القطاع خلوه من الفساد، فهو جزء من المجتمع تظهر فيه جميع الصفات السيئة والحسنة. وأعتقد أن هناك ميلاً أكبر للفساد في القطاع الخاص من القطاع الحكومي بسبب سيطرة طبيعة تعظيم الأرباح، كما أن كثيراً من مؤسساته أقل تنظيماً من القطاعات الحكومية ويملك ملاكها ورؤساء مؤسساتها صلاحيات مطلقة تيسر من ممارسة الفساد. ولهذا لا بد من وضع وتفعيل ضوابط نظامية حازمة للحد من ممارسات الفساد في القطاع الخاص لمنعه من أكل الأخضر واليابس. ومع احترامي لشخص رئيس الهيئة إلا أن تصريحه لا يدل على خلو القطاع الخاص الذي تسيطر على الجزء الأكبر منه الشركات العائلة من الفساد، وإنما قد يدل على عجز الهيئة عن كشف الفساد.
لقد تأسست هيئة مكافحة الفساد منذ ثلاث سنوات ومع هذا لم يطرأ تغير مشهود لحالات الفساد سواء في القطاع الخاص أو الحكومي. ومع أن هناك مبالغات كثيرة عن الفساد إلا أن حجمه ليس هيناً والشواهد كثيرة. ويمارس استغلال النفوذ وهو وجه من وجوه الفساد على نطاق واسع في القطاعين الخاص والحكومي، ولم نلاحظ أي تحرك يذكر للهيئة في مكافحة هذا النوع من الفساد. وما زالت الواسطة والمحسوبية ضرورية لإنجاز الكثير من التعاملات والتوظيف سواء في القطاع الخاص أو الحكومي. وما زال التوظيف والترقيات خصوصاً الحصول على وظائف جيدة محكوماً إلى درجة كبيرة بالعلاقات الشخصية والمحسوبية سواء في القطاعين الخاص والحكومي. ويمكن ملاحظة وجود تركزات جهوية أو اجتماعية أخرى في المناصب المهمة لعدد كبير من الأجهزة الحكومية والشركات الخاصة بما في ذلك الشركات المساهمة والمصارف.
وتنتشر مظاهر الفساد في كافة دول العالم والقطاعات الاقتصادية، بما في ذلك القطاع الخاص، ولا أعتقد أن قطاعاتنا الخاصة مختلفة عن نظيراتها في دول العالم. وقد كشفت الأزمة المالية العالمية عن جبال من الممارسات الفاسدة في القطاعات المالية ممثلة بالهندسة المالية التي كان من أهم أهدافها التحايل على الأنظمة المالية في الدول التي تتواجد فيها أنظمة صارمة ومؤسسات حازمة تحارب الفساد بقوة. وقادت الممارسات المالية الخاطئة قبيل الأزمة المالية إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية. وكانت المملكة قد عانت قبل عدة سنوات من انهيار السوق المالية، والذي حدث بسبب الممارسات الفاسدة في سوق الأسهم. وتسبب الانهيار في خسارة ملايين الأسر لكثير من مدخراتها، ومع هذا لم نرى أي محاسبة للمتسببين بحدوثه. ويخشى كثير من الناس عودة الممارسات الفاسدة لسوق الأسهم مع عودة تلك السوق للانتعاش.
ويشتكي كثير من الناس من الممارسات الفاسدة في القطاعات الحكومية سواء في التوظيف أو الترقيات أو المنافع والدعم أو في العقود والمناقصات والأراضي. ويدخل القطاع الخاص في معظم هذه الممارسات كطرف ثانٍ، حيث يحاول الحصول على المناقصات أو العقود والدعم أو تجاوز الأنظمة الحكومية أو تيسير إجراءات الحصول على المستخلصات المالية من خلال الممارسات الفاسدة، والتي لا تقتصر على الرشوة ولكنها تشمل استغلال النفوذ والمحسوبية أو الواسطة. وأعتقد أن استغلال النفوذ والواسطة أو المحسوبية هما أهم مظاهر الفساد في المملكة، ويفوقان كثيراً الرشوة، كما أنهما مقبولان اجتماعياً بل ويرى البعض أن عدم مساعدة الأقارب أو المعارف أو من تربطهم صلات أخرى عيباً يستحق القدح.
ويعتقد كثير من الناس أن أداء هيئة مكافحة الفساد خلال السنوات الثلاث الماضية متواضع جداً، فرغم انتشار الفساد في القطاعين الخاص والعام لم نشاهد أي قضايا فساد رئيسة حقيقية خلال السنوات الماضية، وتأتي المملكة في المرتبة الثالثة والستين بين دول العالم في رؤية الفساد حسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية. ويبدو أن الهيئة تنقصها القدرة على كشف الفساد بفعالية، وأن عليها تطوير الآليات التي تساعدها على القيام بمهامها. وتصريح رئيسها عن الشركات العائلية يشير إلى عجز واضح في الكشف عن فساد القطاع الخاص الداخلي أو المتسبب به، حيث ينبع الفساد في معظم الأحوال من القطاع الخاص. إن انخفاض الفساد الداخلي الظاهر في الشركات العائلية لا يرجع إلى خلوها منه وإنما يرجع إلى السرية العالية التي تحكم هذه الشركات. والدليل على ذلك هو حدوث الخسائر الفادحة والفضائح والانهيارات المفاجئة لشركات عائلية وخاصة، والتي تظهر أحياناً في الإعلام الخارجي. ويمارس القطاع الخاص الكثير من التجاوزات في حقوق المجتمع والبيئة والعمالة، حيث يلجأ في بعض الأحيان لأساليب ملتوية للغش والخداع وتصريف منتجات وخدمات ضارة بالمجتمع والبيئة، كما أن هناك تراكمات كبيرة من التجاوزات ضد العمالة أو التحايل على أنظمة العمل.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال