3666 144 055
[email protected]
لا شك أن قرار فتح السوق المالية للمستثمرين الأجانب غير المقيمين يُعد مرحلة جديدة تطلب قدرا كبيرا من التنظيم والمراقبة الدقيقة، إضافة إلى الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا لذلك، ومعرفة مواطن الخلل في قوانينها وأنظمتها، ولقد قرأت كغيري مقالات بين مؤيد ووجل من ذلك، ولعل انهيار بعض الأسواق المالية وما تبعها من أزمات اقتصادية مصدر قلق لأولئك الوجلين، في حين أن جلب الاستثمارات الأجنبية، خصوصا التدفقات النقدية للسوق، سبب تفاؤل الطرف الآخر، لما له من آثر على حركة السوق ونشاطه.
إن الحكم بالفشل قبل خوض التجربة نابع من تصور سابق لتجربة مشابهة بنى عليها مُصدِر الحكم رأيه، ويكون الحكم أكثر دقة إذا كان مبنيٌ وفق نسق علمي منطقي، بينما الحكم بالنجاح قد يكون نفسيا أكثر من كونه منطقيا، وذلك راجع لدرجة الثقة وتجاوزها حدها المعقول ، وأكثر ما يهم في ذلك هو الإلمام بالقدرات والمهارات إضافة إلى المكتسبات وتوظيف ذلك توظيفا جيدا حسب ما تقتضيه المصلحة، فإذا كانت الموازنة بين مقومات النجاح أو الفشل وبين الأخطار والصعاب أمكن الوصول إلى نتائج مرضية.
إن تلك الانهيارات التي ضربت بعض الأسواق المالية العالمية ، وما خلفته وراءها من ذكرى مؤلمة، وصفة السواد التي لازمت أيام انهيارها أصبحت سمة تلاحق تلك الأموال التي تدفقت إلى الأسواق المالية، والتي يطلق عليها الاقتصاديين الأموال الساخنة، أو الأموال القلقة، وقبل أن أُسهب في مقالي سأتطرق بشكل موجز حول هذا المصطلح الذي يرتبط كثيرا بأسواق المال.
فالأموال الساخنة بإيجاز هي أموال مضاربة يزداد تدفقها للأسواق المالية النشطة وقت صعودها محققة من ذلك أرباحا ضخمة ، سرعان ما تختفي كالفقاعة التي أحدثتها في السوق مخلفة وراءها انهيارا في الأسواق، يتجرع المستثمرون والاقتصاد مرارته
ولعلنا نستخلص من ذلك التعريف ما يدل على أن تلك الأموال تنتقل من بلد إلى بلد ، ومن نشاط لآخر، فهي لا تبني اقتصادا ولا تحقق نموا ملموسا سواء كان تشغيلا أو إنتاجا خصوصا في الأسواق الناشئة، ما عدا ما تجنيه شركات الوساطة من عمولات جراء ما تقوم به تلك الأموال من مضاربات في السوق.
وبالرجوع لبعض الأحداث التاريخية التي أحدثتها تلك الأموال في بعض الاقتصاديات الناشئة نرى مدى ما خلفته وراءها من أزمات سواء كانت سياسية أو اقتصادية، ومثال ذلك الانهيار الذي حدث عامي 1997 و 1998 في بورصات دول جنوب شرق آسيا ، والذي أدى إلى مشاكل اقتصادية منها انخفاض أسعار صرف عملات تلك الدول أمام الدولار، وارتفاع معدلات التضخم، إضافة لانخفاض احتياطياتها من النقدالأجنبي والعملات الصعبة، والرسوم البيانية أدناه توضح أثر انهيار الأسواق المالية على عملات تلك الدول.
إنخفاض أسعارالعملتين نتيجة إنهيار السوق المالية 1997 -1998
إنخفاض أسعارالعملتين نتيجة إنهيار السوق المالية 1997 -1998
ولعل ارتباط الريال بالدولار ووجود سعر صرف ثابت مصدر استقرار للعملة المحلية، إلا أن ذلك يتطلب مراقبة دقيقة من جهة البنك المركزي للتدخل في السوق في حالة حدوث تذبذب سعر الصرف مما يتطلب وجود حجم كبير من الاحتياطي النقدي الأجنبي، غير أن مصدر القلق يكمن في خروج تلك الأموال الساخنة من السوق والذي قد يؤدي لانخفاض ذلك الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
وسوقنا كأي سوق مالية تحوي المستثمر والمضارب، غير أن المضارب هو أكثر تأثيرا على أداء وحركة السوق ، وفي المقابل ينقسم المضاربون إلى فئتين أحداها متحكمة والأخرى تابعة، فكبار المضاربين غالبا ما تتوفر لهم معلومات أكثر من غيرهم، مما يجعلهم يقودون حركة المؤشر صعودا أوهبوطا حسب ما تقتضيه المصلحة، في حين يبقى صغار المضاربين وهم الغالبية العظمى تابعين في قرارات البيع والشراء.
إن فترة الركود التي أعقبت انهيار السوق عام 2006 وحتى معاودة السوق نشاطه منتصف 2013، مؤشر واضح على ضعف الثقة لدى المتعاملين في السوق وإحجام الكثير عن التداول خصوصا المواطنين،اللذين تبخرت أموالهم ولحقت بمؤشر السوق خلال الانهيار، وبلا شك أن دخول المستثمر الأجنبي غير المقيم سيؤثر على أداء السوق مستقبلا، مما يتطلب قدرا كبيرا من الشفافية ، وأنظمة تحفظ للمتعاملين في السوق حقوقهم، وتمنع التجاوزات والأضرار بالآخرين، والحد أو منع أي تأثير على السوق أو قرارات المتعاملين فيه خصوصا تلك التقارير التي تصدر بين الحين والآخر وتضع سعرا مستهدفا لسهم معين، أو فلننتظر يوما أسود يسجل لسوقنا المالية في بداية عهدها بالعالمية.
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734