الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ظهرت الرقابة المالية، والإدارية متزامنة مع ظهور علم الإدارة؛ ذلك أن الرقابة جزء لا يتجزأ منها، وتتداخل في أعمالها، وتمتزج مع أنشطتها؛ وقد زادت الحاجة إليها إثر الأزمة العالمية 1929/1933 في أوربا، والولايات المتحدة، وغيرها من الدول؛ والتي تعرضت عدد من شركاتها للإفلاس؛ مما اقتضى وجود مراجعة فعّالة تضمن وجود نظم للرقابة ملائمة، وجيدة؛ تهدف إلى كشف مواطن الضعف، وتصحيحها، والتأكد من أن كل شئ في المنظمة يتم وفق الخطط الموضوعة، والتعليمات الصادرة، والمبادئ المعتمدة؛ فتم ذلك، وتطور حتى شمل فحص، ومراجعة الخطط المختلفة، وتحديد مكامن الخطر؛ وقياس عناصر الاقتصاد، والكفاءة، والفاعلية؛ وتقييم الأداء؛ والمساعدة في عملية اتخاذ وترشيد القرارات المستقبلية…
أما ﺍﻟﺭﻗﺎﺒﺔ الإدارية، وﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻜﺭ ﺍﻹﺴﻼﻤﻲ، فيحفظ لها التاريخ أسبقيتها، وتكاملها، وشمولها حيث أن لها أبعاد فنية مؤصلة، وأخلاقية معتبرة؛ فهي تربط بين الرقابة الإلهية، ورقابة الفرد الذاتية لنفسه، وبين حِزمٍ من المفاهيم القانونية، والاقتصادية، والمحاسبية، والإدارية؛ المستلهمة من أبواب فقه العبادات، والمعاملات الإسلامية؛ وقد استطاعت أن تضبط سلوك العاملين، وتحفظ أموال المسلمين؛ إلى أن تخلوا عنها، أو أخفقوا في استخدامها، واستبدلوها تحت سطوة العولمة الرأسمالية بقوانين، وأعراف دولية مؤدلجة فكريًا، ومتطورة علميًا، وفنيًا، وإداريًا، وتقنيًا، إلى أبعد حدود؛
ومن الأشكال الرقابية التي وصلت إلى أجهزتنا الحكومية مؤخرًا (التدقيق الداخلي أو المراجعة الداخلية) والتي يعود أساسها النظامي إلى قرار مجلس الوزراء، عام 1425هـ والذي نص في فقرته الثانية على “تأسيس وحدات للرقابة الداخلية في كل جهة مشمولة برقابة ديوان المراقبة العامة, يرتبط رئيسها بالمسئول الأول في الجهاز” وقد استكملت لائحتها الموحدة عام 1428هـ؛ وقد جاءت متماشية مع جهود الدولة في الحد من الفساد الإداري، والمالي؛ وتجويد الأداء في العمل الحكومي؛ ويعرف التدقيق الداخلي بأنه: “نشاط تأكيدي واستشاري موضوعي ومستقل يهدف إلى تحسين أعمال المنشأة المالية والإدارية” ويقوم عليه فريق إداري مستقل، حيادي، يتبع مباشرة لرئيس المنظمة؛ ويتسم بالنزاهة، والموضوعية، والكفاءة، والحفاظ على السرية؛ ويهدف الفريق إلى مساعدة الإدارة في القيام بوظائفها على أكمل وجه، عن طريق تزويدها بالتحليل، والتقييم، وتحديد المخاطر، وتقديم الحلول، عن الأنشطة التي يتولى المدقق الداخلي مراجعتها؛
ولقد برزت بعض المشكلات، والتحديات أمام تطبيق التدقيق الداخلي؛ ومن أهمها الفهم الخاطئ للتدقيق باعتباره أداة لتصيد الأخطاء، والتجسس على الموظفين لصالح الإدارة؛ إضافة إلى ضعف إلمام القيادات بأهمية التدقيق واعتباره فرض وظيفي ليس إلا؛ كما أن المدققين يعانون من ضعف التأهيل، والتدريب، وقلة أعدادهم، وعدم استقلاليتهم وظيفيًا، وتدخلهم في مهام تنفيذية، والتدخل أيضا في أعمالهم، وعدم حمايتهم، وتمييزهم، وعدم تمكينهم من الوثاق، والسجلات المطلوبة؛ كما أن التخطيط للتدقيق لا يتم وفق استراتيجية واضحة المعالم، تهتم بأولويات المخاطر المالية، والإدارية؛ والتي ترتكز في جوانب الفساد، واستغلال النفوذ، الذي يعاني منه المجتمع؛ حيث أنه من المهم التركيز على الإجراءات التي يتوقع فيها التلاعب، والفساد؛ كالعقود، والمناقصات، والتوريد، والمواصفات، وغيرها… ولعل هذه النواقص يمكن تحجيمها في قادم السنوات، بفتح دبلومات، وشهادات جامعية عليا في تخصص التدقيق الداخلي؛ إضافة إلى نشر التوعية بأهمية التدقيق؛ ودعم ثقافة الرقابة الربانية، والذاتية في نفوس الموظفين؛ وبجانبها زيادة، وتحسين فعالية الإجراءات الرقابية؛ فالركون إلى افتراض الفضيلة وحدها، حيلة الضعفاء وبضاعة العاجزين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال