3666 144 055
[email protected]
بينما يتناقل المستثمرون حول العالم خبر انضمام كل من سوقي الإمارات المالية وسوق قطر المالي إلى مؤشر “إم إس سي آي” للأسواق الناشئة، لينضما إلى جانب 21 سوقا ناشئة أخرى، منها مصر وتركيا وماليزيا، تبقى سوق الأسهم السعودية خارج الصفوة، بشكل مخالف لواقع المملكة الاقتصادي ورسملة سوقها المالي وعدد الشركات المدرجة فيها. بل إن إخفاق سوق الأسهم السعودية فظيع جداً، إذا علمنا أن سوق الأسهم السعودية لم يعترف بها ولا حتى من ضمن الأسواق المبتدئة، وهي مجموعة الأسواق المالية الحاظية بأقل تصنيف عالمي! يمكن تشبيه ذلك بفريق كرة قدم غير مدرج في الدوري الممتاز ولا دوري الدرجة الأولى ولا دوري الدرجة الثانية، بل كفريق “حواري” فقط! ما سبب خروج السوق السعودية عن التصنيفات العالمية؟
أولاً: تجدر الإشارة إلى أننا لا نتكلم هنا فقط عن عدم تصنيف سوقنا من قبل شركة “إم إس سي آي”، بل إن جميع المؤسسات المالية العالمية المعروفة لا تعترف بسوقنا إطلاقاً، من أهمها “ستاندارد آند بورز” و”داو جونز” الأمريكيتين و”فوتسي” البريطانية، حيث لا يوجد أثر لأكبر سوق في الشرق الأوسط في المؤشرات المهمة لهذه المؤسسات. وعلى الرغم من أن دولتين خليجيتين فقط حصلتا أخيرا على تصنيف سوق ناشئة، إلا أن جميع الدول الخليجية – عدا السعودية – متواجدة في قوائم هذه المؤسسات بشكل أو بآخر. على سبيل المثال، عمان والبحرين والكويت والأردن ولبنان وتونس والمغرب مصنفة كأسواق ناشئة من قبل “إم إس سي آي”، والبحرين وعمان كسوقين ناشئتين من قبل “فوتسي”، وكذلك من قبل “إس آند بي” التي كذلك تصنف السوق الكويتية كناشئة، كما أن البحرين والكويت وعمان مصنفة من قبل “داو جونز” كأسواق ناشئة. لا بد من وجود أسباب رئيسة تقف عائقاً أمام دخول سوق الأسهم السعودية في أندية الأسواق العالمية، فماذا يا ترى هذه الأسباب؟
تتشابه متطلبات المؤسسات المالية العالمية في شروط الانضمام إلى حد كبير، غير أنها تقع في ثلاثة بنود رئيسة: (1) الوضع الاقتصادي للدولة، (2) الحجم ومستوى السيولة، و(3) انفتاح السوق وهيكلتها التشريعية والتشغيلية. بالنسبة للوضع الاقتصادي فلا ينظر له في تصنيف الأسواق المبتدئة والناشئة، ولكن ينظر له في تصنيف الأسواق المتقدمة. كذلك لا يوجد أي إشكاليات في استيفاء ضوابط الشرط الثاني، كون سوق الأسهم السعودية الأكبر في الشرق الأوسط برسملة سوقية تتجاوز 500 مليار دولار. يتبقى إذاً الشرط الثالث المتعلق بانفتاح السوق وجودة أنظمتها وفعاليتها. حتى في هذا الشرط نجد أن هيئة السوق المالية قامت بعدد من التنظيمات والتشريعات والسياسات التي في مجملها تعتبر جيدة، حتى وإن خذلها التطبيق في بعض منها، إلا أن السوق السعودية تخفق في عاملين مهمين، وهما فتح السوق أمام الأجانب وغياب التشريعات المناسبة لعمليات البيع المسبق (أو الشورت سيلينج). وعلى الرغم أنه كانت هناك مفاوضات مع مؤسسة “إم إس سي آي” لضم السوق السعودية إلى مؤشراتها، إلا أن هذه المفاوضات توقفت في عام 2009، ويقال: إنه تم استئنافها قبل عامين، ولكن لا نعلم إلى أين وصلت. وبحسب ما أشير إليه في حينه أن المفاوضات توقفت بسبب اختلافات حول أحقية حصول المؤسسة على البيانات اللازمة من قبل السوق المالية السعودية، ما يجعلنا نتساءل عن مدى حصافة “تداول” في عمل اتفاقيات مع مؤسسة دولية قامت بأعمال مشابهة مع عدد كبير من الدول، فمن المفترض ألا يكون هناك خلافات جذرية حول هذه الأمور، سواء من حيث تسعيرة البيانات أو أحقية الحصول عليها.
في هذه العجالة أناقش إخفاق الهيئة في عامل تملك الأجانب وعامل تنظيم عمليات البيع المسبق. بالنسبة لتملك الأجانب فهو أمر محير للغاية، كما أن عدم إفصاح الهيئة بشكل مباشر عن توجهاتها بهذا الخصوص يزيد الطين بلة، فمن المفترض أن يكون لدى الهيئة سياسة معلنة، كما هو متبع في كثير من الدول في شتى المجالات تحت مسمى “بيان السياسة” أوPolicy Statement، بهدف إزالة الغموض عن توجهات الهيئة وقتل الشائعات وتزويد المستثمرين داخلياً وخارجياً بالمعلومات اللازمة لبناء قراراتهم الاستثمارية. كما أن عدم البت في هذا الموضوع لا يتوافق مع توجهات المملكة بخصوص الاستثمار الأجنبي ولا مع واقع الاقتصاد السعودي الحر، فمنذ تأسيس الهيئة العامة للاستثمار أصبح من الممكن تأسيس شركات أجنبية بنسب تملك مختلفة تصل إلى 100 في المائة، كما أنه حالياً يوجد سماح للأجانب غير المقيمين بالاستثمار في الصناديق الاستثمارية وصناديق المؤشرات، والتملك المباشر عن طريق اتفاقيات المبادلة، وهي طريقة ملتوية غير عملية ومكلفة ومحفوفة بالمخاطر. كما أن الهيئة لم تأخذ بأي من الخيارات المعمول بها في دول الخليج والهند والصين وغيرها من الدول، حيث نجد أن بعض دول الخليج تسمح بالتملك للأجنبي بنسب تصل إلى 49 في المائة في دبي وأبو ظبي، و25 في المائة في قطر (علماً بأن أمير قطر طالب مؤخراً الشركات القطرية بزيادة حصة تملك الأجانب فيها إلى 49 في المائة). أما في دولة الهند، فتسمح الحكومة الهندية بدخول الأجانب إلى بورصاتها من خلال البرنامج المسمى “المستثمر المالي المؤهل”، الذي يسمح لأفراد دول معينة، تشمل السعودية، بامتلاك الأسهم الهندية، بشرط ألا تتجاوز نسبة تملك الشخص الواحد 5 في المائة من أسهم أي شركة، وبحد أقصى 10 في المائة من أسهم أي شركة. كذلك دولة الصين المعروفة بقيودها الصارمة، نتيجة الإرث الشيوعي، لديها برنامج يسمى “المستثمر الأجنبي المؤسساتي”، وهو مقصور على المؤسسات ولا يتعامل مع الأفراد، كما هو الحال في الهند، حيث تقوم الحكومة الصينية بتحديد مبلغ إجمالي لتملك الأجانب بحد أقصى مليار دولار لأي جهة أجنبية، كالشركات الاستثمارية المعروفة أو الصناديق السيادية لدول مثل النرويج وسنغافورة وقطر والإمارات “أبوظبي”.
أما بخصوص البيع المسبق، الذي كتبت عنه عدة مرات، منها مقالة في هذه الصحيفة بعنوان “هل البيع المسبق حرام؟”، فالشرط المطلوب هو أن يكون هناك تنظيم معين لهذا النوع من التداول، وليس بالضرورة السماح به مع كل الشركات ولا من قبل جميع المتعاملين، وهذا على ما يبدو هو التوجه في الإمارات وقطر، حيث بدأت الإمارات بسن تشريعات لتنظيم اقتراض الأسهم وممارسة البيع المسبق من قبل صناع السوق فقط. فائدة البيع المسبق في أنه يحافظ على بقاء الأسعار في وضع طبيعي ويمنع ارتفاع أسعار الأسهم أو انخفاضها بشكل مبالغ فيه. من الأخطاء الشائعة عن البيع المسبق أنه طريقة للتلاعب بالأسعار، وهذا غير صحيح لأنه حقيقة يساعد في منع التلاعب بالأسعار، وهو السبب الذي يجعل المؤسسات المالية العالمية تجعله من ضمن معايير تقييم الأسواق. كما أن هناك من حرم البيع المسبق باجتهادات فردية أو جماعية خالية من الفهم الحقيقي لطريقة عمله، بإمكان القارئ المهتم الاطلاع عليها في المقالة المذكورة.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734